أن تكتب عن مكان أو بلد ليس بالأمر اليسير، ويزداد الأمر صعوبة عندما يتعلق الأمر بالصين، فليس أمرا سهلا بالمرة بالنسبة لصحفى يزور هذا البلد العظيم لأول مرة ولبضعة أيام فقط.
فكل شيء فى الصين ضخم وعملاق، سواء فيما يتعلق بالإنشاءات حجم الإنتاج وسرعة التقدم والتطور، فكل شيء فى الصين يعكس الإدارة الجيدة والتخطيط المحكم، بداية من مطار بكين الضخم بصالاته المتعددة ونظامه وانضباطه. ورغم ما يقال عن حجم تلوث الهواء فى بكين، فإنه من الصعب أن تشعر بذلك مطلقا، فالشوارع فسيحة جدا ونظيفة للغاية، ومنظمة جدا، وتصطف على جانبيها الأشجار، ويحيط ببكين 6 طرق دائرية تصل بين أجزائها،كما يحيط بها طريق دائرى سابع يربطها ببعض المدن الأخري، مما يجعلها تستوعب حركة ضخمة للبشر والسيارات دون تكدس فى شوارعها. ورغم ازدحام المدينة العملاقة بحركة ملايين البشر، لكن اتساع الشوارع وتخطيطها الجيد، ووجود مساحات خضراء للسكان للجلوس والراحة وممارسة الرياضة يحافظ دائما على عدم الإحساس بأى اختناق.
وفى جميع الشوارع الرئيسية فى وسط المدينة توجد أماكن لوقوف السيارات «جراجات» فى الشوارع الخلفية، وتوجد فى كل شارع حارة مرورية مخصصة فقط لراكبى الدراجات والموتوسيكلات الصغيرة التى يسير أغلبها بالكهرباء لعدم تلويث الهواء. ومدينة شنغهاى أكبر مدن الصين ضخمة لدرجة أنها المدينة الوحيدة فى الصين التى يوجد بها مطاران دوليان والثالث فى الطريق، وبها 16 خطا لقطارات المترو تنقل 10 ملايين راكب يوميا، وستصل إلى 25 خطا عام 2025. وتوجد بها منطقة «بودونج» للأعمال والتى أقيمت على جزء من نهر «هوانج بو» والتى يسميها الصينيون مانهاتن شنغهاي، ويوجد بها العديد من ناطحات السحاب مثل المركز المالى العالمي، وبرج جيم ماو، وبرج لؤلؤة الشرق، وبرج شنغهاى أعلى مبنى فى الصين، وثانى أعلى برج فى العالم بعد برج خليفة فى دبي.
وتدير الإعلام والثقافة هناك مجموعة إعلامية ضخمة للغاية أنشئت فقط عام 2001 وتملكها الدولة، وهى أحد أكبر المؤسسات الإعلامية فى الصين، وحجم أصولها يتجاوز 10مليارات دولار، وهى تدير 15 قناة تليفزيونية، و13 إذاعة، وتصدر 8 صحف ومجلات متنوعة، ولديها 7 مسارح، و8 فرق فنية وموسيقية وراقصة، وتعمل فى مجال الإنتاج السينمائى والدرامي، والاستثمار الثقافى والسياحي، والتجارة الإلكترونية، وخدمات المعلومات الاقتصادية. وليس التخطيط الجيد وحده ما يجعل الأمور تسير بانسيابية وسرعة كبيرة في الصين، ولكن أيضا تبنى الأفكار الخلاقة والاعتماد على التكنولوجيا فى كل تفاصيل الحياة، فجميع الشوارع على سبيل المثال مراقبة بالكامل بالكاميرات، وليست هناك حاجة لنشر أفراد الشرطة فى الشوارع، بل يوجدون فى بعض الأماكن بشكل رمزي، للتدخل عند الحاجة فقط. ويتم إنجاز أغلب الخدمات مثل شراء السلع من المحلات وحجز تذاكر الطائرات والقطارات، وطلب وجبات جاهزة أو استئجار دراجة أو موتوسيكل، وتنتشر مئات الآلاف من الدراجات والموتوسيكلات «التشاركية» الهوائية والكهربائية فى الشوارع للاستخدام العام، ويوجد فى الدراجة قفل إلكتروني، وما عليك سوى اختيار إحداها وتصوير الكود الموجود فى هذا القفل بالموبايل فينفتح القفل وتسير بالدراجة إلى وجهتك، ثم تقفلها مرة أخرى وتتركها فى مكانها لتستقل المترو مثلا أو القطار، وهكذا فى كل الشوارع والمدن، وهى فكرة جميلة، واقتصادية، وصحية للقضاء على الزحام المروري، وتلوث البيئة. وفى الصين لا يعمل محرك البحث «جوجل» ولا العديد من تطبيقاته التى تستهلك حياة المصريين وتسبب الإزعاج لبعض الجهات الأمنية، بل هناك محرك بحث آخر وهو «بايدو»، وتوجد عدة تطبيقات شهيرة أخرى أهمها برنامج «وى شات» الذى يحصل من خلاله الصينيون على معظم خدماتهم اليومية. كما أن التاكسى فى كل مدن الصين يعطى الراكب إيصالا إلكترونيا بقيمة التوصيلة ووقتها وبه رقم السيارة لسهولة العثور على السيارة وتتبعها عند فقد الأمتعة، أو عند حدوث أى طارئ. ورغم أن الصين أكبر بلاد العالم سكانا، فإن التكنولوجيا تحل محل جزء كبير من العمالة البشرية فى المصانع، ففى داخل أحد المصانع الكبرى لإنتاج السيارات الفارهة فى شنغهاي، والذى ينتج سيارات تعمل بالوقود العادى وأخرى تعمل الكهرباء، كانت المشاهد أشبه بأفلام الخيال العلمى حيث تتحرك المركبات وآليات نقل القطع والمكونات المختلفة داخل المصنع بشكل مبرمج فى كل طوابقه. ولا يوجد العمال بشكل مكثف فى عملية التصنيع كما قد يتبادر للأذهان، وقفز هذا المصنع للمرتبة الـ46 ضمن أكبر 500 شركة صناعية فى العالم عام 2016، بعد أن كان فى المرتبة الــ491 عندما افتتح عام 2004، وفى غرفة الأخبار بمجموعة شنغهاى للإعلام كانت هناك شاشات إلكترونية باللمس لعرض تفاصيل جميع منشآت، وممتلكات المجموعة، وداخل غرفة الأخبار هناك شاشة أخرى تظهر للمشرفين حجم التقارير المرسلة من المراسلين خارج المحطة ووقتها، ومن أرسلها وكل التفاصيل الخاصة بالعمل لحظة بلحظة، وبالتالي، فلا حاجة للاتصال والمتابعة مع المحررين للسؤال عن العمل المنجز.
وفى كل مكان، وفى جميع مجالات العمل فى الصين لا ترى إلا شبابا يعملون، سواء من الذكور أو الإناث من عمر 18 عاما الى ربما الــ30 كحد أقصي، بينما يتولى الأكبر سنا الإشراف والتخطيط، ويتم الاعتماد على الشباب فى المناصب التنفيذية دون صخب أو شعارات، ويعمل الجميع باجتهاد وتفان، ولا تفارق الابتسامة وجوههم. والتنين الأصفر يعرف تماما ماذا يريد، ولدى بكين خطط محددة للوصول لكل هدف، وحددت لنفسها هدفين مئويين كبيرين، فهناك خطة مئوية تنتهى عام 2021 فى الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعى بإعلان القضاء التام على الفقر، ولتحقيق ذلك، هناك لجنة من الخبراء تعمل فى القرى الأقل نموا لرفع مستواها، وزيادة دخلها، والهدف الآخر هو إعلان تحول الصين رسميا إلى دولة متقدمة عام 2049 فى الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية.