عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
الحق المسلوب
15 يونيو 2018
000;


أنا فتاة أتممت تعليمى الجامعى، وأنتمى إلى أسرة بالأرياف، وبرغم أننى لا أقل مستوى عن أشقائى، فإن أهلى يعاملونهم معاملة مختلفة عنى، وينظرون إلىّ على أننى أقل منهم لكونى أنثى، وليست هذه حال أسرتنا فقط، بل هى دأب كل الأسر فى القرى والتجمعات الشعبية، فهل يعقل أن تظل هذه النظرة الدونية قائمة فى عصرنا الحالى الذى يشهد المساواة بين الرجل والمرأة فى كل أمور الحياة؟، وما هو السبيل لأن تأخذ الأنثى حقها الذى تكفله لها الشرائع والأديان؟.



< ولكاتبة هذه الرسالة أقول:



للأسف الشديد فإنه مازال بيننا من يفضلون الذكر فى كل شيء «المعاملة، الحب، التدليل، العطاء، النظرة، المكانة، التشاور، والاهتمام»، وتعانى الأنثى النظرة السلبية من المجتمع مهما تكن كفاءتها وجدارتها، لا لشيء إلا لأنها أنثى والأم فى هذه البيئات تربى ابنتها لتكون مطيعة خنوعة ذليلة بينما تربى ابنها ليكون مسيطراً تغفر سيئاته وانحرافاته، والتمييز على هذا النحو نوع من الظلم، وبصراحة شديدة فإن تفضيل الذكور لا يرجع فقط إلى ضعف الوازع الديني، فهو نوع من الطغيان العاطفى لبعض الآباء والأمهات تجاه بعض الأبناء فيختل لديهم المعيار السليم للتربية السوية والمتوازنة، ولا يتوقف الأثر السيئ لذلك على حياة البنات فحسب، ولكنه أيضاً يعد مشروع «رجل متعجرف» سيئ الخلق، وإن تخطاه فى مستقبله قطار الإجرام فلا أقل من أن يكون عنيفاً قاسياً، خاصة على الضعفاء والمساكين، فهو تربى على ذلك، نتيجة استهتار الآباء ببناتهم وحبهم الجنونى للأولاد، ولكنه للأسف حب يقود إلى الهلاك، وقد أنصف الإسلام البنات أيماً إنصاف ويقول النبى صلى الله عليه وسلم: «من كانت له أنثى فلم يئدها، ولم يهنها، ولم يؤثر ولده عليها، أدخله الله الجنة»، ومن الواجب أن يلعب الإعلام والتوجيه الاجتماعى والنفسى فى برامج الفضائيات دوره فى توعية الأسرة بخطورة الظاهرة.



وتحكى السيرة النبوية «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبينما كان يحدّث أصحابه جاء صبي، حتى انتهى إلى أبيه فى ناحية القوم فمسح رأسه وأقعده على فخذه اليمنى فلبث قليلاً فجاءت ابنة له حتى انتهت إليه فمسح رأسها وأقعدها على الأرض، فقال رسول الله: ألا أجلستها على فخذك الأخرى؟ ألا سويت بينهما؟، فحملها الرجل على فخذه الأخرى.. فقال صلى الله عليه وسلم: الآن عدل».



كل هذا دليل على أن الإسلام يحث على المساواة الإنسانية بين الجنسين إذ خلق الله الرجل والمرأة وجعلهما على قدم المساواة لا فضل لأحدهما على الآخر إلا بالتقوى، وفى ذلك يقول تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (الحجرات13)، فقد جعل الإسلام الرجل والمرأة من نفس واحدة حيث جاء فى الكتاب العزيز قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا» (النساء1).



إن من أمارات التخلف أن يرى البعض أن الذكر أفضل من الأنثى كما جاء فى قوله تعالى: «وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيم» (النحل 58)، وقد جعل القرآن الكريم ذلك المظهر من الاكتئاب والحزن عندما يبشر الوالد بأنثى، أمارة على عدم التحضر وعدم الفهم المستقيم، لأن ذاك الذى يفضل الذكر على الأنثى فى الأولاد هو إنسان يحرص على أنانيته أكثر مما يحرص على أداء مسئوليته. فهو يرى فى الذكر قوة ينشدها ليستند إليها فى حياته، بينما يرى فى الأنثى ضعفاً يطلب لها الحماية مع أن الأمر قد يصبح العكس.



وقيمة الإنسان ليست فى أنه ذكر أو أنثى، بل فى أنه إنسان فى تهذيبه وسلوكه وحسن معاملته واستقامة تفكيره ولعل الأنثى إذا وجهت توجيهاً سليماً تكون أقرب إلى الإنسان المستقيم الناجح من الذكر لأنها تجعل بحكم الفطرة استقامة التفكير وحسن السلوك وسيلة لقبولها فى الأسرة والمجتمع، وهذا القبول نفسه نوع من الحماية لمن يظن أنه ضعف فى عضلاتها، فالإنسان فى خلقه ذكرا أو أنثى من صنع الله وحده، وما يأتى به الله للإنسان خير له فى واقع أمره لقوله تعالى: «لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُور، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِير» (الشورى49و50) فالله عليم بما يفيد وينفع وبما هو أنسب وأليق، وقدير على خلق أى نوع من الإنسان، فاختياره للذكر أو للأنثى لحكمة ولمصلحة تتعلق بمن أنجب الولد.



والمقياس عند الله تعالى هو العمل الصالح ولذا ينال كل منهما ما يستحقه عند ربه من جزاء بحسب عمله، والمساواة مكفولة بين المرأة والرجل فى القيمة الإنسانية والحقوق المدنية والجنائية، فكل منهما محفوظ النفس والعرض والمال والحرية إلا بما يوجب الشرع الحنيف عند وقوعه فى الخطأ والزلل، فالمرأة شريكة الرجل فى تحمل مسئولية ما يصبو إليه المجتمع من مكانة سامية ومنزلة عالية، وتحيا لرسالة عظمى وغاية كبرى وأمر عظيم وخطب جلل، ولا يجوز تفضيل الذكور على الإناث فى العطاء والحنان وبالتالى فإن العدالة واجبة بين الأولاد جميعا فالبنت شقيقة الابن لها حقوق وعليها واجبات، فينبغى تعليمها حقوقها وواجباتها ليتسنى لها القيام بها ويجب أن يدرك كل مسلم يتكدر من إنجابه الإناث أن الله تعالى أصابه بالكدر لابتعاده عن الإيمان، فالغفلة والبعد عن ذكر الله والإعراض عن أوامره تصيب الإنسان بالهم والكدر.



وإننى أدعو كل الجهات المعنية إلى عقد ندوات توضح خطورة الظاهرة للرأى العام نساء ورجالا، ولا ننسى أن الدين يلعب دوراً كبيراً فى تغيير النظرة الذكورية للمجتمع وفقا للمنهج الصحيح فى معاملة الأبناء.