عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
بذور الشك
8 ديسمبر 2017
000


أنا سيدة عمرى خمسة وخمسون عاما، ومتزوجة منذ ثلاثين عاما تقريبا وأشغل وظيفة جامعية فى احدى كليات القمة كما يقولون, ولى عمل حر ناجح، ويشهد لى الجميع بالطيبة والخلق الرفيع ويتفق على حبى واحترامى كل من تعاملت معهم داخل وخارج عملي, وقد تأرجحت علاقتى بزوجى بين الانسجام والاضطراب كأى بيت من البيوت المصرية, نتفق كثيرا ونختلف أحيانا, ولكننا فى كل مرة نختلف فيها نعود فيجمعنا فراش واحد ونتبادل كلمات الحب, فبيننا رحلة كفاح طويلة ثمرتها بيت جميل، وثلاثة أبناء رائعين بارك الله لى فيهم، ومنذ عام تعرف زوجى وهو زميل لى فى نفس الكلية التى تخرجت فيها على سيدة عن طريق ذلك الملعون المسمى «الانترنت» وهو للأسف يملك فراغا فى وقته ومشاغله بعد أن ورث ثروة كبيرة آلت اليه من أبيه، وتطورت معرفته بها إلى علاقة عاطفية خلال شهر واحد فقط, واستطاعت أن تسيطر على عواطفه وقلبه، وتبادلا الصور والأحاديث واتفقا على الزواج, كل ذلك فى غفلة مني، وما يعتصر قلبى الما أنه فى وقت كان يبادلنى فيه الحب والمعاشرة، تودد إلىّ، وأخبرنى بالموضوع، وكانت حجته أننا نختلف فى أحيان كثيرة، ولا أنكر ذلك فطبعانا مختلفان، ولكن الله قبل الجميع يشهد أننى كنت أحاول دائما تجاوز نقط اختلافنا، وقد حاول زوجى بكل الطرق الحصول على موافقتى على زواجه من تلك المرأة الغاصبة التى استباحت ستر وعرض أسرتي, كما حاول اقناعى بحقه الشرعى فى الزواج الثانى الذى أباحه الله ولم يشرعه.. أباحه لظروف وملابسات خاصة لمصلحة المجتمع المسلم وليس لإيلامه ولكنى رفضت بشدة وأحسست بطعنة شديدة وجرح مازال يدمى قلبى حتى الآن وخيّرته إن صمم على زواج الأخرى أن يسرحنى بالمعروف, ولكن لظروف عائلية واجتماعية أجهض المشروع أمام اصرارى على الانفصال, وقال بحدة «خلاص.. خلاص»، ولكنه لم يعتذر لى بكلمة واحدة، ولم يحاول التودد إليّ ليساعدنى على تضميد جراحى التى تسبب فيها, وبدا يتصرف معى كضحية حب تنازل عن حبيبته وحلمه بامرأة جديدة حتى لا يدمر أسرته.. المشكلة الآن أننى فقدت الثقة فى حبه وإخلاصه لي، وأصبح هاجسى فى كل مرة نتناقش أو نختلف فيها هو أنه قد يعيد الكرّة ويخوننى من جديد، خاصة أنه فى فترة ما استطاع خداعى ومعاشرتى واسماعى كلمات الحب، وهو فى الوقت نفسه على الخط مع أخرى يقول لها نفس كلمات الحب ويتفق معها على الزواج.. إن القلق يعذبنى والألم قاس.. فماذا أفعل لكى أحافظ على بيتى وأستعيد زوجى؟



< ولكاتبة هذه الرسالة أقول :



لقد وضع زوجك بذور الشك فى قلبك بعلاقته الأولى عن طريق الانترنت التى أقر بها, وحاول تبريرها بشتى الطرق, ومن الطبيعى أن تقلقى من أن يعود إلى تلك السيدة أو غيرها من السيدات اللاتى يتعرف عليهن بهذه الوسيلة التى لا تستقيم معها حياة زوجية, وإنما يتخذها البعض طريقا للتسلية، فكم تسبب الانترنت فى هدم بيوت مستقرة دون أن تكون العلاقات التى نشأت بهذه الطريقة صادقة أو حقيقية، فهى مبنية على الوهم والخداع, ولذلك لا تدوم، وسرعان ما تنكشف الاقنعة التى يرتديها الرجال, ولكن بعد فوات الأوان.. والعاقل هو الذى ينظر إلى الأمور «نظرة موضوعية» ويدرك أن البيوت لا تقوم على أسس واهية، وانما تحتاج إلى قواعد سليمة وبنيان راسخ.



إن آفة بعض الرجال أنهم ينساقون إلى أهوائهم, ويتمادون فى أخطائهم, ويحاولون دائما تكرار أفعالهم غير السوية، وينسون أنهم يدمرون أسرهم ويلقون بابنائهم إلى التهلكة، إذ ماذا ننتظر من أب لا يرى إلا ملذاته, وأم مغلوبة على امرها أمام تصرفاته سوى أبناء مهلهلين ومشوشين ومتخبطين فى الدنيا.



ولقد أحسنت صنعا بتمسكك بزوجك ولكن إياك والتصرفات الهوجاء, فالعاقلة هى التى تحافظ على بيتها وتعمل على تماسكه, وتضع الأمور فى حجمها الصحيح, ويمكنك أن تتبعى مع زوجك «الحوار الإلحاحي» بمعنى أن تعيدى دائما على مسامعه أنك تحبينه ولن تفرطى فيه, وانه يجب عليه أن يجلس مع أولاده كثيرا، ويسعى إلى رأب الصدع الذى أحدثه بما سبق أن فكر فيه بتأثير الانترنت، وكيف أنه أخطأ فى حق نفسه وأسرته، وإن الله شاء ينتشل الأسرة مما كان ينتظرها من فشل ذريع. وبإمكانك أيضا يا سيدتى أن تضيقى دائرة الخلافات بينكما, وأن تصمدى أمام العواصف والأنواء حتى تتغلبى على الرياح العاتية التى تواجه سفينتكم حتى تصل إلى بر الأمان.