عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
مساحات أفضل للمشاركة
7 يوليو 2018
◀ د. سامــح فـوزى


أحد الانتقادات التى توجه إلى التحول السياسى فى 30 يونيو سواء من خصومه أو الذين أيدوه فى البداية ثم تحفظوا على بعض توجهاته أنه أدى إلى تضييق المجال العام، ولم تعد هناك مساحات واسعة متاحة للمشاركة. الظاهر فى هذا الانتقاد شيء، والباطن شيء آخر. إذا نظرنا إلى العامين اللذين تليا 25 يناير نجد بالتأكيد المجال العام أكثر اتساعا مما آل إليه بعد 30 يونيو. السبب يعود ليس فقط إلى السياسات الحكومية، ولكن أيضا إلى أن البعض يعتبر حالة السيولة التى أعقبت 25 يناير نوعا من المشاركة، وهو توجه غير صحيح، خاصة أن جانبا من هذه السيولة جاء على حساب الدولة ذاتها، والمشاركة بحكم التعريف تصب فى تعزيز الدولة، وليس خصما منها. فقد شهد المجتمع خلال تلك الفترة حالة من الصدام بين القوى السياسية، وغياب القدرة على الوصول إلى عقد اجتماعى بين مختلف مكونات المجتمع، رغم المحاولات التى بُذلت فى هذا السياق، وأهمها وثيقة الأزهر التى صدرت فى يونيو 2012، ولم تُقدم سياسات عامة قادرة على دفع المجتمع إلى الأمام، وآلت الأمور إلى حالة من الوهن أصاب الدولة، وتحولت الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعى إلى ساحة المشاركة دون غيرها خاصة فى ظل مجتمع لا يمتلك فى ذاته، جغرافيا وتاريخيا ونفسيا القدرة على الاستقلال عن الدولة. إذن لم تكن هناك مشاركة بالمعنى الحقيقى على مدى الثلاثين شهرا التى أعقبت 25 يناير 2011، ولكن هذا لا يعنى بالطبع أن المشاركة فى أفضل أحوالها الآن، إذ يشهد الواقع عزوفا من جانب قطاعات من المواطنين، ولاسيما الشباب، وأى جهود تصب فى تطوير أداء الدولة تتطلب سياقا من المشاركة يوفر لها الدعم المجتمعي. وهنا ينبغى أن نفرق بين أمرين: الأول المساحات التى تدعو الدولة المواطنين للمشاركة من خلالها، يعبرون عن مصالحهم، ويقدمون الدعم والمساندة لغيرهم، ويصل صوتهم إلى دوائر صنع القرار. وتشمل نشاط الجمعيات الأهلية، والأحزاب السياسية، والنقابات المهنية، ومجالس الآباء فى المدارس، إلخ. أما الأمر الثانى فهى المساحات التى يخلقها المواطنون أنفسهم، ويغلب عليها رفض الوضع القائم، وتحدى السياسات العامة. وبدهى القول إنه إذا ضاقت مساحات المشاركة الطوعية اتسعت مساحات التحركات الرافضة، وهو ما يتطلب أن تكون المساحات المتاحة أمام الناس للتعبير عن أنفسهم «كافية». فى أحيان كثيرة تظهر إشكالية ضعف المشاركة ليست فى ضيق المساحات المتاحة لها، ولكن فى عدم قدرة الفاعلين على تعبئة جهود المشاركة. خذ مثالا على ذلك حالة الأحزاب السياسية، تعانى تخمة فى العدد وضعفا فى الانتاج. الجمعيات الأهلية تواجه بالفعل بعض التحديات فى ظل القانون الراهن المنظم لعملها، لكنها أيضا تعانى مشكلات بنيوية، ظهرت بوضوح عندما انخفض التمويل الخارجى مقارنة بما كان عليه قبل عام 2011. النقابات المهنية تعانى بدرجات متفاوتة ضعف أداء دورها المهني. المسألة إذن ليست دائما فى ضيق مساحات المشاركة فحسب، ولكن فى عدم قدرة مؤسسات المجتمع على تعزيز المشاركة. قد نجد أفرادا يطرحون أفكارا أو يقترحون مشروعات، ولكن ما الذى يمنع الأحزاب من أن تقدم مقترحات سياسات عامة لتطوير التعليم والصحة والخدمات وغيرها؟ الجميع يتحدث عن الانتخابات المحلية، هل لدى الأحزاب مقترحات واضحة عن برامج ومشروعات لتطوير الخدمات المحلية أسوة بدول أخرى تنعش بها النقاش العام؟. بالتأكيد نحتاج إلى قوانين تحرر هذه المؤسسات من سيطرة البيروقراطية، وتوفر لها مساحات من الحرية فى الحركة، ونحتاج كذلك إلى مؤسسات تستند إلى رؤية، وإدارة، والتزام، ومنهج.



إشكالية المشاركة ليست فى 25 يناير، كما أنها ليست فى 30 يونيو، ولكن فى ضعف القدرات المجتمعية التى تعزز المشاركة. وما أسهل انتقاد الحكم، وما أصعب بناء قنوات جادة تساعد المواطنين على المشاركة. من مصلحة الدولة أن يدعمها المواطن، ولكن حين تكون حركة المواطن ليس على حساب انتظامها، واستقرارها، وقدرتها على أداء دورها تتحول المشاركة إلى سيولة سياسية. فى كثير من الدول التى مضت على طريق التنمية كان أمامها تحدى توسيع دوائر مشاركة المجتمع، وقد نجحت فى ذلك سواء من خلال تعزيز اللا مركزية، وإيجاد القنوات المحلية التى تسمح بدور للمواطنين فى تحديد بنود الميزانية العامة، وتشكيل لجان استماع للقوانين قبل إقرارها، وإنشاء لجان من المواطنين على المستوى المحلى لمساعدة الجهاز الإداري، ومتابعة الإنفاق العام، وضمان وصوله للجهات المخصص لها. المشاركة فى خبرة التنمية الحديثة ليست مجرد معارضة سياسية، بالتأكيد بدائل السياسات مطلوبة دائما، ولكن المشاركة فى الأساس تعبر عن مجتمع ينخرط فى إدارة شئونه على كل المستويات: المحلية، والمهنية، والسياسية. هذا هو جوهر المشاركة الحديثة التى تسهم فى تعزيز تواصل المواطن مع الدولة، ومن الضرورى تمكينه قانونيا وواقعيا على ذلك.