عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
سياسة حسن الجوار والدور الإقليمى البنّاء للصين
7 يونيو 2018
حسين إسماعيل ــ خبير فى الشئون الصينية


تعد منظمة شانغهاى للتعاون، نموذجا لتطور الدور البناء للصين على المستوى الإقليمى فى ظل النهضة الصينية السلمية، وتجسيدا عمليا لسياسة حسن الجوار التى تنتهجها بكين، وتمسكها بوضع الخلافات جانبا وتعظيم نقاط الالتقاء والتعاون بين الدول. فى عام 1996، وبتشجيع من الصين، تم الإعلان عن إقامة مجموعة شانغهاى للدول الخمس، التى ولدت من رحم سلسلة من محادثات ترسيم الحدود ونزع السلاح بين الصين وكل من روسيا وكازاخستان وطاجيكستان وقرغيزستان، وحققت إنجازات فى مجال تسوية النزاعات الحدودية بين الأطراف، وطرح تدابير لبناء الثقة، والتحرك بطرق تعاونية لمكافحة الأنشطة غير المشروعة فى المنطقة مثل الإرهاب وتهريب المخدرات. وقد أكد إعلان تأسيس مجموعة شنغهاى على أن المجموعة «ليست تحالفا موجها ضد دول أو مناطق أخرى، والالتزام بمبادئ الانفتاح».



فى عام 2001، تغير اسم المجموعة إلى «منظمة شانغهاى للتعاون»، وتم توسيع أهداف ومبادئ وبنى المنظمة لتشمل المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، إضافة إلى بناء الثقة العسكرية. كما تم ضم الهند وباكستان ومنغوليا وإيران إليها بصفة دول مراقبة. المبادئ الثلاثة التى رفعتها المنظمة منذ البداية هى مكافحة الشرور الثلاثة: «الإرهاب، والتطرف، والنزعة الانفصالية».



فى لقاء مع المشاركين فى الاجتماع الثالث عشر للأمانة العامة لمجلس الأمن لمنظمة شانغهاى للتعاون، قبل قمة تشينغداو لقادة أعضاء المنظمة، اقترح الرئيس الصينى شى جين بينج أن تواصل الدول الأعضاء تدعيم مفهوم الأمن المشترك والشامل والتعاونى والمستدام و تعزيز نموذج للحوكمة الأمنية، يعالج كلا من الأعراض والأسباب الجذرية من أجل دفع التعاون الأمنى لمنظمة شانغهاى إلى مستوى جديد. وقال الرئيس إنه من خلال توسيع مجالات التعاون وشن حملة على «قوى الشر الثلاث»، ومنع امتداد تأثير القضايا الساخنة، قدمت منظمة شانغهاى للتعاون إسهامات هامة لتحقيق الاستقرار الدائم والازدهار المتواصل للمنطقة. وأشار شى إلى أن الأمن الإقليمى لا يزال يواجه تحديات من قبل «قوى الشر الثلاث»، وتجارة المخدرات والجرائم المنظمة العابرة للحدود الوطنية، والتى تتطلب من الدول الأعضاء تعزيز حس الحاجة الملحة، والتفكير الهادئ، والحكم الدقيق، والرد المناسب.



إن منظمة شانغهاى للتعاون، بعد 17 عاما من تأسيسها، قد تطورت وأصبحت أكبر منظمة إقليمية شاملة من حيث عدد سكان أعضائها. تبلغ مساحة المنظمة أكثر من 60% من مساحة يابسة منطقة أوراسيا، تمتد من القطب الشمالى إلى المحيط الهندى جنوبا، ومن ليانيونقانغ شرقا فى الصين إلى كالينينغراد فى روسيا. مهمتها الأساسية هى الحفاظ بشكل جماعى على الاستقرار ومواجهة التهديدات الأمنية بشكل فعال.



من أبرز ملامح هذه المنظمة ما يسمى بـ»روح شانغهاي»، والتى يقصد بها الثقة المتبادلة والمنفعة المتبادلة والمساواة والتشاور واحترام التنوع الثقافى وتحقيق التنمية المشتركة. ولعل هذه الروح هى التى دفعت تطور المنظمة من مجرد منصة للتعاون الأمنى إلى إطار تعاون لتحقيق التنمية الإقليمية عبر تيسير التجارة والاستثمار وتعزيز التعاون الصناعى فضلا عن تكثيف التبادلات الشعبية. ومع «مبادرة الحزام والطريق» المقترحة من جانب الصين، وهى المبادرة التى تشمل مشروعات رائدة فى مجالات البنية الأساسية والمالية والتبادلات الشعبية، يبشر بوجود فرص أعظم للتنمية، فإن ثمة آفاق أرحب للتعاون فى جملة واسعة من المجالات التى تتجاوز الأطر التقليدية.



تحقق المنظمة حاليا تقدما ملحوظا فى ستة مجالات، وهى السياسة والاقتصاد والأمن والتبادلات الشعبية والتبادلات الخارجية وبناء الآليات مع استمرار تعزيز التعاون الشامل. وقد أعربت الصين عن استعدادها للعمل مع دول المنظمة الأخرى، للاستمرار فى دعم بعضها البعض سياسيا وتوفير الحكمة والخطط فى إطار المنظمة، وحماية الأمن والاستقرار فى المنطقة وتعزيز مستويات التنسيق وقدرات التنفيذ، فضلا عن تعزيز التعاون فى إطار مبادرة «الحزام والطريق» وإقامة ترتيبات مؤسسية للتعاون الاقتصادى الإقليمى على نحو تدريجي، وتوسيع التبادلات الشعبية والتعاون الثقافي.



لقد تم تصميم الهيكل التنظيمى بأكمله لإنشاء شراكات متعددة الأطراف لمساعدة الدول الأعضاء ذات السيادة فى تنسيق الإستراتيجيات والسبل، لحل القضايا الدولية الملحة وتلبية الاحتياجات الإقليمية. كما يوفر فرصة للدول الأعضاء لتركيز جهودها على الأهداف المشتركة وفقا لمبادئ التعاون الطوعى والتوزيع العادل للمسؤوليات. ومن خلال دمج أربع قوى نووية فى منظمة إقليمية واحدة، تعمل منظمة شانغهاى للتعاون كرادع إضافى للحفاظ على توازن القوة الإستراتيجى والاستقرار السياسى فى العالم.



وقد ساهم عدد من المبادرات الخاصة التى أطلقت تحت إشراف الأمم المتحدة ومنظمة شانغهاى للتعاون بشكل ملحوظ فى تعزيز التعاون الدولى فى مكافحة التحديات والتهديدات المشتركة للأمن. ومن الأمثلة على ذلك نتائج الاجتماع الخاص الرفيع المستوى بشأن «الأمم المتحدة ومنظمة شانغهاى للتعاون: مواجهة التحديات والتهديدات المشتركة»، الذى عقد فى نوفمبر 2016 فى نيويورك. وستواصل منظمة شانغهاى للتعاون بذل جهود منسقة لمكافحة التحديات والتهديدات المشتركة للأمن وتوسيع نطاق الحوار وتعزيز التعاون فى ضمان الأمن الشامل من خلال مكافحة الإرهاب والإرهاب السيبرانى والحركات الانفصالية والتطرف والجريمة المنظمة والاتجار غير المشروع بالمخدرات، فضلا عن تعزيز المعلومات الدولية والاستجابة الأمنية والطارئة.



وقد استطاعت المنظمة من خلال «الهيكل الإقليمى لمكافحة الإرهاب (RATS)، الحد من انتشار ظاهرة الإرهاب فى المنطقة، ففى الفترة بين عامى 2011 و 2015، نجحت سلطات الدول الأعضاء فى المنظمة فى منع 20 هجوما إرهابيا، وتجنب 650 جريمة ذات طبيعة إرهابية ومتطرفة، وتحييد 440 معسكر تدريب للإرهابيين و1700 من أعضاء المنظمات الإرهابية الدولية.



الحوار الثقافي، كتدبير وقائى ضد التهديدات الأمنية، عامل أساسى فى إقامة الثقة المتبادلة والصداقة وعلاقات الجوار بين الدول الأعضاء فى المنظمة. منظمة شانغهاى للتعاون، تعد من تجليات سياسة حسن الجوار الصينية التى تقوم رئيسيا على وضع نقاط الخلاف جانبا وتعظيم الاستفادة من نقاط الاتفاق وتحقيق الكسب المشترك، وهى السياسة التى ثبتت فاعليتها وتشكل نموذجا حرى بالأنظمة الإقليمية الأخرى أن تستفيد منه.