عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
مع وصول ترامب إلى لندن..
ماى تستعد لاستقبال «زائر من الجحيم»
12 يوليو 2018
منال لطفى
> ماى وترامب خلال قمة الناتو العام الماضى


كان أسبوعا عصيبا على رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي. فقد خسرت اثنين من أهم وزرائها وهما وزيرا الخارجية بوريس جونسون، وشئون البريكست ديفيد ديفيز إثر خلافات عميقة بشأن مستقبل العلاقة بين الاتحاد الاوروبى وبريطانيا بعد البريكست. كما استقال نائبان بارزان من حزب المحافظين احتجاجاً على خططها، ليصل إجمالى عدد المستقيلين من حكومتها والحزب إلى 5 مسئولين.



لكن أسبوع ماى بصدد أن يكون أسوأ. حيث تستعد لاستقبال «زائر من الجحيم»، بوصف صحف بريطانية، هو الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الذى يزور لندن لمدة 3 أيام بدءا من مساء اليوم. لقد «لدغت» تيريزا ماى مراراً من ترامب خلال العامين الماضيين. ومن نافلة القول إن «الكيمياء الشخصية» بينهما فى تدهور ملحوظ.



وحتى قبل وصوله إلى بريطانيا أثار ترامب عاصفة تصريحات مثيرة للجدل حيال رئيسة وزراء تكافح للحفاظ على منصبها.



فخلال توجهه من واشنطن إلى بروكسل لحضور قمة الناتو، قال الرئيس الأمريكى «هناك الكثير من التطورات الجارية فى بريطانيا. بريطانيا فى حالة فوضي... الأمر يعود للشعب البريطانى لتقرير ما إذا كانت تيريزا ماى ستظل رئيسة للوزراء».



وتابع:«علاقتى على ما يرام بالسيدة ماي. ودائما ما اعجبت ببوريس جونسون. انه صديق. آمل أن أجد الوقت للتحدث معه خلال الزيارة»، وذلك فى إشارة لوزير الخارجية المستقيل والمنافس الأول لماى على زعامة حزب المحافظين والحكومة.



ثم أضاف ترامب متحدثا عن جدول أعماله خلال الأيام المقبلة:«لدى اجتماعات الناتو وبريطانيا، التى تمر بحالة فوضي، والاجتماع مع بوتين. ويبدو لى أن الاجتماع مع بوتين سيكون الأسهل».



لم تجد ماى بدا من الرد على ترامب قائلة فى مؤتمر صحفى فى لندن إنها تتطلع لاستقبال الرئيس الأمريكى حتى يرى «أن كل شيء على ما يرام فى بريطانيا»، وأنه سيجد فى وزير الخارجية الجديد جيرمى هانت (حليف ماى المقرب) صديقاً لأمريكا كما كان جونسون.



ولا شك أن ماى تشعر بخيبة أمل كبيرة فى حليفها عبر الأطلنطي.



عندما التقته فى واشنطن قبل عامين بعدما انتخب رئيساً للولايات المتحدة كانت تأمل أن تجد تجسيداً لـ «العلاقات الخاصة» بين لندن وواشنطن عبر دعم سريع وغير مشروط لبريطانيا التى ما زالت تتلمس طريقها فى عالم ما بعد البريكست.



لكن ماى وجدت «رئيسا -رجل أعمال» يحسب كل صفقة بمنطق المكسب والخسارة.



وتدهورت العلاقة الشخصية بين ماى وترامب بسرعة بسبب انتقادات من لندن لسياسة امريكا للهجرة، وحظر سفر مواطنى 7 دول ذات أغلبية مسلمة، وخروج أمريكا من الاتفاق النووى الإيراني، وانسحابها من اتفاقية باريس للمناخ.



وزاد الطين بلة، الانتقادات العنيفة التى يتعرض لها الرئيس الامريكى من الطبقة السياسية والشارع البريطانى بسبب «الشماتة» التى يبديها كلما حدث هجوم ارهابى فى أوروبا، حيث يرجعه ترامب مباشرة لسياسة «الباب المفتوح» فى أوروبا.



لكن الضرر الحقيقى فى علاقتهما حدث بعد الهجوم الإرهابى فى لندن فى يونيو 2017 عندما استخدم ترامب الهجوم لانتقاد عمدة لندن صديق خان، الذى اختلف بشدة مع سياسة ترامب للهجرة. وتدخلت تيريزا ماى للدفاع عن خان، مشددة على أن ترامب اخطأ باتهام خان بالإخفاق فى أداء عمله.



وفى نهاية المطاف، وتحت ضغط من الشارع والبرلمان، اضطرت لتخفيض مستوى زيارة ترامب لبريطانيا من «زيارة دولة» إلى «زيارة عمل» بعد مطالبات بإلغاء الزيارة كلها.



ووفقاً لجدول أعمال زيارة ترامب لبريطانيا، فإن ماى ستستضيفه مع زوجته فى قصر باكينجهام فى أوكسفورد شاير مساء اليوم على عشاء رسمى مع 100 ضيف، ممثلين عن قطاعات الخدمات المالية، والتكنولوجيا، والهندسة، والقطاعات الدفاعية والعسكرية والصيدلة والصناعات الإبداعية.



بعد ذلك، سيتوجه ترامب إلى وينفيلد هاوس، مقر إقامة السفير الأمريكى فى «ريجنت بارك» وسط لندن، حيث سيحط بطائرة هليكوبتر خاصة لتجنب السير فى شوارع لندن لتلافى عشرات الآلاف من المتظاهرين ضده.



ثم سيجرى محادثات ثنائية حول مجموعة من قضايا السياسة الخارجية بما فى ذلك التجارة مع ماى خلال اجتماع فى مقرها الريفي. وسيلتقى ترامب وزوجته الملكة اليزابيث الثانية فى قلعة وندسور. لكنه لن ينام فى القلعة على غرار الرئيس الامريكى السابق جورج بوش الابن. وذلك قبل أن يتوجه إلى اسكتلندا (بلد أجداده)على أن يغادر مساء الأحد.



لكن هذه الزيارة التى صممت بعناية، لم تكن لتأتى فى وقت أسوأ بالنسبة لتيريزا ماي.



فهى تخوض حربا مفتوحة للحفاظ على منصبها وهناك قتال داخلى فى حزبها وحكومتها حول شكل البريكست.



وهى اختارت «البريكست الناعم» وأطاحت برءوس «البريكست الخشن».



وسيلاحظ الرئيس الامريكى خلال زيارته بريطانيا أن أصدقاءه المقربين فى معسكر «البريكست الخشن»، ومن بينهم الزعيم السابق للحزب القومى اليمينى «استقلال بريطانيا» نايجل فاراج، دعوا ماى إلى الاستقالة، متهمين إياها بالفشل فى إدارة المفاوضات.



وبالنسبة للرئيس الأمريكى الذى لطالما أيد بحرارة البريكست وزار بريطانيا عشية التصويت فى 16 يونيو 2016، و اعتبر البريكست وانتخابه رئيساً لامريكا «ثورة ضد النخبوية والمؤسسات القائمة»، فإن إعفاء مايعتبر دعما غير مشروط لرؤيتها للخروج الناعم من الاتحاد الأوروبى أمر يصعب تصوره.



فالرئيس الامريكى ليس صديقاً للاتحاد الأوروبي، بل عدو، وعدو صريح أيضاً.



فقبل أيام اتهم ترامب الاتحاد الأوروبى بالتعامل مع الولايات المتحدة» كـ«خزينة نقود» وسط نزاع تجارى مستمر حول التعريفة الجمركية، موضحاً:نحن نحب بلدان الاتحاد الأوروبي. لكن الاتحاد الأوروبى بالطبع تم إنشاؤه لاستغلال الولايات المتحدة... ولا يمكننا أن نسمح بحدوث ذلك».



كما قال إن امريكا خسرت العام الماضى 15 مليار دولار فى التجارة مع الاتحاد الأوروبى «لأنهم يرسلون المرسيدس والـ بى إم دبليو. يرسلون بضائعهم. وعندما نرسل بضائعنا، يقولون لنا: شكراً لكم. لن نأخذ منتجاتكم. هذه ليست تجارة حرة. هذه تجارة غبية».



عداء ترامب العميق لمؤسسة الاتحاد الأوروبى يلخصه ببلاغة اقتراحه على الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون انسحاب فرنسا من الاتحاد الأوروبى مقابل صفقة تجارية ثنائية سخية عندما زار ماكرون البيت الأبيض ابريل الماضي.



يأتى كل هذا وسط تصعيد مستمر مع الاتحاد الأوروبى وبريطانيا بشأن الحرب التجارية، وميزانية الناتو، وسياسة كوريا الشمالية، والاتفاق النووى الإيراني، والعلاقة مع روسيا.



وحتى قبل مغادرته واشنطن لحضور قمة الناتو غرد ترامب على تويتر:«إن الولايات المتحدة تنفق على حلف الناتو أكثر من أى بلد آخر.هذا ليس عدلاً وغير مقبول»، مصراً على أن الناتو «يفيد أوروبا أكثر بكثير من الولايات المتحدة».



البريكست والناتو والاتحاد الأوروبى لن يكونوا نقطة الاشتعال الوحيدة بين ترامب وتيريزا ماي. بل العلاقات مع روسيا أيضاً.



وتشعر لندن، مع بقية دول الاتحاد الأوروبي، بالقلق من تقارب أمريكا المحتمل مع روسيا خلال قمة ترامب والرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى هلسنكى الأسبوع المقبل. فالرئيس الأمريكى لا يبدو أنه يشارك حلفاءه الغربيين فى القلق من سياسات موسكو فى أوكرانيا أو دول البلطيق، بل على العكس أعرب مؤخراً عن تفهمه لضم روسيا جزيرة القرم «كلهم يتحدثون الروسية»، بحسب ما قال ترامب.



عداء ترامب الواضح والصريح للاتحاد الأوروبى والناتو يشكل تحدياً لتيريزا ماي. فبريطانيا وإن خرجت من الاتحاد الاوروبي، إلا أنها تريد للاتحاد أن يظل متماسكاً فهو الشريك التجارى الأول لها. أما الناتو، فهو الفضاء الاستراتيجى والأمنى الذى تتحرك فيه.



وتتصاعد التساؤلات فى بريطانيا: وما الذى ستجنيه ماى من الزيارة؟.



إن أكثر ما تطمح اليه هو وعد باتفاق تجارة حرة مع أمريكا. لكن ترامب لا يؤمن بالتجارة الحرة، وقد أخرج امريكا من اتفاقيات دولية للتجارة الحرة، وطبق إجراءات حمائية، ودخل فى حرب تجارية مفتوحة مع الاتحاد الأوروبى والصين أكبر سوقين فى العالم.



وفى نظر الكثيرين فإن هذه الزيارة التى سببت لتيريزا ماى الكثير من الصداع لن تثمر الكثير، وستختبر قدرة ماى على الصبر والمناورة الدبلوماسية أمام ضيف أمريكى بات ثقيلا على أوروبا.