عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
فى ذكرى الأربعين لرحيل صلاح عيسى.. رفيقة عمره أمينة النقاش تتحدث للأهرام: طلبنى للزواج وهو مطلوب القبض عليه ومفصول من عمله !
4 فبراير 2018
حوار ــ هاجر صلاح
أمينة النقاش



  •  عبد الناصر رفض الإفراج عنه.. ومع ذلك فوجئ رفقاؤه فى السجن ببكائه عندما علم بخبر وفاته




  •   كان لديه إيمان بأن عليه واجبا.. وإذا نزلت عليه عقوبة بسبب أدائه .. فليكن!




  •   شديد الخجل ولا يحب حضور المناسبات الاجتماعية.. ولا يتوقف عن القراءة




  •   إذا ضايقته بعض «الحماقات» التى أرتكبها يسخر.. فتنتهى المشكلة قبل الدخول فى شجار




  •   كان يرى العجز عن رؤية فضيلة فى خصمه نقيصة أخلاقية يجب ألا يتصف بها سياسى واع




  • بعد قبوله رئاسة تحرير «القاهرة» قيل إنه «باع القضية».. وسيأتى اليوم الذى أحكى فيه الحكاية كاملة




  •  آخر كلماته لى فى سيارة الإسعاف: «ما تعيطيش يا أمونة.. امسكى ايدى وما تسيبينيش».. فتركنى هو!



 



«أنا مش كويسة».. أجابتنى بصراحة عندما سألتها عن أحوالها الآن بعد مرور أكثر من شهر على رحيل شريك حياتها؛ الكاتب الصحفى صلاح عيسى.. بأدبها الجم ورقتها البالغة، تحملت إلحاحنا المزعج، ولم تخذلنا ..فكان هذا الحوار مع أمينة النقاش الكاتبة الصحفية ورئيس تحرير جريدة الأهالى. تسترجع فيه ذكريات 40 عاما أمضتها مع أستاذها ومعلمها قبل أن يكون زوجها..تحكى عما أنجزه بفخر، تشفق عليه مما واجهه فى حياته من ظلم وتعسف.. عزاؤها الوحيد أنه من الشخصيات التى ترحل بالجسد، ويبقى حيا بما قدمه من إسهامات فى التاريخ والبحث والسياسة والصحافة، وما خلفه من كتابات «ممتعة» تفيض عذوبة .. فإلى نص الحوار.






متى كان أول لقاء جمعكما؟

كان ذلك فى بيت شقيقى رجاء النقاش سنة 1971، وكان حينها رئيسا لتحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون، ويدعو صلاح للكتابة بها. تكرر اللقاء عندما دعانى للعمل فى جريدة الجمهورية فى 1973، فكان رئيسى فى العمل فى وحدة الأبحاث التى كان يرأسها فتحى عبد الفتاح. كنت قبلها أنشر مقالات فى مجلة المسرح، وأراسل عددا من الصحف العربية. كانت لى أيضا اهتمامات سياسية، وربما هذا ما جذبنى إليه، خاصة أنى كنت قريبة من بعض حلقات اليسار، وشاركت فى مظاهرات للطلبة.

ومتى عرض عليك الزواج؟

كان ذلك فى 1975، وتزوجنا فى 1977. لكن الأمر لم يكن سهلا، فأسرتى اعترضت على هذا الزواج ،والدى كان قد توفى، فاعترض إخوتى. فصلاح عندما عرض على الزواج، كان مفصولا من عمله فى جريدة الجمهورية، ومطلوب القبض عليه، والأدهى أنه كان شيوعيا!، وصحيح أنى كنت مترددة فى القبول، إلا أن إلحاحه ومحبته، دفعاننى للموافقة.. كما أنى رأيت فيه صورة والدى، الذى كان شاعرا ويعمل مدرسا للغة العربية،ومهتما بالثقافة.

كم مرة تم اعتقاله بعد زواجكما؟

صلاح اعتقل خمس مرات، قبل الزواج مرتان، الأولى فى 1966 عندما نشر مقالاته الشهيرة تحت عنوان «الثورة المصرية بين المسير والمصير» فى جريدة الحرية التى كان يصدرها «القوميون العرب» فى لبنان، وكان يقدم فيها نقدا للتجربة الناصرية من منظور وطنى، ففصل من عمله فى وزارة الشئون الاجتماعية التى كان يعمل بها أخصائيا اجتماعيا، ودخل السجن، وخرج فى 1967، بتدخل من جان بول سارتر عندما دعاه هيكل لزيارة مصر، إذ اشترط سارتر الإفراج عن كل المعتقلين السياسيين. المرة الثانية كانت فى 1968، وكان راكبا للتروماى، وعند مروره بميدان التحرير سمع هتافات الطلبة «يسقط كل مصرى جبان»، فاستفزه الهتاف ونزل للمشاركة، فتم القبض عليه. وظل محبوسا حتى 1971، إذ رفض عبد الناصر الإفراج عنه وقال: «مش هيطلع من السجن طول ما أنا عايش»،. المفارقة العجيبة، أن عبد الناصر مات وصلاح فى السجن، ففوجئ المعتقلون بأنه يبكيه بكاء مرا، واندهشوا أنه يبكى من سجنه وفصله من عمله. المرة الثالثة كانت بعد زواجنا فى 1977 بسبب اتهامه فى قضية مظاهرات يناير 77، لكن برئ لاحقا. وفصل من عمله بجريدة الجمهورية وظل ممنوعا من الكتابة. المرة الرابعة كانت فى يناير 1981، بسبب تظاهره ضد اقامة جناح لإسرائيل فى معرض الكتاب، والمرة الأخيرة كانت ضمن حملة اعتقالات سبتمبر الشهيرة.






بالتأكيد مررت بظروف صعبة فى أوقات اعتقاله.. ألم يخالجك أى شعور بالندم لزواجك منه؟

نهائيا .. صحيح حياتنا لم تكن سهلة، لكن لدى امتنان شديد للحياة التى جمعتنى به، لأنها مثمرة ولها جدوى. مناقشة وحوار مستمران. كان حكاء عظيما، وساحرا عندما يتحدث، وكل نقاش ينتهى بفكرة مفيدة أو رأى يستحق التأمل، وهذه هى المحبة الحقيقية لا كلمات الغزل. فى اللحظات التى اعتقل بها، شكلنا لجنة فى حزب التجمع للدفاع عن الحريات وكانت فكرته.ما هون على الأمر حينها أنه لم يكن وحده فى السجن، بل كان معه عدد كبير من أصدقائنا فى التجمع، فكنا نقوم على رعايتهم، ونطبخ لهم ونرسل الملابس والأدوية، إضافة الى ذلك، فالسجن فى عهد السادات لم يكن به تعذيب، وأتذكر من الأشياء التى كانت تضحكنى أنه عند اعتقاله فى حملة سبتمبر ،كان يهاتفنى من السجن.

كيف أثرت كل هذه الاعتقالات على شخصيته ونظرته للحياة؟

الغريب أن تلك الاعتقالات لم تخلف فى نفسه أى مرارة . كان لديه باستمرار إيمان أن عليه واجبا، وإذا لم يقم به فهو مقصر، واذا نزلت عليه عقوبة بسبب أداء واجبه، فليكن، فهذا جزاء الالتزام بالقيام بما يمليه عليه الواجب. ورغم أنه واجه ــ من وجهة نظرى  تاريخا مريرا، وظالما، ومتعسفا، بسبب الاختلاف فى الرأى، إلا أن صلاح كانت لديه إرادة من حديد. يفتح بابا جديدا كلما أغلق فى وجهه غيره. فى أول مرة اعتقل بها كتب كتابه عن الثورة العرابية، وعندما كان مفصولا، نشر قصصا فى جريدة المساء، وكان المسئول عن الملحق الثقافى الأديب الجميل عبد الفتاح الجمل ونشر له وهو لا يعرفه، وهذا مادعم جيل صلاح، وفعل هو الأمر ذاته مع الأجيال اللاحقة، فكان يحفر عن المواهب،. فى 1989 خاض انتخابات الصحفيين ونجح بعضوية المجلس، وعاد الى عمله فى الجمهورية بعد أن دخل إضرابا للطعام، وسمح له بالعودة لكن مع تجنيبه تماما عن أى مشاركة فعلية. أصدر مجلة «الصحفيون»، وشجعه النقيب حينها مكرم محمد أحمد، فكانت منبرا للحوار بين التيارات الفكرية المختلفة، وأظهرت الكثير من المواهب.






كيف كان صلاح عيسى الزوج؟

 كان به مميزات شخصية بديعة. أولها قدرته العظيمة على الإنصات للاخر، أفقه واسع جدا، نظرته للحياة متشعبة، كان شخصية رومانسية جدا .كان يخاطب الكل بـ «يا جميل» وأذكر فى بداية علاقتنا كان يخاطبنى أيضا بـ «يا جميل»، فقلت له أنى هكذا تساويت مع الآخرين، فقال لى بعذوبة: لا.. إنت جميل مختلف، وشرح لى أنه يخاف أن ينسى أسماء الأشخاص، فلا يحب أن يضايقهم، لكن فى الحقيقة من وجهة نظرى أنه كان فعلا ينقب عن الجمال فى كل شيء. فى الكتب، الشخصيات، الأفلام، المواقف، وخصوصا فى تلك التى لاتعجبه! وكان عاشقا للقطط ويهوى تربيتها. كان شخصية خجولة جدا، يخجل عندما يمدحه أحد فى مقال، وكنت ألح عليه للاتصال به لشكره، فلا يفعل الا بعد إلحاح منى. خجله جعله شخصية غير اجتماعية، وهو ماضايقنى فى بداية علاقتنا، فلم يرغب فى حضور أى مناسبات اجتماعية، لكنى بعدها تفهمت وجهة نظره واقتنعت بها، فمادام أحدنا قادرا على تأدية الواجبات الاجتماعية، فلا داعى لأن نقوم بها سويا، وبدلا من أن ينجز كلانا عملا واحدا، ننجز عملين. الأمر الثانى أنه لم يكن يرغب فى إضاعة أى لحظة دون إنجاز، فكان يقرأ فى السرير، أثناء تناول الطعام، وأثناء مشاهدة التليفزيون. القراءة بالنسبة له كانت بمثابة تعبد والصحافة لم تكن مهنة بل عبادة.

كزوجين، كان من الطبيعى حدوث بعض المشادات. كيف كانت طريقته فى التعامل معها؟

بالسخرية.. كان إذا ضايقته بعض «الحماقات» التى أرتكبها يسخر، فتنتهى المشكلة بدلا من الدخول فى شجار وسجال، فبمجرد أن «يتريق» على ما حدث، أضحك أو «اتكبس»، فأسكت. وينتهى الأمر.

هل استطاع أن يغير من طباعك ؟

كنت «عصبية» جدا، فاستطاع أن يحتوينى بالسخرية أيضا،لا يمكن أن يستدرجه أحد لشجار. كثيرا ما كنت أتجادل معه بشأن «خروجة» أو «سفرية» فكان رفضه يضايقنى. كان يبحث عن جدوى أى شيء مهما كان صغيرا أو تافها . واكتشفت أنى أصبحت أفكر بطريقته . من أبرز ما علمنى صلاح ألا أقدم على شيء لن أتمكن من استكماله كما ينبغى فالاتقان شعاره، ولا يعترف بالـ «نص نص». تعلمت منه التسامح والتواضع الشديد. علمنى أن أرى فضائل خصومى، وكان رأيه باستمرار أن عجزك عن رؤية أى فضيلة فى خصمك، نقيصة أخلاقية يجب ألا يتحلى بها سياسى واع. وهذا مالم يفهمه من رأوه يبكى فى السجن على وفاة عبد الناصر. كان قادرا بشكل نادر- أن يفصل بين الخلاف فى الرأى وعلاقته الإنسانية مع من يختلف معه. تعلمت منه التعفف، وأذكر فى آخر أيامه، نقلت مقالته فى «المصرى اليوم» من الصفحة الأخيرة الى الداخل،فأخبرنى أنه بسبب الاعلانات، فلما وجدت أنه تم استبداله بكتاب آخرين، كان رده: «من يريد أن يقرأ لى، سيبحث عنى.. دعى الصغائر للصغار».

وكيف أثرت أنت فيه؟

بابتسامة حزينة: أعتقد أنه كان يجب أن تسأليه أنت هذا السؤال.. لا أستطيع القول إنى نجحت فى تغيير شيء فيه، ربما فى أشياء بسيطة تتعلق باهتمامه بمظهره وأناقته، فكان يكره ارتداء الكرافتات مثلا. الشيء الوحيد الذى كنت أتمنى ان أقنعه به ولكنى فشلت ــ هو الإقلاع عن التدخين.

كيف كان يواجه خصومه ومنتقديه.. وهم كثر ؟

أولا بالسخرية، لكن بنوع وصفه طه حسين بأنه «لا يسيل دما»، وإنما ييسر القبول بالاختلاف، وثانيا: بالعمل، كان يقول لى «سيبى شغلى يرد عليهم»، وكثيرا ما هوجم بضراوة بسبب قبوله لرئاسة تحرير جريدة القاهرة الصادرة عن وزارة الثقافة، فقيل إنه «باع القضية» وضيع تاريخ نضاله، رغم أننا لم نعرف عن هؤلاء أى نضال من أى نوع، وكثير ممن هاجموه لم يقرأوا له كتابا، وسيأتى الوقت الذى أكتب فيه قصة توليه لهذه الجريدة التى فتحت الباب أمام كل التيارات الفكرية المتناقضة،

ما الذى كان يؤرقه فى السنوات الأخيرة على المستوى الشخصى والعام؟

على المستوى الشخصى، كان مهموما بالانتهاء من الكتب التى بدأ فيها. ولديه الآن 13 كتابا تحت الطبع، منها أجزاء جديدة لكتب سابقة مثل «حكايات من دفتر الوطن»، وهوامش المقريزى، ومهمتى أن أسلمها لدور النشر، وأسأل الله أن يمنحنى العمر لأتم هذه المهمة،وخلال الفترة المقبلة سأتصل برئيس دار الوثائق القومية، لأسلمه كل الوثائق الخاصة بقضايا الشيوعيين وجماعات الإسلام السياسى. على المستوى العام، كان أكثر ما يقلقه تعثر التطور الديمقراطى فى مصر، والحياة الحزبية غير النشطة، لكنه كان متفهما أن البلد ليست فى حالة استقرار تام بعد، وكتب مقالا يطالب السيسى بالترشح لفترة رئاسية ثانية، ويهتم فيها بترسيخ دعائم الدولة الحديثة وحرية التعبير والصحافة،وكان قلقا لتأخر مناقشة قانون تنظيم الصحافة والإعلام فى البرلمان.

هل جاء ذكر «الرحيل» فى أى حديث بينكما، أو ربما أوصاك بأمور معينة ؟

تصمت قليلا ثم تغالبها دموعها: «لا.. عمره ما كلمنى فى حاجة زى كده».. أذكر فقط أنه فى مرة قال لى عن مكتبة بيتنا التى تضم نحو 5 آلاف كتاب: «عايزين نشوف مين ممكن يستفيد من المكتبة دى» ولم يقلها من باب التفكير فى الموت.حوارتنا كلها كانت عن الحياة.. وكان متفائلا دائما

هل حصل صلاح عيسى على التكريم الذى يستحقه ككاتب ومفكر وباحث فى التاريخ؟

ليكن الحكم للآخرين. هو نفسه لم يرغب فى أى تكريم أو جائزة. كان يعتبر التكريم الحقيقى أن تنتشر أفكاره، وأن تقرأ كتبه ومقالاته.

ما هى آخر كلماته لك؟

تتذكر باكية: كنا فى سيارة الإسعاف لنقله الى المستشفى بعد أن أصيب بسدة رئوية جعلته غير قادر على الكلام، وجدنى أبكى فقال لى: «ما تعيطيش يا أمونة.. امسكى ايدى وما تسيبينيش».. وهو اللى سابنى.



 



  ومديرة مكتبه لأكثر من 15 عاما:



حكى لى عن بنت الجىران التى دخن بسببها أول سىجارة.. ووالدته التى جعلته ىعشق القراءة



كانت «إيمان» أول من يلتقيه صباحا، وآخر من يودعه بعد انتهاء مواعيد العمل، عندما كان رئيسا لتحرير جريدة القاهرة ثم رئيسا لمجلس إدارتها. يأتى صباحا بمزاج جيد فى أغلب الأيام، وبابتسامة؛ نادرا ما يتخلى عنها.. تعد له «النسكافيه البلاك» وتحضر له الصحف، خاصة الشرق الاوسط والحياة التى كان يحرص على متابعتهما، وتراجع معه أجندة مواعيده. لكنها لم تكن مجرد مديرة مكتبه، بل كانت جزءا من كل تفاصيل حياته الشخصية والعملية، وكان هو فى المقابل يعتبرها «ابنة» قبل أى شيء.

تقول إيمان:» قبل أن أتولى عمل السكرتارية كنت مسئولة عن سويتش الجريدة، وكنت حينها فى الصف الثانى الثانوى، وكان سعيدا أنى أدرس وأعمل. وكانت نصيحته لى : اللى تسمعيه هنا ما يطلعش بره، ولا تنقلى لى إلا المعلومات المهمة، والأهم الالتزام بالمواعيد».

سألته هى فى مرة:» منذ أن تدخل إلى المكتب حتى تغادره ،وأنت إما تكتب أو تقرأ، فكيف أحببت هذا ؟ فأجابها بأنه منذ صغره كانت أمه تحضر له الروايات والقصص البوليسية، ويقرأ الصحف ويتابع كبار الكتاب، فأحب القراءة والصحافة، ولا ينسى فرحته أول مرة نشر له موضوع، خاصة عندما قام أحد أصدقاء والده بإخباره أنه قرأ موضوع لابنه صلاح».  ولا تنسى «إيمان» عندما حثها على استكمال دراستها فى كلية التربية النوعية، بعد أن اضطرت لتركها بسبب مرض والدتها ووفاتها، فتقول:» صعد لّى فى الدور الثانى خصيصا وقال: الشهادة حلوة ولو ناوية تكملى أكلمك لك رئيس جامعة القاهرة،، لكن للاسف ظروفى لم تسمح، فنصحنى أن أثقف نفسى، وأعطانى كتبا لتوفيق الحكيم، ونجيب محفوظ«.





أكثر وقت كانت تنتظره إيمان بفارغ الصبر عندما كان «يدردش» معها قبيل مغادرة الجريدة، فيسألها عن أحوالها وأحوال الشارع، وعما يدور من مناقشات بين المصريين فى المترو، وعلى الـ «فيس بوك» والمواقع الالكترونية . تقول «إيمان» : كان ينصت لّى باهتمام كبير وتركيز، وكان شغوفا جدا بالاستماع لّى عندما أحكى له تفاصيل أخبار الحوادث التى أقرأها، فيترك فورا ما يقوم به من عمل، كما كان يحكى عن طفولته وشبابه، فحكى لى مثلا عن أول مرة دخن سيجارة، كان طالبا فى إعدادى، ويقف فى البلكونة، ووجد بنت الجيران تشير إليه إن كانت لديه «سيجارة»، فعلى الفور نزل واشترى علبة من أجلها، وأحب التدخين، الذى لم يتوقف عنه إلا فى آخر أربعة أشهر قبل وفاته. وتتذكر «إيمان» رقته فى توجيهها عندما تنسى أمرا طلبه منها، فتقول: «كان يقول بنبرة أبوية «يا إيمان ركزى»، وعندما قمت بالتستر على أحد المتأخرين عن الحضور، كان يقول لى بلطف: «ما تعمليش كده تاني.. عشان اتفقست ياجميل». تذكر مرة وجدها تستمع الى الشيخ محمد حسان متحدثا عن عذاب القبر، وهو خارج من مكتبه، فتقول:» مر من أمامى أكثر من مرة ولم يسألنى عن شيء، وانتظر حتى نهاية اليوم فى أثناء مغادرته المكتب فسألنى مداعبا:» ايه يا ستى اللى انتى بتسمعيه ده، فحكيت له عن فضولى عما يحدث للانسان بعد الموت، فقال لى بلطف: »انتى لسه صغيرة وربنا مخلقناش علشان يعذبنا». كان يشرح لى ما يتعذر على فهمه فى امور السياسة. وكان يفرح جدا عندما يتعرف عليه سائق تاكسى، وفى إحدى المرات عرض عليه سائق شعره، فأعجبه ونشره له .تتابع إيمان: كان شديد التواضع والبساطة، يستقبل الناس بلا مواعيد مسبقة، ولا يرفض لأحد طلبا سواء بالتصوير فى برنامج أو حديث صحفى على الهاتف،أو كتابة مقال فى مناسبة معينة. كان يفرح كالاطفال عندما يجد إشادة بمسلسل «ريا وسكينة»، وفى رمضان كان يسألنى عن المسلسلات التى أتابعها، وهو كذلك ونتحدث عن قصة كل مسلسل وأداء أبطاله .كان يعشق عادل امام، خاصة عندما ذكر فى حوار تليفزيونى أنه قرأ كتابا له ،فغمرته السعادة عندما أريته المقطع»عند خطوبتى فرح لّى كأب، وكان يسألنى عن كل التفاصيل، وظهر لى الجانب الرومانسى فى شخصيته، ولا أنسى نصائحه له :»اهم حاجة الصراحة والوضوح، وما تسيبيش نفسك للنكد «. تتابع:» كان يحب الورد والشجر وموسيقى عبد الوهاب، وفيروز، ويعشق مدينة مرسى مطروح لهدوئها خاصة شاطئ الغرام. حزن جدا لوفاة فاتن حمامة، وشادية، ومحفوظ عبد الرحمن.كان يتأثر بشدة وأرى الدموع فى عينيه عندما يقع حادث ارهابى فى كنيسة أو كمين شرطة.

كانت «إيمان» كثيرا ما تشفق عليه لإجهاد نفسه فى العمل، وتقول: كثيرا ما كنت ألح عليه بأن يستغل إجازات الاعياد وغيرها فى السفر والترويح عن نفسه، لكنه كان يرد :«كبرت وما بقتش قادر على تعب السفر». وبفخر تعلن : «كان يأخذ رأيى فى بعض ما يكتبه من مقالات، وأكثر ما أحببته فيه هو ثقته الكبيرة فيّ، فعلمنى أن أثق فى نفسى، كان يحدثنى دائما باللغة العربية،  ومهما حكيت له عن مشاكل تواجهنى، يواسينى ويطمئننى، فأخرج من مكتبه وأنا أرى «الدنيا وردى»!