على مدى 44 عاما هى عمر حرب أكتوبر العظيمة، بح صوت السينمائيين والنقاد والصحفيين المصريين، بالمطالبة بفيلم سينمائى يليق بهذه الحرب المنسية من أهلها، والمذكورة من كل العالم، وتساءلوا كيف ترتفع هذه الحرب بالشعب المصرى والعربى إلى أعلى مكان فى سماوات العسكرية والاستراتيجية السياسية،
ثم لا تلقى ما تستحقه من عظيم الاحترام فى الفن السينمائي؟! فقط الأغانى هى التى عبرت، ومع مرور الأيام والسنين يأس الكل من المطالبة بهذا الفيلم، وأدركوا أن عندنا فنا مأساويا يميل لتسجيل « الآه» والدمعة ولا يرحب وينفعل بالانتصار، والسؤال الذى نطرحه الآن ليس من المعقول ألا تكون هذه الحرب قد أثارت شهية شركات الإنتاج سواء العامة أو الخاصة، أو لم يجدوا فيها ما يقدمونه على الشاشة الفضية؟!.
المثير للدهشة أن دولة عربية مثل سوريا شاركتنا الحرب، ورغم قدم السينما لديها، إلا أنها هى الأخرى لم تقترب من هذا الحدث التاريخى المهم والحاسم، تحدثت السينما السورية الروائية عن حرب أكتوبر لكنها لم تذهب إليها، ولم تتناولها مباشرة، ولم تصور وقائعها وأحداثها، واكتفت بالحديث عن تداعياتها وآثارها، لكن كان هناك فيلم تناول الحرب، وتم رفعه من دور العرض التى عرضته، بعد أيام قليلة، هذا الفيلم إسمه «فرسان التحرير» عن سيناريو وإخراج سهيل كنعان، بطولة أديب قدورة، طلحت حمدي، أحمد طرابيشي، كاميليا، وقد عرض عام 1974 وصنع كصدى لحرب أكتوبر 1973، ويتناول بطولات أحد الألوية السورية فى الحرب على جبهة الجولان، والتضحيات الفردية التى حققها من أجل تحقيق الانتصار، لكن هذا الفيلم وكما جاء فى كتاب «حرب أكتوبر فى السينما» للناقد الراحل سمير فريد، «ابتذل حرب أكتوبر» على حد وصف ناقدنا الراحل!. وأثارت جملة «ابتذل حرب أكتوبر» خيالي، وقررت أن أعرف حقيقة هذا الفيلم، ونظرا لعدم توافر معلومات عنه على شبكة الإنترنت، قررت الاستعانة بصديق، وكان هذا الصديق النجم الكبير جمال سليمان الذى أكد أن هذا الفيلم صنع خصيصا لتمجيد فصيل معين فى سوريا هو «سرايا الدفاع» التابع لرفعت الأسد، شقيق رئيس الدولة حافظ الأسد، وأراد صانع الفيلم ومخرجه «سهيل كنعان» ، أن يؤكد من خلال فيلم «فرسان التحرير» أن كل التضحيات والبطولات وعمليات الاستشهاد التى حدثت فى حرب أكتوبر كانت لفصيل «سرايا الدفاع» الذى لم يشارك فى الحرب إلا فى حدود ضيقة وقليلة جدا.
وكان أى عسكرى أو ملازم أول فى فصيل «سرايا الدفاع» أهم من أى ضابط فى الجيش العربى السورى حارب فى حرب أكتوبر، فقد كانت لهم سطوة مخيفة، فضلا عن أن مرتباتهم كانت مرتفعة جدا وأكبر من مرتبات لواءات فى الجيش السوري.
ويستعيد جمال سليمان ذكرياته ويقول: عندما عرض فيلم «فرسان التحرير» ذهل الضباط الحقيقيون الذين شاركوا فى الحرب من تزييف الحقائق، وخداع الجمهور، والرأى العام، وشعروا بالإحباط والحزن، وعبرفيما بينهم عن استيائهم من هذا العمل المهين، وكان فى مقدمتهم قائد الوحدات الخاصة وقتها العميد «على حيدر»، واللواء عبدالعظيم الزغبي، وغيرهما من الضباط الأحرار السوريين الذين اعترضوا عند «حافظ الأسد» على هذا الفيلم الردئ جدا، فقام الرئيس بمنع عرضه.
وينهى نجمنا العربى الكبير كلامه قائلا: لقد شاهدت الفيلم ووجدته من الناحية الفنية رديئا جدا جدا، والحمد لله أن أحدا لم يره لأنه يسيء للسينما السورية، لكن يبدو أن المسئولين السوريين وقتها عز عليهم « زعل كنعان» فكانت مكافأته بعد منع الفيلم بجعله نقيب الفنانين السوريين!!.