عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
محمود شهيد الغربة
20 يناير 2018
نرمين عبد المجيد الشوادفى


أكل العيش كان هذا هو هدف محمود الطالب بالثانوي الذي نزح من بلدته في الجنوب ليلحق بخاله وغيره  من زملائه ومعارفه قاصدين الدلتا  هربا من البطالة، وسعيا وراء الرزق، لم يستسلم لليأس والاحباط أو ينعي حظه العثر في تخاذل بدعوي انه كتب عليه ان يحيا فريسة الحرمان، ولم ينتظر ان تمتد يدي والده  لمنحه المال بل أصر علي ان يشاركه المسئولية ويوفر نفقاته ويساهم في تربية أخواته الفتيات.



سافر واغترب تاركا اسرته بحثا عن عمل ودخل ثابت يساعد به أسرته ويوفر نفقاته، ولكنه رحل سريعا، غادر دنيانا ضحية طلقة غادرة في مشاجرة عابرة قبل أن يجمع تحويشته التي حرص اقاربه علي توصيلها  لاسرته كما أراد، مساهمة منه في مؤازرة والده وانهاء زفاف شقيقته التي تحول عرسها الي مأتم بعدما فقدت شقيقها الوحيد. 



داخل قطار مكدس بأكوام البشر بدأ محمود رحلته بحثا عن  الرزق وكسب العيش بعد ان غادر قريته  بمحافظة اسيوط ليحط الرحال كالغالبية من ابناء بلدته بمحافظة الشرقية وتحديدا مدينة الزقازيق، التي وجدوا فيها ضالتهم  في محاولة لتغيير واقع مؤلم لفئات ظلت لعهود بعيدة عن الانظار والاهتمام، وكعامل بسيط بدأ يشق طريقه، كان يعتمد في جلب بضاعته علي عدد من الوافدين والمقيمين بمنطقة فاروق، ثم يعود ليمنحهم ما جمعه من مال لشراء بضاعة جديده بعد ان يجنب المكسب لاسرته والقليل جدا لمعيشته،  لم يرتد يوما المقاهي او الكافيتريات مثله مثل باقي بني جلدته بالشارع العتيق رغبة في عدم تضييع الوقت او اهدار المال ، كان يبدأ عمله في الخامسه صباحا وينتهي منه في الثالثة ويقضي ما تبقي له من وقت  في المذاكرة، فقد كان مقيدا بنظام «المنازل» بمدرسته الثانوية باسيوط ويذهب فقط ايام الامتحان، ومع الوقت وتوفر المزيد من المكسب  دفعة واحدة، هكذا كانت حياته كد وعمل لا مجال فيها للرفاهية  في اليوم المشئوم استيقظ محمود مبكرا كعادته اصطحب بضاعته وغادر مسكنه متوجها للسوق لبيع بضاعته وبعدما انتهي من عمله ذهب  ليسلم ما كسبه ويحصل علي بضاعته الجديدة. في مساء ذلك اليوم العصيب كان شعورا يراود سكان شارع محمد جاد الهادئ ان مكروها سيحدث، فرغم احتواء الخلاف الذي سبق الحادث بساعات فإن بوادر ازمة جديده كانت تنذر بالاشتعال، لكن احدا لم يتوقع ما يخفيه القدر ان تكون النهاية مأساوية ويلقي فيها الشاب نحبه في معركه لا ناقة له فيها ولا جمل. البداية كما رواها شهود الواقعة حينما شب خلاف مع بعض كبار التجار من اهل الصعيد الوافدين للمنطقة قبل سنوات وأحد سكان العقار الذي يمتلكونه بسبب وضع كاميرات مراقبه أمام العقار رغبة في التأمين  وخوفا علي تجارتهم وبضائعهم، ونشوب معركه دامية بينهم بعد استدعاء الطرف الثاني بعضا من أصدقائهم ومعارفهم، الأمر الذي انتهي بالصلح بعد توسط وتدخل عدد من اهالي الحي وكبار المنطقة في حينه، لكن الخلاف تجدد مرة أخري قبل ايام بين ملاك العقار وأحد اصدقاء الطرف الثاني بسبب استفزازه لهم، لتندلع معركة جديدة انتهت ايضا بقسم الشرطة بعد التعهد بالصلح والتراضي اثر تدخل العقلاء واحتواء الموقف وعقد جلسة صلح بحضور جميع الاطراف وكبير عائلة الصعايدة، لكن كان هناك من يزكي النار فكلما خمدت بدا وكأن من يريد معاودة اشعالها، ويضيف احد الجيران ان الصعايدة طول عمرهم في حالهم. ينأون بنفسهم عن المشكلات  ويبتعدون عنها  ليس عن ضعف وانما حفاظا علي رزقهم وسمعتهم وكسب العيش، لذا كنا دائما ننحاز لهم خاصة وانهم كانوا دائما الاقرب للصلح والرغبه في انهاء اي خلاف واستعدادهم التام للامتثال لاي شروط، ويستطرد، فجأة ومع محاولات التهدئة انقلبت الامور راسا علي عقب وتم فض الجلسة وعندما ذهبنا لاقناع المغادرين بالعدول عن موقفهم ، وصل لاسماعنا صوت دوي الرصاص، كان هناك من تسلل واطلق النيران عبر النافذه حيث تصادف قدوم محمود لجلب بضاعته لتصيبه احداها وترديه قتيلا. 



كان اللواء رضا طبلية مدير امن الشرقية قد تلقي اخطارا من اللواء محمد والي مدير المباحث الجنائية بمصرع م . ف 19عاما طالب بالصف الثالث الثانوي من قرية بني زيد مركز اسيوط متاثرا باصابته بطلق خرطوش في الصدر، وتوصلت التحريات التي قام بها فريق البحث بقسم اول الزقازيق بقيادة الرائد حسين علي رئيس مباحث اول الزقازيق ومعاونوه بالتنسيق مع الامن العام برئاسة العقيد ماجد الاشقر بان الخلاف تجدد بين اصحاب المنزل وجيرانهم خلال جلسة الصلح التي عقدت بينهم وان احد البلطجية سارع لاطلاق مسدسه مع تزامن وجود المجني عليه  ليلقي مصيره المحتوم .