عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
المسئولية السياسية .. من أوروبا إلى آسيا
18 نوفمبر 2017
إيمان عارف

تعد فكرة استقالة المسئولين انطلاقا من إحساسهم بالمسئولية السياسية عن بعض الأخطاء التى ارتكبت أو التقصير في بعض الملفات من أهم سمات الدول الديمقراطية المتقدمة، حيث ترسخ هذا السلوك ليصبح ثقافة شائعة،


وذلك انطلاقا من التعريف البسيط لمفهوم المسئولية بأنها التزام بأداء العمل طبقا لما هو محدد ومطلوب، وهو ما يعني ضمنا إقرار السياسي بأنه ملزم بعواقب الأمور التي تقع في نطاق اختصاصه، حتى لو لم يكن مسئولا عنها بشكل مباشر.



ومن ثم، فإن الاستقالة هنا لا تعني بالضرورة الفشل أو ارتكاب أخطاء بقدر ما تعني شجاعة المسئول في تحمل تبعات قرارات قد تؤثر بالسلب ليس على مسيرته السياسية فقط، ولكن على صورة الحكومة ككل.



وهنا تتعدد الأمثلة حول هذا النوع من الاستقالات السياسية غربا وشرقا، وإن كانت تكثر فى قارة آسيا بشكل عام، وفي اليابان بشكل خاص، نظرا لخصوصية الثقافة اليابانية التي تعلي من قيمة الاحترام والشرف وحفظ ماء الوجه.



ولعل أحدث نموذج لذلك كانت استقالة وزيرة الدفاع اليابانية تومومي إينادا وهي ثاني سيدة في اليابان تشغل هذا المنصب الرفيع، فضلا عن كونها وجها بارزا من وجوه الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم، حيث استقالت في أغسطس الماضي بعد جدل واسع تعلق بمحاولة إخفاء وثائق عسكرية.



وكانت بعض التقارير الصحفية قد تحدثت عن قيام موظفين بوزارة الدفاع بإخفاء وثائق حول تعرض قوات حفظ السلام اليابانية في جنوب السودان للخطر بسبب تدهور الوضع الأمني هناك.



ورغم نفي إينادا علمها بهذه التقارير وتأكيدها عدم ضلوعها في أي محاولة للتعتيم على الرأى العام، فقد اعترفت بأنها تتحمل المسئولية كاملة عن هذا الملف وعن أي خطأ ارتكب يمكن أن يقوض ثقة الرأي العام في طريقة إدارة هذه المؤسسة، بل وقررت طواعية إعادة راتب شهر لخزينة الدولة كجزء من اعتذارها للمواطنين.



هذه الاستقالة من قبل المسئولة الحكومية قابلها على الجانب الآخر استقالة رئيسة الحزب الديمقراطي الذي كان أكبر أحزاب المعارضة في اليابان حتى وقت قريب، معلنة أنها تتحمل المسئولية الكاملة عن الهزيمة الثقيلة التي واجهها الحزب فى انتخابات المجالس المحلية في العاصمة في يوليو الماضي.



ويبدو أن استقالة كبار المسئولين والسياسيين في اليابان تعد من سمات الحياة السياسية، بل إنها أصبحت عرفا يقضي بأنه إذا انخفضت شعبية رئيس وزراء أو مسئول فلابد أن يستقيل انطلاقا من مسئوليته السياسية عن هذا التراجع.



استقالة المسئولة اليابانية يقابلها على الجانب الأوروبي أيضا استقالة وزيرة الدفاع الهولندية جانين هينيس في أكتوبر الماضي في ضوء نتائج تحقيق خلص إلى وجود تقصير خطير تسبب في مقتل جنديين هولنديين وإصابة ثالث من قوات حفظ السلام في مالي خلال مهمة تدريب عام 2016، حيث أشار التحقيق إلى أن الوزارة سمحت بتراجع معايير السلامة والرعاية الطبية لتحقيق أهداف استراتيجية.



وقالت الوزيرة في ختام جلسة مناقشة عقدها مجلس النواب على مدى أكثر من أربع ساعات إنها مسئولة سياسيا عما حدث، ومن ثم اتخذت قرارها السابق.



وفى بريطانيا منذ أيام قليلة، قدمت وزيرة التنمية الدولية بريتي باتيل استقالتها بعد لقاءات عقدتها فى إسرائيل خلال زيارة قامت بها هناك دون إبلاغ حكومتها، حيث كتبت في خطاب استقالتها أنها تعتذر لرئيسة الحكومة عن الحرج الذى تسببت فيه لرئيسة الحكومة ولزملائها.



وهو الموقف نفسه الذي اتخذته سيلفي جولار وزيرة الدفاع الفرنسية، حيث أعلنت انسحابها من الحكومة فى يونيو الماضى لتتمكن من إثبات حسن نواياها فى تحقيق حول شبه وظائف وهمية طالت حزبها.



وقالت جولار التي انتخبت نائبة أوروبية عام 2009 وأعيد انتخابها عام 2014 إن الرئيس الفرنسي بدأ مساعي استعادة الثقة في العمل العام وإصلاح فرنسا، وهذا المخطط التصحيحي يجب أن يتفوق على أي اعتبار آخر، ومن ثم كان قرارها النابع من إحساسها بالمسئولية تجاه مجتمعها.