عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
الإصلاح قادم
3 أكتوبر 2017
000;

فى ديسمبر عام 1947 نشرت مجلة «مسامرات الجيب» مقالا للدكتور طه حسين بعنوان «الجيل الضائع» شرح فيه أزمة التعليم، ونبه إلى ما يمكن أن يحدث للجيل الجديد وبدأه بقوله: «أخشى أن يكون هذا الجيل الناشئ من شبابنا هو الجيل الضائع إلى غير رجعة وفى غير أمل، فهو مع الأسف الشديد والحزن العميق معرض فى حياته التعليمية لخطوب لم يتعرض لمثلها من قبل، يأتيه بعضها من الحكومات، وبعضها من القضاء والقدر، والبعض الآخر من ظروف الحياة الاجتماعية البغيضة التى نحياها».. لقد أدرك طه حسين ببعد رؤيته أهمية التعليم، وأنه حق للجميع كالماء والهواء، لقناعته أنه أساس الثقافة والنهضة وتحقيق الديمقراطية الحديثة، وقد سبق عصره، عندما حصل على تصديق الحكومة على مجانية التعليم لأول مرة فى العام الدراسى 1943 ـ 1944، وعندما تم تعيينه وزيرا للمعارف فى يناير 1950 بحكومة النحاس باشا، نجح فى الحصول على مجانية التعليم الثانوي، وجعله كالماء والهواء، كما دعم إنشاء منظومة تعليمية قوية تنافس مستويات التعليم الأوروبية، وتعاقد مع أساتذة من فرنسا وانجلترا لتعليم الطلبة اللغتين الفرنسية والانجليزية بمستوى رفيع.

وفى جانب آخر شرح المفكر البرازيلى باولو فيرارى فى كتابه المهم «تعليم المقهورين» أزمة التعليم فى مجتمعاتنا بأنها تعتمد على أسلوب التعليم التلقينى القائم على وجود طرف مرسل، وآخر يقوم بدور المتلقى والمستمع، وينتهى بملء عقول التلاميذ بكلام ومعلومات أفرغت من محتواها، ولا تثير، أو تستثير عقول هؤلاء التلاميذ المتلقين، حيث يقتصر دور الطلاب فى هذه العملية على الحفظ والتذكر، وإعادة قراءة ما استمعوا إليه، دون أن يتعمقوا فى مضمونه، ليتحول الطلاب فى هذه العملية إلى مجرد بنوك تودع فيها المعلومات والبيانات، وهو ما اسماه «المفهوم البنكى للتعليم» يكون فيه دور الطالب مستقبلا للمعلومات فقط، فيملأ بها رأسه ويخزنها دون وعي، وينحصر دوره فى الحفظ والتذكر، وإعادة الجمل التى سمعها دون أن يتعمق فى مضمونها، ويتحول الطلاب إلى آنية فارغة يصب فيها المعلم كلماته الجوفاء، وهكذا يصبح التعليم ضربا من «الإيداع» ويتحول الطلاب فيه إلى بنوك، ويقوم الأساتذة فيها بدور المودعين، فيصبح الأستاذ مصدر بيانات، ومودع معلومات، ينتظره الطلاب فى صبر، ليستذكروا ما يقوله، ثم يعيدوه، وهو فى رأى باولو فيرارى أسلوب تعليمى متعال سلطوى يعيق فرص الابداع والتطوير عند الانسان، ويحرم عقله من ممارسة حق السؤال والتساؤل، فكسب المعرفة والتطور عند الانسان إنما ينبثق من الابداع الذى هو وليد القلق المستمر، وفيه تتم الإجابة على التساؤلات التى تفرضها حقائق الحياة.

أما عن التعليم الحوارى فهو الذى يستنهض كوامن النفس ويؤجج فى الطالب القدرة على المشاركة فيما يتعلمه، وتصبح بالتالى المعلومة مشتركة بين الطالب والمدرس، ويصير الطالب هو منتج المعرفة، وليس مستهلكا لها، ويؤدى ذلك إلى تفتح عقله ومواهبه، وهنا يمتلك شجاعة النقد والبحث والابداع.

ولقد أشار تقرير للتنمية البشرية صدر عام 2003 إلى أن المناهج التعليمية فى المدارس الحكومية تعلم الطلبة الخضوع، الطاعة، الخوف، وبالنسبة لمصر فقد كان تردى التعليم الحكومى على مدى عقود متواصلة هو وقود الثورة الحقيقى من خلال تنشئة أجيال يمكن اعتبارها أرضا خصبة للتمرد والمعارضة، وانشغلت عنهم الحكومات السابقة، بالإضافة إلى فقر أجور المعلمين مما شجع على تعاطى الدروس الخصوصية بغرض النجاح فى الامتحان، وحول هذا الفشل التعليمى المدارس الحكومية إلى مرتع للسخط والاستياء، وأخيرا: أستطيع أن أجزم بأن الاصلاح قادم ولكن على رأى د.طه حسين فى أحد مقالاته «لا أحب أن أتعجل الإصلاح، لأن شر الإصلاح ما جاء مرتجلا، ولم يأت نتيجة التفكير العميق والرؤية المتصلة والبحث المستفيض»،.

د. حامد عبد الرحيم عيد

أستاذ بعلوم القاهرة