عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
أينما حل أردوغان ..ثارت المشكلات
14 فبراير 2018
رشا عبد الوهاب
أردوغان


«لا يمكننا أن نشيح بوجوهنا عن التاريخ أو نمارس الانتقائية فى دراسته».. هكذا زعم الرئيس التركى رجب طيب أردوغان فى دفاعه عن السلطان عبد الحميد الثانى آخر سلاطين الإمبراطورية العثمانية.. لكن يبدو أن أردوغان لا يفهم معنى حركة التاريخ، وكيف أنه لا يرجع إلى الخلف او يعود مجددا.

التاريخ يؤكد أن الأطماع الاستعمارية والغزوات والغليان الداخلي، كانت سببا رئيسيا فى انهيار أحلام العثمانيين التوسعية، وانتهاء حكم عبد الحميد نفسه، فالتاريخ ليس «البوصلة» لمحاولات تكرار الماضي.

الرئيس التركى يناصب العالم العداء، ويهدد أعداءه بـ «صفعة عثمانية»، ويغزو سوريا والعراق بحجة القضاء على التنظيمات الإرهابية، فى وقت تؤكد فيه الدلائل دعمه وتمويله وتسهيله لتنظيم داعش الإرهابى واستضافته قيادات تنظيم الإخوان الإرهابي.  يضرب بالسياسة الداخلية والخارجية والأعراف الدولية عرض الحائط ليؤسس حكم الفرد. «سعى خلال 15 عاما، من سطوع نجمه على المستوى السياسى إلى توسيع أركان حكمه، عبر عملية طويلة بدت هادئة وناعمة فى البداية، إلا أنه استوحش بعدها ليثبت أركان حكمه، حتى وصل إلى استفتاء لتوسيع صلاحيات «الحاكم بأمره».

استغل مسرحية الانقلاب ضد حكمه فى 2016 أحسن استغلال حتى يكسب التعاطف الداخلى والخارجي، إلا أن الإجراءات التى اتخذها فى وقت لاحق، بداية من حملة القمع ضد الشعب التركى التى تمثلت فى تسريح واعتقال عشرات الآلاف من الأتراك المعارضين لسياسته، بل إنه انقلب على أصدقائه القدامى الذين صعد على أكتافهم سواء الرئيس السابق عبدالله جول أو فتح الله جولن، الذى حمله مسئولية الانقلاب وسعى إلى ملاحقته. وبعد هذا السيناريو المفضوح، واصل جرائمه واستبداده وفضائحه السياسية والمالية، واستعداء وإشعال غضب عشرات الدول ضد أنقرة. الدلائل على فساده كثيرة بداية من القصر الأبيض الضخم إلى تهريب أمواله وأموال أقاربه إلى الجنان الضريبية فى بنما وجزر العذراء البريطانية، بالإضافة إلى مساعدته لداعش فى بيع البترول العراقى من أجل دعم الإرهاب.

وضحيته الجديدة، قبرص واليونان، يمارس القرصنة ضدهما من أجل منعهما من اكتشاف ثرواتهما فى شرق البحر المتوسط، يدفع بسفنه لاعتراض ومنع استكشاف الكنوز البحرية، ينتهك الاتفاقات الدولية، ولايهمه مخالفة القوانين ولا التحذيرات الدولية من مصر والاتحاد الأوروبى وأمريكا لوقف انتهاكاته وتجاوزاته.

وأينما حل أردوغان، يثير المشاكل، فتح باب أزمات لا تنتهى مع جيرانه الأوروبيين، وهو ما قوض أحلام تركيا فى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى فى المستقبل القريب، لاحق المعارضين فى هذه الدول وتجسس عليهم، حاول فرض وزرائه على الدول الأوروبية من أجل الترويج لتعديلاته الدستور، وهو ما واجهته أوروبا بمنتهى الحزم، وتسبب فى قطع العلاقات واستدعاء السفراء مع دول مثل هولندا والسويد وألمانيا وفرنسا وسويسرا.  

ووصل الأمر إلى استعداء دول الجوار العربية، عبر دعمه قطر وإيران وإسرائيل، ففى الوقت الذى قطعت فيه الدول  الداعية لمكافحة الإرهاب، وهى: مصر والسعودية والإمارات والبحرين علاقتها مع الدوحة، قدم الرئيس التركى كل الدعم المادى والسياسى والاستراتيجى لأمير قطر بل إن جنوده يحتلون الإمارة، كما أنه تربطه علاقات قوية بإيران على المستويين السياسى والاستراتيجي.

وعلى الرغم من كل أكاذيبه حول دعم القضية الفلسطينية ورفضه للسياسات الإسرائيلية، إلا أن أنقرة من أكبر المطبعين مع تل أبيب، بل وصل به الأمر إلى التدخل فى الشئون الداخلية للعراق وسوريا عبر الغزو، وقال أردوغان: «أولئك الذين يعتقدون أننا محونا من قلوبنا هذه الأرض، التى تركناها وسط الدموع قبل قرن، مخطئون»، فى إشارة إلى أيام الحكم العثمانى لسوريا.

ووصلت علاقات واشنطن وأنقرة إلى أدنى مستوياتها خصوصا بعد زيارة أردوغان إلى البيت الأبيض، وأزمة اعتداء حراسه على معارضين لحكمه، بالإضافة إلى ملف فتح الله جولن وملفات الفساد التى تورط فيها شخصيا.  

كما تدهورت العلاقات بين تركيا وأنقرة بعد إسقاط الطيران التركى لمقاتلة روسية فى الأجواء السورية.  

وتساقطت أوراق التوت الواحدة تلو الأخرى عن أردوغان، فلم يعد الاقتصاد التركى قويا ليستغله فى تهدئة الشعب التركي، وتراجع بسبب الفساد والإرهاب الذى يحمل علامة «صنع فى تركيا»، ولا توجد دولة من الدول الكبيرة فى العالم إلا ويوجد بينها وبين أنقرة الكثير من الأزمات، كما أن دفاعه عن القضايا الكبرى مثل فلسطين واللاجئين سقط فى بحر الأكاذيب وافتضح أمره، كما أنه انقلب على مبادئ الجمهورية التركية وعلى الدستور، لاهثا وراء ارتداء عباءة «عبد الحميد».