عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
المفاتيح الضائعة فى العراق
28 ديسمبر 2017
محمد الانور


يدخل العراق فى العام الجديد محملا بآمال جديدة بعدما أعلن عن نهاية داعش، فقبل أقل من أسبوعين من نهاية العام ٢٠١٧ أعلن العراق فى إحتفال مهيب أنه حقق النصر علي تنظيم “داعش” الإرهابي الذي عاث في العراق فسادا وتخريبا منذ سقوط الموصل في ظروف غامضة بيد بضعة آلاف من أعضاء التنظيم في يونيو ٢٠١٤. وقد خاض العراق حربا ضد الإرهاب، وظفت فيها جميع الإمكانات العسكرية والدعم الخارجي الإيراني والأمريكي والفرنسي كل من منطلقاته، وهو الآن يقف علي مفترق طرق جديد، بعد أن تحول رغم أنفه ومازال إلي مختبر لجميع الخطط والمخططات التي تريد تفكيك الدول وتفتيت المجتمعات العربية، لتبقي بلاد الرافدين التى سبقت الجميع قديما في العلم والفن والأدب ومختلف العلوم شهيدة الفتن والتدخلات الخارجية، التي تكرست ولن تنتهي بالقضاء علي “داعش” وغيره من التنظيمات الإرهابية متعددة المذاهب والملل والأعراق، الموحده في قتل العراقيين.



 



 



ولا يزال أمام العراق الذي نتمنى له أن ينهض من كبوته طريق طويل، فهذه الكبوة هي نتاج حسابات إقليمية شخصية وضيقة وغير واعية، تجسدت فى الاحتلال الأمريكى له في مارس ٢٠٠٣،وما توالي بعده من شلالات دماء وأنهار خراب في جميع الحواضر العراقية وهو ما يعجز أي قلم عن وصفها وإحصائها.



ويمكن رصد بعض ملامح الواقع الحالى فيما يلي:



- أن مؤسسات الدولة وعلي رأسها مؤسسات الجيش والشرطة هناك كيانات أخري موازية لها متمثلة في الحشد الشعبى، الذي أنشىء بناء علي فتوي من المرجع الديني العراقي السيد علي السيستاني لدعم القوات النظامية لمواجهة داعش في الموصل وغيرها، ووجود هذه الكيانات كان سابقا لسقوط الموصل، وكانت أذرع للقتل الطائفي .



-هذه الكيانات ورغم إسباغ مظلة المشروعية عليها من قبل المرجعية ــ والدولة وإحتوائها في العمليات العسكرية ــ لديها بجانب ــ طابعها الطائفي ــ ولاءات ممتدة للخارج وتحديدا لإيران التي دعمتها وكانت قواتها وخبراؤها وقادتها، وعلي رأسهم قاسم سليمانى قائد فيلق القدس بالحرس الثورى الإيرانى من المشرفين المباشرين والميدانيين، وهو ما أعطي المعركة ضد “داعش” بعدا طائفيا رغم أن “داعش” قتل من العرب السنة أكثر مما قتل من العرب الشيعة .



- أن مدن العرب السنة ومراكزهم الحضارية سويت بالأرض من قبل “داعش”، وبذريعته سواء في الأنبار أونينوي وصلاح الدين وديالي وغيرها، وتعرض كثير منها للقتل والتهجير أثناء الحرب علي الإرهاب في مناطق أخري ولا توجد أرقام دقيقة لعدد القتلي من العرب السنة في تلك المدن فضلا عن تشرد ٦ ملايين شخص علي الأقل داخل العراق وخارجه لتشهد تلك المناطق حالة من حالات التغيير والإفراغ الديموجرافي .



- أجهزة ومؤسسات الدولة تعاني وسط ذلك من فساد مستشر علي المستويات كافة، ويكفي أن نشير إلي التقارير الدولية التي صنفت العراق من أكثر الدول فسادا وخطرا ، بل إن الكثير من القضايا بما فيها دخول داعش للموصل وغيرها لم تحدد فيها المسئولية السياسية واكتفي بمحاكمات صورية لبعض قادة الفرق الذين فروا للخارج .



- الحالة الكردية ورغم ما حققته من تقدم واستقرار سياسي اقتصادي خلال فترة ما بعد صدام حسين سقطت ضحية للطموح السياسي القومي المتطرف من قبل مسعود بارزاني إضافة إلي التعنت من قبل حكومة المالكي السابقة ، وهو الأمر الذي ترجمته نتائج الاستفتاء علي انفصال كردستان في ٢٥ سبتمبر الماضى، وفشله في تحقيق ذلك نتيجة عدم القراءة الواعية والواقعية للخريطة الإقليمية والدولية ، والأمور مازلت مفتوحة في هذا الملف .



-أنه رغم خطوات العراق للتقارب مع الدول العربية فإن بعض قادته مازالوا أسري عقد الماضي وإيران.



مع هذه الأمور وغيرها الكثير فإن مفاتيح المستقبل ترتبط ارتباطا وجوديا بالخطوات الأتية :



أولا : أن العراق دولة متعددة المذاهب والعراق، وهذا جزء من ثرائه ولن يحكم بدولة دينية مذهبية علي غرار النموذج الذي أثبت فشله وكارثيته علي جميع العراقيين ولابد من وضع عقد جماعي جديد يؤسس لدولة المواطنة التي يتساوي فيها الجميع أمام القانون لأن الصيغة السياسية القائمة مرفوضه من جميع العراقيين باستثناء المرتبطين بالخارج .



ثانيا :أن ظهور القاعدة وداعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية ليس وليد الصدفة بل نتاج للكثير من الممارسات والتهميش والعنف الذي بدأته أمريكا وكرسته إيران بالميليشات الطائفية والتهجير وغيره ، فداعش نتيجة لوجود أخواتها من الميليشيات الشيعية المتطرفة والقضاء علي الإرهاب أيا كان مصدره يكون بالقضاء علي مسبباته شيعيا كان أم سنيا، خاصة وأن الجميع عرب وقبائل واحدة وما حدث خلال العقد الماضي طارئ علي المجتمع العراقي، مع العمل علي أعادة المهجرين الي مناطقهم وإعمارها.



رابعا : حصر السلاح بيد الدولة فقط وهو الأمر الذي بدأ بفتوي من المرجع الشيعي علي السيستاني، وبدأ تنفيذه من قبل سرايا السلام التابعة للتيار الصدري وغيرها ، ولكن السؤال هل ستستجيب الفصائل الأخري التي أصبحت قوات مسلحة موازية ومدعومة من إيران تحديدا،ولديها امتدادات وأحزاب سياسية.



خامسا : طبيعة التحالفات السياسية مازالت أسيرة الأحزاب الدينية وكرست خلال المفوضية العليا للانتخابات وسيطرة تلك الأحزاب عليها وهو مطلب الكثير من القوي شيعية كانت أم سنية ، ويرتبط بتلك النقطة أن رئيس الوزراء الحالي حيدر لعبادي ورغم ما حقق في الفترة السابقة فإن كثيرين يرون أن منافسه القوي نوري المالكي يستعد للمعركة الانتخابية المقررة في مايو 2018 جيدا للاستحواذ مرة أخري علي رئاسة الحكومة ورغم أن الرجلين ينتميان لحزب واحد “ الدعوة “ فإن طموح المالكي لا يتوقف مدعوما بالمال والسلاح في الداخل وبأطراف خارجية قد تعيده إلي السلطة .



بقيت نقطة غاية في الأهمية وهي إن الخريطة الواقعية والسياسية غاية في التعقيد ومرتبط بالكثير من الأطرف داخليا وعلي رأسهم السيد السيستاني ومن سيدعم ، أما الدور الأمريكي في العراق ورغم وجود أكثر من ٨ آلاف عسكري وقواعد أمريكية، فإن جميع المؤشرات ترجح تضاؤله ليس لضعف القوة بل لغياب الرؤية والتخبط الذي صنعته إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إدارة الكثير من الملفات الإقليمية والعربية والدولية و تراجعها لصالح أطراف خارجية وداخلية معروفة.