عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
النصيحة الغالية
29 ديسمبر 2017
000


أسعد كثيرا بالتواصل مع أصدقاء «بريد الأهرام»، وقد تلقيت الرسالة التالية من أ. هالة برعي، حيث تروى فيها قصة زواج أصغر بناتها، والذكريات التى استدعاها يوم زفافها إلى ذهنها، فتقول: احتفلت عائلتى بزفاف ابنتى رنا، أو «أمى الصغيرة» التى أطلقت عليها هذا اللقب لاهتمامها الزائد بى وحنوها المفرط تجاهى، فها هى فرحة عمرى تستعد لبدء حياة جديدة مع زوج المستقبل، وقد تلاحق شريط الذكريات أمام عينيّ سريعاً، وهى ترتدى الثوب الأبيض.. كم هى جميلة اللحظات التى ترى فيها ابنتك فى أبهى صورها ليلة العمر.. لقد طلب زوجى من المسئول عن تصوير العروسين، أن يلتقط لنا صورة خاصة بمفردنا دون ابنينا «رنا ويحيى»، ياااه كم كنت سعيدة فخلال أيام سنكمل عامنا الثلاثين معا، نعم.. لقد أكرمنى الله به منذ ثلاثة عقود، والحقيقة أننى مدينة لوالدتى التى توفيت منذ عامين، بموقفها حين أسرعت إليها أشكو، كأى فتاة حديثة الزواج، أشياء كنت أراها فى وقتها مأساوية، إذ لم تفكر، أو تدع لى فرصة للكلام، وقالت لى فى حسم أنه «لا ملجأ لى إلا بيت زوجي»، كانت دائما تنصفه، وتكرر على مسامعى أنه يجب أن يكون فى مكانة أقرب من مكانة الأولاد بالنسبة لى.



فى الماضى كان يضايقنى تفكير والدتى، وكنت أرى أنها تتخلى عنى، وكان مشهوداً لها برجاحة العقل والتفكير، إذ تعرف متى تتحدث بالمفيد، ومتى تصمت، ورحلت عن الحياة، وهى محبوبة من زوجى وزوجات إخوتي، وأذكر من بين ما أذكره أننى طلبت من زوجى الإنفصال، ولجأت لابن عمى «السفير على برعي» الذى تناول بريدك جانبا من حياته منذ عام تقريبا عند بلوغه سن التسعين، وهو رجل محب لزوجته، ويتفانى فى الاهتمام بها حتى الآن، وشرحت له ما أفكر فيه، وللمرة الثانية اصطدمت بمن يخذلنى حيث قالها صريحة وحاسمة: «معندناش طلاق»، وأنه سيعتذر لزوجى، لأننى مخطئة.. إننى لست هنا بصدد سرد تفاصيل حياتى، لكن ضميرى يحتم عليّ أن أعترف بأننى محظوظة بكونى زوجة لرجل وقف بجانبى كثيرا، ويكفيه استضافته والدتى قبل وفاتها بعدة سنوات فى بيتنا لأسباب خاصة، وكان لها نعم الإبن، وكان كثيرا ما يتهمنى بالتقصير تجاهها، ويطالبنى بالاهتمام بها أكثر وأكثر، لدرجة أنه فى عامها الأخير، ونظرا لتردده المتكرر على المستشفى، كان العاملون به يظنون أنها والدته.



واليوم وفى مواقف كثيرة أطلب منه الدعاء لى بأن يرضى عنى فيبتسم ويصمت.. يا إلهى، ما أجمل الحياة، عندما نكبر سوياً بصحبة أولادنا، ونكون أسرة مترابطة تحت سقف واحد، فطموحات الأمس تبدلت اليوم، وأصبح أقصى طموحى أن أبقى معه لأطول فترة ممكنة، وكثيرا ما أنزعج، عندما تطول فترة سجوده فى أثناء الصلاة، بل وأبكى مثل الأطفال عندما يسافر لظروف عمله.. فعلاً كانت أمى محقة، فزوجى أقرب لى من ابنينا، ولا ملجأ لى إلا بيته، وكان ابن عمى محقاً فمن يعرفنى جيدا يدرك بسهولة أننى لم أكن بالمرأة التى تتحمل تبعات الطلاق والإنفصال، واليوم وابنتى فى بيتها أجدنى أكرر عليها نفس الكلام: «حافظى على زوجك.. حافظى على بيتك» كما أطالب ابنى بأن يتعامل مع عروس المستقبل بحب، وأن يهتم بها كما يفعل والده معنا جميعا.



ومنذ أيام ذهبت لزيارة ابن عمي، فبكيت وأنا أعانقه، فوجوده فى حياتى كان من أهم أسباب إستقرار أسرتي، وترابطنا وسعادتنا، ومن هنا يتحتم علينا كآباء وأمهات أن نتوقف عند مسافة مناسبة من أبنائنا حتى تستمر حياتهم، مع أسرهم الجديدة.. وألا نبالغ فى فرض الوصاية والسيطرة عليهم، والتحكم فى قرارتهم، وأن نكتفى بالنصح والتوجيه فى حدود المعقول، وبالتأكيد سنحظى بالإحترام من الأطراف الأخرى، وستكون للأولاد والبنات، القدرة على تخطى مطبات البداية بإرادتهم بخبرات بسيطة جداً تصقل حياتهم بالمودة والرحمة بالتخلى عن فكرة الإنفصال السريع التى أصبحت «موضة» مزعجة هذه الأيام، وأخيرا أرجوك وقراءك الدعاء لأمى بالرحمة والمغفرة، والدعاء لى لكى يرزقنى الله، بر زوجى ورضاه عنى حتى آخر العمر.



< ولكاتبة هذه الرسالة أقول:



يقول الله عز وجل «وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى الأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»؛ وذلك تعبيراً منه سبحانه وتعالى عن أهمية التوافق والانسجام بين الأزواج، حيث تعتبر الحياة الزوجية من أقدس المشاريع الحياتية، إذ نسعى جميعا إلى تحقيق حياة مستقرة، ورائعة مبنية على أساس متين من الحب والود والتفاهم والانسجام، ولأن الحياة لا تخلو من المشكلات التى قد تعكر صفو السعادة الزوجية، فلابد أن تعرف الفتاة أولا أن حياة العزوبية تختلف بشكل جذرى عن الحياة الزوجية، التى تُفرض على المرأة العديد من المسئوليات والمتطلبات والواجبات التى لم يُطلب منها أبداً أن تقوم بها مسبقاً، لذلك فإنّ تدريب النفس على هذه القناعة يجعلها مستعدة لتحمّل الضغوط التى ترافق المرحلة الجديدة التى تقبل عليها.



لقد كان لوالدتك ثم ابن عمك بما لهما من خبرات فى الحياة بحكم فارق السن، والتجارب دور فى توجيهك، وليت كل الأباء والأمهات يعلمون ذلك، فمن الضرورى تقريب المسافات بين الزوجين، وإرشاد الزوجة فى بداية زواجها، إلى كيفية التعامل مع شريك حياتها، إذ يجب تأمين احتياجاته ومتطلباته، مع الفصل التام بين ضغوط عملها، وطريقة التعامل معه، وأن تتجنب الهجوم والردود القاسية عليه، مهما اشتد بها الغضب، لأنها حتما سوف تندم عليها، وإياها أن تسمح لنفسها بالشعور بالندم على الارتباط به، ويا حبذا لو بُنيت العلاقة بين الطرفين على أساس التعاون فى جميع المهام للوصول إلى الغاية المشتركة فى تحقيق الحياة السعيدة.



فهنيئا لك بزوجك، وأسأل الله أن يديم سعادتكما، وأن يكتب التوفيق لابنيكما، وأن يهب ابن عمك راحة البال جزاء صنيعه مع زوجته، وهو فى هذه السن المتقدمة، والله المستعان.