تابعنا الضربات المتلاحقة للرقابة الإدارية التى طالت وزراء ومحافظين ورؤساء محليات ونواب، وحتى قضاة لم تمنعهم الثروات التى حققوها والتخمة المالية التى أصابتهم وذويهم من المضى فى ممارسة كل صور الفساد، وإستغلال النفوذ وتطويع علاقاتهم المشبوهة لكسب المزيد، ولا يثنيهم عن ذلك إهدار المال العام أو ضياع حقوق البلاد والعباد، فلقد تركزت آراء الكتاب والمحللين فى التعرف على أسباب تفشى هذه الظاهرة بهذه الطريقة، والسؤال: هو أين كانت الأجهزة التى وافقت على ترشيحهم وتعيينهم وتدرجهم فى السلك الوظيفى للدولة وهل قدمت تقارير وافية تحرت فيها النزاهة والشفافية، وكشفت السلوك المعيب أو غير السوى لبعض هذه الشخصيات، ثم تجاوز البعض عما جاء فيها، فكانت الطامة الكبرى؟، وهل قام البعض ممن هم قريبون من صناع القرار بالتوسط لهؤلاء، وهم لا يعرفون خفاياهم حفظا لقرابة أو معرفة قديمة أو أملا فى إصلاح وإعطاء فرصة، ومنح الثقة فجاء اختيارهم لغير أهله ومخيبا للآمال.. إما أن بعض المسئولين تصور أن ترشيح مثل هؤلاء بعدما حققوه من نجاحات واهية يمكن أن يصلح شأنهم ويضع أقدامهم على سلم النجاح الحقيقى الذى لا زيف فيه، أم أن الأقرب للحقيقة هو المعيار الخاطئ لاختيار القيادات الذى درجنا على اتباعه منذ عقود طويلة، وتركزت محاوره على اختيار أهل الثقة «بدون التحرى عن أهلها الحقيقيين» لا أهل الكفاءة، أو كما جرى العرف فى كثير من المصالح والمؤسسات، بل والجامعات على تقديم أقدم ثلاثة لصاحب القرار ليختار من بينهم واحدا، وهو ميزان ومعيار ليس من ورائه إلا مكافأة الأقدم بصرف النظر عن تمتعه بمقومات الإدارة، فليس عيبا أن كاتبا مبدعا له مدرسته الخاصة به، وله قاعدة عريضة من القراء لا يصلح أن يكون وزيرا للثقافة، أو أن طبيبا جراحا تدرس اعماله فى أمهات الكتب إقليميا ودوليا، حتى ولو كان حاصلا على جائزة نوبل، أن يتقلد وزارة الصحة، ولا مهندسا عبقريا سجلت باسمه الكثير من براءات الاختراع أن يكون وزيرا للصناعة وهكذا، بل المعيار الحقيقى أن يكون المرشح قد مارس الإدارة فى الوحدات الأصغر، وحقق فيها إنجازات وترك بصمة تؤهله للمنصب الأعلى، ولا ضير من أن تكون هناك لجان متخصصة مشهود لها بالنزاهة للمفاضلة بين المرشحين.. أما عن مقولة أن الكثيرين من أصحاب الكفاءات يحجمون عن قبول المنصب لأسباب كثيرة، فهو قول باطل، وإن أصاب بعض الحقيقة، فلو توافر المناخ المناسب للمفاضلة، والاختيار ما تأخر أحد عن تلبية نداء الوطن ولتنحى كل «عبده مشتاقا» ترنو عينه للوظيفة، وهو غير أهل لها، فكما يقولون «مصر ولادة».. وأخيرا إذا كان من شروط المرشح لرئاسة الجمهورية ألا يكون قد ارتكب أى جريمة مخلة بالشرف حتى ولو كانت ساحته قد برئت منها ورُد له اعتباره، أفليس الوزير أو المحافظ هو ممثلا لرئيس الجمهورية فى موقعه، يجب أن ينطبق عليه الشرط نفسه درءا للشبهات؟!.
د. محمود غزالى
الأستاذ بجامعة أسوان