عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
كورتس مستشار النمسا ..هل انفصال الشباب عن الماضى هو الحل؟
23 أكتوبر 2017
رحاب جودة خليفة;

أصبح للعالم أول زعيم يبدأ مسيرته السياسية فى الألفية بفوز سيباستيان كورتس في الانتخابات البرلمانية في النمسا وتوليه منصب مستشار الدولة. وبالطبع دخل الزعيم الجديد البالغ من العمر 31 عاما، والذي يعد أصغر الزعماء في العالم، في مقارنة علي الفور مع إيمانويل ماكرون رئيس فرنسا وجاستن ترودو رئيس وزراء كندا من حيث شبابهما وشعبيتهما، ولكن في الحقيقة فإن الشبه يبدأ وينتهي مع هذا المظهر الخارجي فقط.


وفي جميع أنحاء أوروبا، نجحت مجموعة كبيرة من السياسيين الشباب في إزاحة جيل عجوز من البيروقراطيين.



وفي العام الماضي وحده، انتخبت فرنسا وآيرلندا وإستونيا قادة تحت سن الـ40.



وفي الوقت نفسه، فقد أصبح لبلجيكا واليونان ومالطا ولوكسمبورج في السنوات الأربع الأخيرة رؤساء منتخبون تقل أعمارهم عن 45 عاما.



واندفع الناخبون وراء القادة الجدد الذين يقدمون لدولهم إحساسا متجددا بالحيوية والإثارة في قارة تواجه حصتها من التحديات - من زيادة الهجرة من إفريقيا والشرق الأوسط إلي البطالة.



ولكن في حين ارتكز قادة فرنسا وكندا الشباب علي التوجه الليبرالي الذي يحتضن العولمة، فإن فوز كورتس اعتمد علي سحب البساط من الوجود علي الساحة الدولية. وظاهريا بدا كورتس أنه يقدم إطلالة جديدة نشطة في واحدة من أكثر البلدان محافظة في أوروبا، وبدأ بتغيير لون شعار حزبه من الأسود إلي الفيروزي، وغالبا ما يتحرك دون ربطة عنق، ويعمل غالبا من أي مكان، ولكنه في النهاية وصل إلي ما كان يخشاه الجميع ليقود حزب الشعب اليميني إلي لب الموضوع من اللحظة الأولي أو القضية التي تمحورت عليها الانتخابات وهي الهجرة وغلق الباب أمام الأقليات.



وتعهد منذ البداية بإغلاق طرق المهاجرين إلي أوروبا وتقييد استحقاقات الرعاية الاجتماعية للاجئين.



وقد بدا هذا الأمر للبعض مفاجئا، لأنه كثيرا ما ينظر إلي جيل الألفية علي أنه في قلب الليبراليين الذين يكافحون من أجل العدالة الاجتماعية، ولكن عاد الانتصار الانتخابي الذي حققه كورتس مجددا ليلقي الضوء علي الاتجاه الناشئ في أوروبا : وهو الاتجاه الشعبوي الذي يدفعه اليمين المتطرف والذي بدا اليوم أنه قادرعلي ضم جيل الألفية إلي أنصاره بل يجعله الأكثر نشاطا. وكما يري المحللون فإن هذا المزيج من الشباب والتقاليد هو بالضبط ما يجعل هؤلاء القادة الجدد جاذبين للناخبين، فالقادة المنتخبون هذا العام أبعد ما يكونون عن الخبرة، لكنهم كانوا معروفين جيدا من قبل الناخبين قبل البدء في حملاتهم بفضل مهاراتهم في الخطابة واستغلالهم لوسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت الأداة المنظمة لإيقاع العصر.



والحقيقة فإنه في أوروبا، كان علي جيل الألفية أن يتعامل مع اثنين من كبرى أزمات القرن الحالي وهي الأزمة المالية وأزمة اللاجئين. وفي المملكة المتحدة علي سبيل المثال، يبدو أن المتقاعدين لم يتعرضوا للضرر نسبيا في مستوي معيشتهم، في حين لا يزال الشباب يحاول التعافي من الخسائر التي فقدوها خلال فترة الركود.



وينطبق الشيء نفسه علي فرنسا، حيث لا تزال البطالة بين الشباب بنسبة 24% أي أكثر من ضعف المستوي العام وحيث حظيت أيضا الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة بدعم من حوالي 40% من الناخبين خاصة الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و32 سنة في الفترة التي تسبق هذه الانتخابات التاريخية لهذا العام.



وتصل نسبة البطالة بين الشباب إلي 40% في إيطاليا و43% في إسبانيا و47% في اليونان حتي بعد أن ملأ الشباب بها أدوار الشخصيات الرئيسية.



وفي الوقت نفسه، وصل مليون لاجئ إلي أوروبا عن طريق البحر في عام 2015 وحده. وعلي الرغم من أن بعض الدول تتحمل وطأة أزمة اللاجئين أكثر من غيرها، فإن صور اللاجئين علي متن قوارب صغيرة تتجه إلي أوروبا الغربية قد انتشرت علي نطاق واسع عبر وسائل الإعلام الأوروبية، بما جعل بعض الشباب يكرسون أنفسهم لوقف هذه القوارب للاجئين من الوصول إلي أوروبا. وباعتبار النمسا واحدة من أكثر وجهات اللاجئين فقد اندفع شبابها بالتالي إلي تبني التوجه الشعبوي القومي، وكان هذا الخوف هو الذي نجح كورتس واليمينيون الشعبويون في استغلاله.



ففي انتخابات الرئاسة النمساوية في العام الماضي، تمكن المرشح اليميني المتطرف نوربرت هوفر من الفوز بنسبة 42% من الناخبين الذين يبلغون من العمر 29 عاما أو أقل. وفي وقت سابق في الانتخابات العامة في هولندا وفرنسا اعتمد اليمين المتطرف علي أصوات ودعم الشباب. ومن هنا، فإن فوز كورتس مازال أمرا مثيرا للجدل في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي لأنه يبشر بتحالف جديد يميني قومي مناهض للمهاجرين ومتوافقمع بولندا والمجر ودول أوروبا الوسطي الأخري القلقة من اللاجئين المسلمين. ولكن الأهم من ذلك فإن الانتخابات البرلمانية النمساوية تشكل تحولا مهما في كيفية تصويت الشباب، ففي حين أنه كان ينظر إلي الشباب منذ فترة طويلة علي أنه صوت اليسار، فإنهم لم يعودوا منذ بداية العقد الماضي مكسبا لليمين المتطرف فحسب، بل أصبحوا يتصدرون المشهد.



بالتالي يظل السؤال مطروحا، ليس فقط حول حجم قدرة القادة الشباب علي الانفصال عن الماضي، بل عن قدرتهم علي البقاء والاستمرار والتقدم.