عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
الهيمنة الناعمة للصين عبر «الحزام والطريق»
5 فبراير 2018
منصور أبوالعزم
المشاركون فى المنتدى الإعلامى لمبادرة الحزام والطريق


أثارت المبادرة التى طرحها الرئيس الصينى شى جين بينج فى عام 2013 باسم «مبادرة الحزام والطريق» لإحياء طريق الحرير القديم، الكثير من الطموحات والآمال لدى البعض والجدل والتساؤلات والمخاوف فى العديد من دول العالم والدول الآسيوية.



وخاصة من جانبى السياسيين والاعلاميين فى القوى العالمية الكبرى التى لاترى فى الصين إلا إما منافسا لها أو مصدر تهديد لنفوذها و «هيمنتها» على رأس تلك القوي، الولايات المتحدة التى لاترغب فى ظهور قوة «عظمي» فى آسيا تهدد نفوذها ومصالحها وسيطرتها فى القارة، ثم اليابان التى ترى فى تنامى القوة الاقتصادية والعسكرية للصين مصدر تهديد قوى، كما يصفه التقرير السنوى لوزارة الدفاع اليابانبة، كذلك روسيا والهند وإذا تتبعت تحليلات الصحف الامريكية أو الروسية واليابانية والهندية وتعليقاتها على مبادرة الحزام والطريق، سوف تكتشف مواقف كل تلك الدول من المبادرة فهى إما أنها ترى فيها «دراع» إقتصادية وإعلامية لفرض «هيمنة» صينية على آسيا ونشر نفوذها الاقتصادية، وبالتالى السياسى على العديد من دول العالم فى أفريقيا وأمريكا اللاتينية، وخاصة تلك «القوى الاقليمية» التى ترفض النفوذ والسيطرة الامريكية عليها مثل البرازيل و مصر والارجنتين وتركيا وايران، أو أنها مصدر تهديد لنفوذها وطموحاتها. والواقع إن المنتدى الاعلامى لمبادرة الحزام والطريق الذى أطلقته صحيفة الشعب الصينية اليومية بمبادرة من رئيس الصحيفة «يانج تشن وو» وعقد دورته الرابعة فى مدينة «دون خوانج» السياحية الجميلة، كان كاشفا لمواقف العديد من الدول والقوى الكبرى تجاه مبادرة الحزام والطريق. فقد شارك فى المنتدى هذا العام نحو 350 صحفيا وباحثا ومثقفا من نحو 126 دولة من قارات العالم يمثلون صحفا وجامعات ومراكز أبحاث مختلفة التوجهات والاهداف، جاء كل منهم من خلفية ثقافية وجغرافية، ومن المؤكد أن كلا منهم يحمل هموم أمته ويعبر عن بعض «مخاوف» أو تحفظات أو طموحات بلده تجاه مبادرة الحزام والطريق أو تطلعات وأهداف الصين ككل من تلك المبادرة وقد لفت نظرى بشدة ثلاثة مواقف كاشفة خلال جلسات النقاش التى دارت فى المنتدى وقد كنت متحدثاً رئيسياً فى الجلسة الافتتاحية، ثم متحدثاً فى جلسات النقاش التى عقدت بعد ظهر يوم الافتتاح وشهدت كافة النقاشات على المنصة فضلاً عن بعض النقاشات الجانبية التى دارت خلال تفاعلات أيام المنتدى الثلاثة.



الموقف الأول لصحفى وباحث أمريكى كان يجلس بجانبى على المنصة، وقد أدهش جموع الصحفيين وأعتقد أن أثار إنزعاج المسئولين الصينيين عن المنتدى عندما قال إن دور الولايات المتحدة يتراجع عالمياً، وأن الإدارة الحالية فى واشنطن غير قادرة على «مواجهة» أو التصدى لتزايد نفوذ وقوة الصين، وقال صراحة إنه يخشى على الولايات المتحدة من قوة الصين الاقتصادية والعسكرية المتزايدة فى ظل غياب رؤية أمريكية واضحة من إدارة الرئيس الحالى دونالد ترامب وتوجهها نحو «الانسحاب» من القضايا الدولية والابتعاد عن الصراعات الدولية التى انفقت عليها واشنطن تريليونات من الدولارات ولم تحقق لها نفعا!!



وضرب مثلا بالعراق وأفغانستان والصومال وايران.. مشيراً إلى أن مبادرة الحزام والطريق سوف تضيف إلى قوة ونفوذ الصين فى أسيا والعالم وربما تتفوق على الولايات المتحدة فما كان من مدير جلسة النقاش «جى شياولى» رئيس تحرير صحيفة الصين الاقتصادية الاسبوعية إلا أن رد عليه ساخراً قائلاً له إنك تصلح أن تكون أفضل مستشار للرئيس ترامب.. لماذا لاتذهب وتقول له هذه النصائح المهمة!!



الموقف الثانى: كان لباحث روسى من أكاديمية العلوم بموسكو وبدأ كلامه بكيف تنظر روسيا إلى مبادرة الحزام والطريق بشكوك ومخاوف.. فقد اثار العديد من التساؤلات كان أولها..



ماذا سيحدث لو أن الاقتصاد الصينى تراجع بشدة فجأة أو «إنهار» هكذا قالها وفقا للترجمة ـ وماذا سيحدث لو أن الرئيس شى جين بينج غادر منصبه غدا.. هل سوف تستمر مبادرة الحزام والطريق؟! ولا تخفى روسيا مخاوفها من المشروعات التى تمولها الصين فى إطار المبادرة فى دول أسيا الوسطى لربط تلك الدول بطريق الحرير بريا وجويا، حيث يتم تشييد طرق برية وسكك حديدية متقدمة عابرة لحدود الدول وموانيء ومطارات لتسهيل تنقل البضائع والسكان فى إطار مبادرة الحزام والطريق، وتخشى موسكو من تزايد قوة الصين الاقتصادية والعسكرية وأن يؤثر ذلك على نفوذ روسيا فى أسيا أو فى الشرق الأوسط أو يكون على حساب النفوذ الروسى فى تلك المناطق خاصة أن الصعود الصينى للعالمية إقتصاديا وسياسيا يتسم بالسرعة والاستمرارية والثبات فى ذات الوقت.



الموقف الثالث: كان لباحث يابانى كبير فى وكالة العلوم والتكنولوجيا اليابانية، الذى تحدث عن تقدم اليابان فى العلوم والانجازات العلمية التى حققها خلال السنوات الأخيرة مشيرا إلى أنها وصلت إلى مراحل علمية وتكنولوجية فائقة، وأنه من الصعب على دول أخرى فى المنطقة (آسيا) أن تحقق ما أنجزته اليابان فى هذا المجال.



كما أن الفجوة بين اليابان والدول الأسيوية الأخرى فى العلوم والتكولوجيا المتقدمة أصبحت أكثر اتساعا، وبما يعنى أنه من الصعب على الدول الآسيوية الأخرى بما فيها الصين اللحاق بانجازات اليابان العلمية.



ولا تخفى طوكيو مخاوفها من صعود الصين الاقتصادى والعسكرى خاصة بعد أن تمكنت الصين منذ أكثر من عامين من إزاحة اليابان من المركز الثانى لأكبر قوة إقتصادية بعد الولايات المتحدة، واحتلت بكين موقع طوكيو التى تراجعت إلى المركز الثالث،



وتبدى اليابان بصفة مستمرة قلقها من تزايد القوة العسكرية للصين، وإرتفاع الإنفاق الصينى على التسلح. ولا يخفى على أحد الماضى البغيض الذى مازال يعكر العلاقات بين البلدين، فقد إحتلت اليابان أجزاء من الصين قبل وخلال الحرب العالمية الثانية، وخاضت قوات البلدين حروبا طاحنة حتى انهزمت اليابان فى عام 1945 واعلنت الاستسلام بعد إلقاء القوات الأمريكية أول قنبلة ذرية فى التاريخ على مدينتى هيروشيما ونجازاكي، وإستقلت الصين ثم أعلنت الجمهورية فى عام 1949. ونعود لمحاولة الاجابة عن السؤال الذى طرحنا سابقا وهو ماذا تريد الصين حقيقة من مبادرة الحزام والطريق؟



يقول البروفسور وانج يى وى من جامعة «رغين» الصينية أن مبادرة الحزام والطريق تهدف إلى بناء شبكة من التجارة والبنى التحتية تربط بين قارات أسيا وأفريقيا وأوروبا بطول المسارات التجارية لطريق الحرير القديم، وتحقيق الكسب المشترك لجميع الدول الواقعة على طول مبادرة الحزام والطريق، كما أن المبادرة تعد «المفتاح» لحل مشكلات الانتعاش البطئ للإقتصادات الاقليمية وكذلك الاقتصاد العالمي. وتشير صحيفة الشعب الصينية اليومية إلى أن هناك من يدعى أن مبادرة الحزام والطريق بمثابة إدارة الصين لتوسيع مصالحها الاقتصادية ونفوذها السياسى وهيمنتها على المنطقة، وهؤلاء مخطئون فى ذلك لأن العنصر الرئيسى الذى تقوم عليه المبادرة هو الكسب للجميع، فقد إستثمرت الصين أكثر من 150 مليار دولار حتى الأن فى نحو 68 دولة من الدول المشاركة فى المبادرة لتطوير البنى الأساسية بها من الطرق والسكك الحديدية فائقة السرعة. وتقول الصحيفة إن خطاب الرئيس شى جين بينج عند تدشين مبادرة الحزام والطريق اكد ذلك عندما قال إن المبادرة طريق للسلام والازدهار والحضارة وتأكيد روح السلام والتعاون والانفتاح والشمولية بين دول العالم. وتتضمن المبادرة تشييد شبكات من السكك الحديدية وأنابيب النفط والغاز وخطوط الكهرباء وإتصالات بين الدول الواقعة على طريق المبادرة وهو الأمر الى يعزز الروابط التجارية والاقتصادية بين أسيا وأوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط.