عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
شمس التبريزى.. الباحث عن النور الحقيقى
15 يوليو 2018
نجلاء محفوظ
شمس التبريزى


كثيرون من توهموا أنهم وصلوا للحقائق؛ قليلون من توصلوا لها.. كثيرون من ادعوا العشق؛ أقل القليل من صدقوا بعشق النور فرد عليهم بالتواجد فى أعمارهم..



ومن أقل القليل شمس التبريزى ذلك المتصوف الفارسى الذى كانت حياته متفردة؛ ولد فى عام 1185هـ وغادر الحياة 1248هـ ونشأ طفلا مختلفا عن أقرانه؛ يرى أحلاما فتتحقق، فى شبابه ترك مدينته تبريز وراح يتجول فى بلدان العالم باحثاعن المعرفة وحصد الكثير منها فى رحلاته الكثيرة..ومن أهم تلاميذه «ابن الرومى»الذى ذاعت شهرته كأحد أهم العارفين المتصوفين..عرف شمس الكثير من أسرار الحياة وعبر عنها بكلمات موجزة أكدت حكمته وتفرده وغوصه فى جوهر الأشياء ونفوره من التعلق بالظواهر والحكم عليها وكيف لا يفعل وهو القائل: كيف يمكن للبذرة أن تصدق أن هناك شجرة مخبأة داخلها؟، ما تبحث عنه موجود داخلك.فطن التبريزى لأهمية العالم ودوره «الحقيقى» فى منح الحياة قيمة وإضافة أعمار للحياة وكيف لا يفعل وهو الذى قدم عمره قربانا للمعرفة وكان نموذجا صادقا لقوله:« العلم الذى لا يأخذك أبعد من ذاتك أسوأ من الجهل»..



كما تنبه إلى أن غالبية البشر يعيشون ويموتون ولا يعرفون أنفسهم جيدا وبالتالى لا يعرفون الله؛ فشدد على أن الطريق إلى الحقيقة يمر من القلب لا من الرأس؛ فاجعل قلبك لا عقلك دليلك، واجه، تحد وتغلب فى نهاية المطاف على النفس بقلبك؛ إن معرفة النفس ستقودك إلى معرفة الله.



ويأخد بأيدينا بلطف وبحنو وهو يقودنا إلى الطريق فيقول: «الوحدة والخلوة شيئان مختلفان؛ فعندما تكون وحيدا من السهل أن تخدع نفسك وتتوهم أنك على الطريق القويم، أما الخلوة فهى الأفضل لأنها تعنى أن تكون وحدك دون أن تحس بأنك وحيد».ويمنحنا التبريزى طاقات «نورس لإزاحة ظلام الحياة وظلماتها فيقول: مهما حدث فى حياتك ومهما بدت الأشياء مزعجة فلا تدخل ربوع اليأس، وحتى لو ظلت جميع الأبواب مغلقة فسيفتح الله دربا جديدا لك؛ احمد ربك، من السهل أن تحمد الله عندما يكون كل شيء على ما يرام، فالصوفى لا يحمد الله على ما منحه الله إياه فحسب، بل يحمده أيضا على كل ما حرمه منه..



ويذكرنا بقول ابن عطاء الله السكندرى البديع: «ربما أعطى فمنع، وربما منع فأعطي، والمحبة هى الموافقة» وربما تعلم التبريزى من التجوال ومراقبة أحوال البشر والغوص بأعماقهم ما جعله يهدينا كنوزه ومنها تحذيره من الصبر السلبى فقال: بالصبر لا يعنى تحمل المصاعب بسلبية بل التحلى ببعد النظر والثقة بالنتيجة النهائية للصبر الذى يعنى النظر إلى الشوكة ورؤية الوردة، والنظر إلى الليل ورؤية الفجر..أما نفاد الصبر فيعنى قصر النظر وعدم رؤية النتيجة«. ويضيف مبدعا: إن عشاق الله لا ينفد صبرهم أبدا؛ فهم يعرفون أنه حتى يصبح الهلال بدرا فإنه يحتاج لوقت؛ فقد خلق الله المعاناة لتظهر السعادة من نقيضها.ونتوقف مع أجمل هداياه للحياة فيقول: ليس من المتأخر أبدا سؤال نفسك؛ هل أنا مستعد لتغيير الحياة التى أحياها؟ هل أنا مستعد لتغيير نفسى من الداخل؟ وحتى لو كان قد تبقى يوم من حياتك« يوم واحد يشبه اليوم الذى سبقه، ففى كل لحظة ومع كل نفس جديد يجب على المرء أن يتجدد ويتجدد ثانية.ويؤكد شمس التبريزى أن الذين يستسلمون للجوهر الإلهى فى الحياة يعيشون بطمأنينة وسلام حتى عندما يتعرض العالم برمته إلى اضطراب تلو اضطراب.