ربما تعجز الكلمات أن تعبر عن الواقع الذى يعيشه محمد كمال أبوزيد 35 عاما، بجوار طريق أسيوط ديروط الزراعى تجاه قرية بنى يحيى بعدما ضاق بيت والده ولم يعد فيه موضع قدم ولكن الواقع كان أشد ألما مما تخيلت.. انقلبت حياته رأسا على عقب إثر تعرضه لحادث خرج منه مصابا بشلل نصفى ولم يجد سوى غرفة تفتقر لكل ملامح الحياة الآدمية، من يرى منزله من الخارج يعتقد أنها عشة فراخ، ووسط هجوم الفئران والزواحف الذى لا ينقطع يعيش محمد يواجه الحياة والمرض بصبر وعزيمة ربما يفقدها الكثير من الأصحاء.
يقول محمد: منذ وعيت على الدنيا وأنا لا أعرف سوى البحر والصيد مع والدى وأشقائي، وكان القارب الصغير هو المسكن ومصدر الرزق فى آن واحد، ومع مرور الوقت أنجب أبى 8 أشقاء وضاق القارب علينا، فبدأ والدى فى الاقتطاع من قوتنا الضرورى حتى تمكن من شراء منزل نحو 30 مترا وعندها طرنا من الفرح وانتقلنا من العيش فوق القارب للمسكن.
ومرت السنوات سريعا وبدأت فى مرحلة الشباب وهنا بدأت تراودنى أحلام المستقبل بتكوين أسرة صغيرة وإنجاب الأولاد فبدأت أبحث عن عمل فى كل شيء وأى شيء بداية من الصيد أو صناعة السنارات والشباك للصيادين والعمل فى المعمار والزراعة ورغم أنها لم تكن تفى بأبسط متطلبات الحياة لكن كنا سعداء بها.
ويكمل محمد سرد معاناته.. وفى 24 يناير عام 1999 كان القدر يخبئ لى أمرا لم يكن فى الحسبان، حيث ذهبت لمساعدة أقاربى فى هدم منزل قديم لهم وفى أثناء عملية الهدم سقط المنزل علينا مما أدى لإصابتى بكسر فى العمود الفقرى وبعد رحلة علاج خرجت مصابا بشلل رباعى وبعد سنوات من الألم وزواج أخوتى الثلاثة وإنجابهم ووجود 4 شقيقات لم يعد هناك متنفس فى المنزل، فخرجت أبحث عن مكان ومصدر دخل أعيش منه كى يساعدنى على شراء القسطرة ووجدت ضالتى فى عشة مساحتها 2x3 وتقع بجوار ترعة الإبراهيمية وأنا أعيش فيها بعد الحادث،
ورغم صعوبة المكان لكننى أشعر براحة نفسية وبدأت أعاود العمل فى صناعة السنارات التى تتطلب وقتا كبيرا وكان لابد من الجلوس على الأرض بسبب قرح الفراش وبت غير قادر على العمل مع تراجع وضعف البيع وبمساعدة أهل الخير تم صرف معاش لى من الضمان الاجتماعى والذى يقدر بنحو 320 جنيها وهى لا تفى بأى شيء فى ظل حاجتى لتغيير القسطرة مرتين شهريا بتكلفة تصل لنحو 100جنيه شهريا.
ويتوقف محمد عن الكلام لحظات ثم يعاود الكلام: «يعلم الله أنا بدبر ثمن القسطرة هذه الأيام إزاى بعدما ارتفعت أسعار كل شيء .. ده حتى أنا اللى بركبها لنفسى علشان أوفر أى حاجة لأن تكلفة تركيبها فى المستشفى باتت مكلفة».. والمكان اللى أنا فيه غير آمن ومع انتشار القمامة بجواره استيقظت ذات صباح ووجدت الفئران قد أكلت جزءا من أصابعى وبين الحين والآخر تهاجمنى الفئران وأحيانا العقارب فى غياب تام للمسئولين خصوصا المحافظ.
محمد أبوزيد لايطمح فى الحصول على شقة إسكان ولا فرش معين .. ولكن كل أمله فى أن يساعده محافظ أسيوط وأهل الخير فى بناء سقف للعشة من الخشب لحمايته من هجوم الفئران والزواحف وكشك صغير يساعده على نفقات الحياة ليكمل ما تبقى له من عمر.