عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
الدور التاريخى للمسيحية فى بناء الحضارة
1 أبريل 2018
رانيا رفاعى


قد لا يعرف الكثيرون أن للمسيحية العربية دورها التاريخى كجزء أصيل من تاريخ الأمة وذاكرتها وخاصة فى العصر العباسي، وهو العصر الذهبى للمسيحية العربية، والذى يمتد من القرن الثامن حتى القرن الرابع عشر ويحتوى هذا التراث على إسهامات المسيحيين العرب فى الحضارة العربية فى اللغة والترجمة والأدب والعلوم والهندسة الخ، ويعد واحدا من أغلى المقدسات لما يضمه بين دفتيه من مخطوطات توضح أهم وأقدس مصادر الأحكام فى الفكر المسيحى العربي، ويشمل كل ما ألّفه المسيحيون باللغة العربية، سواء كان ذلك موضوعا أصلاً باللغة العربية، أو مترجما إليها من لغات أخري. فمؤلفات الآباء التى كُتبت باليونانية أو السريانية أو القبطية، تُرجمت فى العصور الأولى للهجرة إلى اللغة العربية، فأصبحت من التراث العربي، وذلك بصرف النظر عن أصل المؤلف أو المترجم ويعتبر أحد المقومات الأساسية الثقافية للعالم العربى ويرتبط ارتباطا وثيقا بالدين واللغة، وبذلك يعد التراث القبطى جزءا لا يتجزأ من التراث العربي.



ولإلقاء الضوء على أهمية هذا التراث والحفاظ عليه يقول د. القس وجيه ميخائيل أمين عام مركز دراسات مسيحية الشرق الأوسط بكلية اللاهوت الإنجيلية بالعباسية إن التراث العربى المسيحى يأتى بمنزلة رفيعة جداً من حيث السعة والضخامة والرقى الفكرى والعلمى وتعدد موضوعاته وتنوعها بعد التراث اليونانى واللاتيني.



وأشار إلى أنه توجد نحو عشرة آلاف مخطوطة من التراث العربى المسيحى منتشرة فى المكتبات والمتاحف والكنائس وكليات اللاهوت.



مشددا على أن جمع هذا التراث أمر ضرورى جدا، لكنه يحتاج إلى مجهود كبير بالتعاون بين كل الجهات المعنية بالعلوم والثقافة والتراث. وأطلق الدعوة من خلال «الأهرام» لكل الجهات المختصة فى مصر من جامعات ومكتبات وكنائس ووزارات وحتى رجال الأعمال الذين يدركون قيمة هذا التراث لتوحيد جهودهم فى شكل مبادرة لتجميعه وتصنيفه وتحقيقه باعتباره أحد أهم منصات توحيد صفوف الوطن ومواجهة الفكر المتطرف. وأضاف إلى أن دراسة هذا التراث لها هدف اجتماعى وثقافى وقومى من حيث تمييز العروبة عن الإسلام، وبالتالى تمييز الحضارة العربية عن الحضارة الإسلامية، وإبراز دور المسيحيين فى بناء الحضارة العربية،وجعل المسيحيين العرب يعتزون بعروبتهم ويفتخرون بتراثهم العربي، وتكامل المسلمين والمسيحيين فى بناء الحضارة العربية.



ومن جانبه قال د. لؤى السعيد مدير مركز الدراسات القبطية بمكتبة الإسكندرية إن الشائع خطأً هو أن اللغة العربية مرتبطة بالإسلام بينما فى حقيقة الأمر هى موجودة قبل ظهور الإسلام، وكانت هناك الكثير من القبائل العربية المسيحية الشهيرة قبل الإسلام مثل قبيلة الغساسنة وقبيلة بنى لحم وقبيلة الحيرة الشهيرة فى العراق. وأضاف أن ما لا يعرفه الكثيرون على سبيل المثال هو أن كبار الشعراء العرب كانوا مسيحيين مثل عنترة بن شداد وامرؤ القيس وزهير بن سلمي،ولكن التفكير الجمعى بالعقلية العقائدية وضعهم فى خانة الإسلام بصورة أوتوماتيكية. والحقيقة أن التراث لا يرتبط بالدين بقدر ما يرتبط بالأحداث التاريخية والإنتاج الفكري، ويأتى الدين كأحد عوامل تكوين هذا التراث وتوجيهه وليس كأحد أسبابه. ولفت إلى أنه فى المقابل كانت هناك أيضا فائدة عظمى عادت على المسيحيين بفضل اللغة العربية التى وحدت ألسنتهم وجعلت التواصل فيما بينهم أمر أكثر سهولة، فقد كان المسيحيون فى شبه الجزيرة العربية مقسمون بحسب لغاتهم بين أشوريين وسريانيين وكلدنيين إلا أن اللغة العربية وحدت بينهم، وهذا أيضا ما لا يعرفه الكثيرون عن تفاعلات اللغة والدين فى التكوين التراثي. وأضاف السعيد أنه للأسف ليس هناك تخصصات أكاديمية معنية تحديدا بهذا النوع من التراث، ولعل ذلك ما دفع مركز الدراسات القبطية لإطلاق دبلومة التراث العربى المسيحى بالتعاون مع الكلية الإنجيلية بالعباسية العام الماضي، وقد تخرجت الدفعة الأولى بالفعل ويجرى الآن العمل مع الدفعة الثانية.



وقال إن المثير فى أمر هذه الدبلومة هى أنها تمثيل حقيقى للتركيبة المصرية. وأكد السعيد أن النصوص التى خلفها لنا التراث العربى المسيحى غاية فى الروعة والرقي، والغرب الآن يتجهون إلى الاعتماد على الكثير منها فى محاورة الشباب الذين تستقطبهم جماعات الإرهاب والتطرف فى مجتمعاتهم.