عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
الطلاق «الأبيض»
20 يوليو 2018
000;


أنا سيدة تعديت سن الأربعين بقليل، وزوجى يكبرنى بعدة سنوات، ولدينا ثلاثة أبناء، وقد رحلت والدتى عن الحياة، وكانت تتقاضى معاشا كبيرا عن والدى، وأوعز إلىّ البعض بأننى من الممكن أن أحصل على هذا المعاش باعتبارى الابنة الوحيدة لأبوىّ بشرط أن أنفصل عن زوجى على الورق فقط، بينما يكون بيننا عقد زواج عرفى، ولما علم زوجى بذلك راقت له الفكرة، لكننى أرفضها تماما، فهى غير مريحة لى، وقد تنعكس على أولادى فى المستقبل إذا رحلت عن الحياة وأنا منفصلة رسميا عن أبيهم، فأوراق الحكومة لا تعترف بالزواج العرفى، كما أن هذا التصرف محرم وفقا لما علمته، فماذا أفعل لأقنع زوجى بعدم الإقدام على هذه الخطوة تحت أى ظرف من الظروف؟.



< ولكاتبة هذه الرسالة أقول:



إن هذه الآفة الاجتماعية الخطيرة يسمونها «الطلاق الأبيض»، مع أن الطلاق واحد، ليس فيه أبيض ولا أسود، وهذه الظاهرة تفشت بشكل لافت للنظر فى السنوات الأخيرة، وهى تنم عن ضعف الإيمان واستخدام رابطة الزواج المقدسة فى الاحتيال والغش للوصول إلى أخذ ما ليس بحق، والتحايل على القانون والدين، فالغاية لا تبرر الوسيلة والتحايل باسم الدين والتلاعب بالطلاق ليس بأمر هيّن، فهو عند الله عظيم، حيث لا يجوز شرعا الطلاق و«التفريق الصورى» بين الزوجين للحصول على امتيازات وحقوق يستفاد منها كأن يطلق زوجته بهدف الحصول على سكن بمختلف الصيغ باعتباره مطلقا وزوجته  تحصل على سكن باعتبارها مطلقة، ويبقيان معا، ويمارسان الحياة الزوجية العادية، متصورين أنهما يعيشان فى الحلال وفى أحسن الأحوال يجددان قراءة الفاتحة، ويظنان أن ذلك جائز! إن الطلاق كما هو معروف فى الإسلام هو حل رابطة الزواج بلفظ صريح أو كناية يشترط فيها نية الطلاق وهو مباح، وقد شرّعه الله عز وجل لاستحالة التوافق بين زوجين انعدمت المودة والرحمة بينهما، حيث يقول تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ» (الطلاق 1) فهو إذن حل لمعضلة استحال حلها بجميع الطرق، ومصطلح ديني، وحكم شرعى لا يجوز لأحد الهزل به ولا العبث بأحكامه.



إن الشرع ليس فيه «زواج أبيض» ولا «طلاق أبيض»، وإن الإثم يزيد على فاعليهما «الرجل وزوجته» لو قصدا منه التوصل إلى فعل محرَّم أصلاً، كمن يسعى به للتهرب من حقوق الناس وديونهم، ومثل من تريد أخذ إعانة مطلقة من مؤسسة أو جهة حكومية أو غيرها.



لقد منع الله سبحانه وتعالى أن تتخذ آيات الله هزواً وأن يتكلم الرجل بآيات الله التى هى العقود إلا على وجه الجد الذى يقصد به موجباتها الشرعية، ولهذا ينهى عن الهزل بها، واللجوء إليها بقصد التحايل  والغش، ويدل على ذلك قوله سبحانه وتعالى: «وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا» (البقرة 231)، وقول النبى صلى الله عليه وسلم: «ما بال أقوام يلعبون بحدود الله ويستهزؤن بآياته فاعلم أن اللعب بها حرام»،



فإذا طلَّق الرجل امرأته لفظاً وقع طلاقه، ولو كان لا يقصد به إنفاذ الطلاق، وخاصة إذا صدر حكم الطلاق من المحكمة فهو طلاق بائن بينونة صغرى لا تعود له إلا بعقد جديد ولو كان الزوج يقصد من الطلاق الحصول على سكن مثلا، ثم يعيدها إلى عصمته بعد ذلك فهو فعل محرَّم، وهناك محذوران آخران هما: الأول: التحايل والكذب، وشهادة الزور، فهو يتحايل على الدولة ويخدعها من أجل الحصول على سكن وهذا محرم ، والثانى: أنه يريد التوصل بـ «الطلاق الأبيض»، الزواج من ثانية فهذا أيضا فيه كذب، وقد جاء فى ديننا النهى عن سوء الأخلاق لما فى ذلك من الخطر العظيم على الدين والفرد والأسرة.



فعن جرير بن عبد الله رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «من غشنا فليس منا»، فلنتق الله فى العقود الشرعية، ولا نجعل الطلاق والميثاق الغليظ والرباط المقدس بين الزوج والزوجة لعبة وغرضا، ولا نتخذها مطايا لغايات دنيوية محرّمة، وعلى من يفكرون بهذه الطريقة المدمرة أن يتأملوا فيما يمكن أن تسببه أفعالهم بإيقاعهم فى الحرج الشديد أو الحرمان من الحقوق وغير ذلك، وأن يضعوا نصب أعينهم الآية القرآنية القاطعة للرد على كل من يلجأ إلى «الطلاق الصورى» طلبا لمنفعة، وهى قوله تعالى: «وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ» (الطلاق 2و3)، ولا حول ولا قوة إلا بالله.