فى انتظار.. قانون التراخيص التجارية
حين أعلنت الحكومة عن قانون التراخيص الصناعية وبعد إصدار القانون ثم إصدار اللائحة التنفيذية له ومع ما واكبه من إصدار لائحة قانون الاستثمار الجديدة فقد كان لهذه القوانين أثر فعال فى تحفيز مخططات الاستثمار الأجنبى والمحلى وخاصة فى القطاع الصناعي..
وفى الاتجاه نفسه الذى يستهدف تنمية البيئة الاقتصادية تشريعاً فإننى أعتقد انه يجب العمل على استكمال المنظومة القانونية لكافة النواحى الاقتصادية وعلى رأسها بالطبع تراخيص المنشآت التجارية، فقد آن الآوان أن يتم البدء فى إصدار قانون موحد ومبسط لتراخيص المنشآت التجارية فمن المعروف لجميع العاملين فى المجال أن ترخيص فرع من فروع السوبر ماركت يحتاج فى المتوسط لحوالى عامين وللتعامل مع حوالى 17 جهة حكومية تتبع عدة وزارات والى أكثر من 500 ورقة ما بين رسومات هندسية ومواصفات فنية وتأشيرات رسمية وغيرها وغيرها بل أن هناك العديد من الفروع والمحلات وخاصة من فئة صغار التجار تعمل بدون ترخيص ليس سعياً – كما يعتقد- البعض للتهرب من الضرائب أو من الالتزامات الحكومية ولكن فقط بسبب صعوبة إجراءات الحصول على تراخيص، بل أن الكثير منهم يسعى ويتمنى الحصول على ترخيص والالتزام بكافة القوانين واللوائح ولكن هناك صعوبات لا يستطيع التعامل معها وتعقيدات تجعل الحصول على رخصة تشغيل أمر صعب المنال ويصبح عبء المخالفة أقل بكثير من مخاطر مغامرة الدخول فى متاهة التراخيص بجهاته المتعددة.. ويرتبط تاريخ إشكالية التراخيص بتاريخ تجارة التجزئة الحديثة فى مصر فمنذ أواخر التسعينيات بدأ السوق المصرى يشهد مرحلة جديدة بدخول فكر السوبر ماركت الحديث الذى بدأ على استحياء فى منتصف السبعينيات مع الموجة الأولى للانفتاح الاقتصادي.. ليتوسع فى هذه المرحلة بفكر السلاسل التجارية والتى انطلقت فى ذلك الوقت بشركة سينسبرى وايدج وشو برايت كاستثمارات أجنبية فى هذا القطاع..
ومنذ ذلك الوقت دخلت العديد من شركات تجارة التجزئة الأجنبية والمصرية للعمل فى هذا السوق وخاصة خلال الخمس سنوات الأولى من الألفية الثانية ليبدأ اهتمام الدولة بهذا القطاع من خلال إنشاء جهاز تنمية التجارة الداخلية وتوسيع اختصاصاته ليصبح على رأسها توفير أراضى وفرص استثمار تجارى للشركات الراغبة فى التوسع التجاري...
وبحكم خبرتى فى المجال منذ بدايته المبكرة أستطيع أن أقول أن جميع هذه الشركات التى عملت فى هذا المجال حتى الآن تعتبر أن مشكلة التراخيص والتعامل مع الجهات الحكومية هى المشكلة الكبرى فلا توجد عقبات على المستوى التجارى أو على مستوى المتاح من أراضى وعقارات للتوسع الأفقي، لكن تظل المشكلة الكبرى هى تقنين الإجراءات بشكل سهل ومبسط بل أن بعض الشركات قد خرجت من السوق المصرى لهذا السبب ومازلت أذكر خروج شركة شو برايت الجنوب افريقية والتى كانت تضع خطة طموحة للاستثمار فى مصر بافتتاح 100 فرع جديد ولكنها لم تستطع خلال ثلاث سنوات إلا افتتاح 10 فروع فقط وهو ما جعلها مضطرة للخروج من السوق المصرى ولعلنا نذكر أيضاً خروج شركة ماكرو الألمانية لنفس الأسباب تقريباً.... ولذلك فانى أدعو الحكومة الى استكمال مسيرتها الناجحة من الناحية التشريعية وليكن فى مشروع قانون التراخيص الصناعية خاصة من حيث الطريقة التى أدار بها طارق قابيل وزير التجارة والصناعة عملية إخراج هذا القانون من خلال حوار حقيقى وفعال مع المجتمع الصناعى مما أدى للوصول إلى قانون يحقق رغبات الصناع ويحافظ فى الوقت نفسه على حقوق الدولة ويضمن لها تنمية صناعية حقيقية – أن يكون فى ذلك قدوة لإصدار قانون مماثل للتراخيص التجارية تتوافر فيه اشتراطات أهمها حصر تعامل المستثمر مع جهة واحدة وأن يكون الترخيص بالإخطار وبجدول زمنى معلوم للكافة..
وبالطبع فأننى لست فى حاجة للتدليل على أهمية هذا القانون لأنه جزء من منظومة متكاملة فلا صناعة قوية بدون سوق قوى والعكس بالضرورة ليس صحيحاً فقد يكون هناك سوق قوى بمنتجات وسلع مستوردة والأكثر من ذلك أن صناعة قوية بدون سوق قوى تعنى سلعا راكدة وبضائع مخزنة غير قابلة للتصريف ولذلك يجب ضبط المعادلة بين أجنحة السوق المصرى ككل باعتبارها واحدة.