عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
السرقة على الطريقة الغجرية فى مصر
20 يوليو 2018
أمل الجيار


فى الأوراق القديمة أسرار وحكايات وأخبار عن أناس عاشوا وماتوا وتركوا جزءا من أرواحهم وحكاياتهم محفوظة بين طيات الأوراق الرسمية القديمة، فما بالنا إذا كانت الحكايات عن الغجر، هؤلاء البشر الذين تحيط بحياتهم وأخبارهم وتجمعاتهم هالة من الغموض والإثارة، وبمجرد ذكر اسمهم تمر صور كثيرة مثيرة منها القوة والشراسة والمكر والسرقة والاحتيال حتى يقال عن الرجل الشرس الذى يتصرف دون اهتمام بالمجتمع الذى يوجد فيه إنه غجرى، وكذلك يقول المثل المصرى القديم عن السيدة ذات الصوت العالى الغجرية ست جيرانها فى دلالة واضحة عن الخوف ممن يحملون صفات الغجر.



...................................

ووثيقة هذا الأسبوع تحكى حكاية مرتبطة بهذا الفصيل من البشر الذين ينتشرون فى كل أنحاء العالم، ولكن الجميل أنها تتحدث عن شجاعة وذكاء ضابط شرطة وبالتحديد ملازم ثان تمكن من الإيقاع بعصابة من الغجر وإحباط مخطط شيطانى لهم قاموا من خلاله بعدد من السرقات لبيوت مزارعين ومواش بخبث ومهارة حتى أوقعهم حظهم العثر فى طريق الضابط الهمام ليقبض عليهم ويتم محاكمتهم وينالوا جزاءهم ويفتضح مخططهم الشرير والذكى فى الوقت نفسه.



والوثيقة صادرة من قسم الضبط بمديرية الجيزة وبتوقيع إبراهيم أبو المجد مأمور الضبط وتقول جيزة مديرى سعادتللو أفندم (وهى الصيغة اللائقة لمخاطبة المسئول): بتوجهى إلى النيابة استلفتنى حضرة محمود أفندى زكى وكيلها إلى الخدم الجليلة المقرونة بالهمة والعناية التى قام بها الملازم ثانى المحلى أبو المجد محمد أفندى ملاحظ بوليس مركز إمبابة فى القضايا نمرة 361 ، 362 ، 363 جنايات المركز لسنة 1907 والخاصة بسرقات مواش وخلافها وقعت من جملة لصوص رجالاً ونساء من جماعة الأغجار (الغجر) الذين باتحادهم معاً وضعوا بروجراماً عجيباً فى حد ذاته بتقسيمهم الجهة إلى دركات ( مناطق ) توزعوا فيها حتى إذا سرق أحدهم شيئاً أرسله إلى زميله فى الدرك الآخر وهكذا حتى فى أقل من لمح البصر يبعد المسروق بعداً شاسعاً من محل الجريمة بينما يكون السارق بدركه آمناً على نفسه من كل خطر ، ومع كل فالملاحظ ( الضابط ) المذكور واصل وتتبع سير التحقيق بجد واجتهاد حتى أظهر غوامض تلك المسائل وكان من وراء عمله هذا أن حكمت محكمة الجنايات فى القضية الأولى بسنتين حبس و6 شهور مراقبة ، وفى الثانية بسنتين حبس و6 شهور مراقبة وفى الثالثة بسنتين أشغال شاقة وسنة مراقبة ، وقد سبق أن المديرية لاحظت مع الانشراح التام أعمال هذا الملاحظ فى تلك القضايا وأرجأت النظر فى أمر اجتهاده لحين ظهور النتيجة وهى الآن قد ظهرت أفندم.



ومن هذه الوثيقة يتبين أن الغجر كانوا يقومون بعدد من السرقات بطريقة شيطانية ماكرة لم يتمكن أحد من اكتشافها حتى تمكن الضابط المجتهد أبو المجد محمد من كشف خطتهم الشيطانية التى وضعوها بذكاء لإبعاد المسروقات عن مكان الجريمة فى لحظات وتأمين السارق فى الوقت نفسه إذا ظهر البوليس ، وكذلك يظهر من الوثيقة أن المديرية تشير إلى دور الضابط فى الكشف عن هذه الجرائم مما يستوجب مكافأته ليكون قدوة لغيره من الضباط.



أما عن تاريخ الغجر فى مصر فتقول «وكيبيديا» إنهم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام هى الغجر، والحلب، والنَوَر، ويطلق عليهم أيضًا الهنجرانية، والتتر، والمساليب ويعيشون فى تجمعات يضم كل منها عددًا من الأسر تتراوح أعدادها بين أسرة أو اثنين ومئات الأسر.



وطابع الغجر المصريين هو الترحال، كما أن هناك بعض التجمعات المستقرة أو شبه المستقرة التى تمارس التنقل الموسمى، وتكون لها أماكن (قرى عبور) تستقر فيها بعد الترحال. ومن نماذج الجماعات المستقرة غجر قرية الروبيات، الذين اختاروا هذه القرية مقرًا أساسيًا لهم لتوسطها بين خمس قرى أخرى.



ويعيش الغجر المستقرون فى مساكن تتناسب مع المنطقة التى يحلون بها ومع مستواهم المادى، فقد تكون المساكن مشيدة بالطوب الأحمر، أو بالطوب اللبن، أو بالقش والبوص، ويتوسط مساكنهم حوش متسع به الأغنام والكلاب، أما محتويات المنزل فلا تتعدى المعدات الضرورية وبعض الأغطية والأفرشة شديدة القذارة. ويميل الغجر بصفة عامة إلى السكن فى أطراف القرى، وذلك لعدم ميلهم إلى الاختلاط بالأهالى، أو لإبعاد الأنظار عن أنشطتهم وتحركاتهم.



ولا يلجأ الغجر للقانون، بل يحكمهم مجلس يسمى مجلس المغارمة، يتولى الفصل فى المنازعات، ويتكون من كبير الغجر يعاونه ثلاثة رجال.



ويعمل الغجر فى صناعة المناخل من شعر الخيل، وعمل المسامير والرقص الشعبى وتدريب القرود خاصة من يسكنون منطقة الأزبكية بالقاهرة وأعمال البهلوانات فى الموالد، وتعمل نساء الغجر فى قراءة الطالع، وتعيش هذه المجموعة فى منطقة تسمى «حوش بردق»، كما يقمن بعمل الوشم، ومن أشهر الأعمال التى تمارسها الغجريات الغناء والرقص (ويسمين الغوازى) والتسول، حيث تقوم المرأة بالتسول بينما ينتظر الرجل عودتها إلى البيت بالنقود والمؤن، وتقوم جماعة النوَر بوجه خاص بالسرقة بطرق متنوعة.



ولا يتزوج الغجر من خارجهم ويسمى العريس الغريب «الإفرنجى»، وتدور الكثير من الأغانى التى يغنيها الغجر فى أفراحهم عن العشاق الذين أحبوا بنات الغجر ولم يستطيعوا الزواج منهن. ويقاس ثراء الغجرى بعدد زوجاته وعدد قروده، ويرتفع مهر الفتاة الغجرية إلى مائة ألف جنيه لقدرتها على كسب المال بالسرقة والرقص وفتح المندل، ولذلك تقام احتفالات كبرى عند ولادة الأنثى، وتصبغ الغجرية شعرها باللون الأصفر لاعتباره من علامات الجمال ، وحتى وقت قريب كان الغجرى يتزوج ثلاثا وأربعا وهن المسئولات عن الإنفاق عليه وعلى الأبناء. لا يعرف عدد الغجر فى مصر على وجه التحديد، و كان حكام مصر زمان يجبرون الغجر على دفع ضريبة الرؤوس، مما حدا بالغجر إلى اتباع طرق الخداع للتهرب من الضريبة، فكانوا يفرون سرًا إلى القرى وأطراف الصحراء. وهم شديدو الشك بالناس، ويفضلون الاحتفاظ بكل جوانب حياتهم سرًا. وينتشر الغجر فى قرى مصر وصحاريها، وتتركز أعداد ملحوظة منهم فى حى غبريال بالإسكندرية وبعض قرى الدقهلية التى يوجد بها 4 آلاف غجرى وحوش الغجر بسور مجرى العيون بالقاهرة والمقطم.



والله.. الله.. على مصر وحكاياتها زمان.