عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
دوامة لا تنتهى
22 سبتمبر 2017
000

أود فى البداية أن أشكركم على اتساع صدركم لنشر الآراء المضادة لآرائكم‏,‏


وشجاعتكم في عرض القضايا الحساسة بحياد تام وموضوعية نادرة, وأتمني أن تشير علىّ بحل واقعي لمشكلة يعانيها أكثر من80% من أبناء جيلي.. هذا الجيل الذي عاصر القديم, ويعيش الآن عصر التكنولوجيا, فأنا زوجة لرجل طيب ناجح في عمله, وأم لولدين صغيرين بالمرحلة الابتدائية وعمري سبعة وثلاثون عاما وحاصلة علي شهادة جامعية أدبية, وزوجي يكبرني بعامين، وهو حاصل علي شهادة جامعية علمية، ودعني أبدأ القضية التي أكتب إليك من أجلها بعرض برنامجي اليومي, حيث أصحو من نومي في السادسة صباحا, وأعد طعام الافطار لولديّ ثم أنزل معهما وأوصلهما إلي سيارة المدرسة, ثم أعود إلي الشقة فأرتبها وأذهب إلي عملي في السابعة، إذ إننى أعمل معلمة في إحدي المدارس الخاصة براتب هزيل أستحيي من ذكره وأبذل في مقابله ما يساوي علي الأقل ثلاثة أضعافه، وخذ عندك هذا المشهد علي سبيل المثال الذي وجدته يتكرر كثيرا.. طفل في الصف الأول الابتدائي لاحظت علي رقبته علامات غريبة فاقتربت منه وسألته: ماذا حدث لك؟.. فقال: «ماما خنقتني لأنني تأخرت في قراءة كلمة امبارح»، فنظرت إليه في صمت، ولم أجد ردا عليه!, حدث هذا كثيرا.. وهكذا يمر اليوم كغيره, وأرجع إلي منزلي قبل أولادي بربع ساعة ـ وأنا هنا محظوظة جدا لأن معظم العاملات يرجعن بعد أولادهن بساعة أو أكثر ـ وأعد الطعام وأتناول الغداء مع ولدىّ, ثم أجلس معهما وأعرف ما لديهما من واجبات أو دروس جديدة, وبعد فترة راحة مدتها نصف ساعة نبدأ في المذاكرة, وأحاول أن أضبط أعصابي، فأنا لست تلك الأم المجنونة التي تخنق طفلها, وأجدني حائرة.. هل أقسو عليهما ليتعلما بشكل جيد, وليس مهما أن تكون لديهما أي مهارات اجتماعية كما هى الحال مع كثيرين من زملائهما؟( مع العلم أن كم المعلومات قد تضاعف مرتين, كما أصبحت طريقة التعليم عقيمة وتزيد الأعباء علي الأم والمدرس والطفل بلا أي فائدة, فكل الأطفال لا يتذكرون أكثر من60% مما درسوه).. فهل أمارس معهم قسوة مماثلة, أم أصادقهم وأجعلهم متفهمين للحياة, ونفسيتهم سوية, وتصبح لديهم القدرة علي التعامل مع مواقف الحياة المختلفة؟ لا أعرف وأحاول جاهدة الالتزام بالاثنين معا بحسب ما يحتاجه طفلاي كل يوم.



وبينما أنا علي هذه الحال يرن جرس الهاتف فإذا بإحدي الأمهات وهي ربة منزل ابنتها زميلة ابنتي، تسألني عن درجة ابنتي في أحد التطبيقات, وتخبرني بأنها ضربت ابنتها بقسوة لأنها نقصت خمس درجات في هذا التطبيق, وأخبرتني بكل فخر بأن هناك علامات علي وجه ابنتها بسبب هذا الضرب, وتعتبرني متساهلة مع ابنيّ لأنني لا أعنفهما عندما تنقص درجاتهما، ولاحظت من هذا الموقف أن ربة المنزل تحاول أن تثبت للمرأة العاملة أنها مقصرة في حق أولادها, في حين أن المرأة العاملة تحقر من شأن ربة المنزل وتعتبرها فاشلة, وأنها لم تكن تستحق اكمال تعليمها! ويمر الوقت سريعا ويأتي موعد النوم, وتقابلني أول مشكلة حقيقية في يومي وقد أعيتني الحيل لحلها، حيث يحاول ولداي السهر بكل السبل لأنهما يفتقدان أباهما الذي يصحو من نومه بعد خروجنا في الصباح بقليل, لكنهما يفقدان الأمل في رؤيته فيتصلان به ويقولان له: «انت وحشتنا جدا يا بابا، هوه الشغل ده ما بيخلصشي أبدا.. ابقي تعال غطينا لما ترجع.. تصبح علي خير!»، وأجدني أشعر بالنيران التي تكوي صدر زوجي المتفاني والحائر بين أمرين أحلاهما مر، إما أن يري ابنيه ويشبع من براءتهما, ويقيم علاقة صحية معهما, ويدعمهما نفسيا وعاطفيا, وإما أن يعمل ليل نهار وهو المتفوق والبارز في عمله بشهادة الجميع لكي يكفي مصروفات المعيشة الضرورية بلا رفاهيات!



أما عن علاقتي بزوجي فهي هامشية برغم الحب والاحترام المتبادل، وأحب أن أشبه علاقتنا بنبتة الصبار, فهي تحيا في أحلك الظروف ونحن غير سعيدين. ولا نستطيع حتي أن نلوم بعضنا البعض علي ظروفنا القاسية، وأكلم أمي فإذا بها غاضبة مني لأنني لا أذهب إليها كثيرا، وأتصل بوالدة زوجي وهي إنسانة فاضلة فأجدها مشتاقة لرؤية ولدها الذي لا تراه, وأجدني لا أتصل بأي من صديقاتي أو أقاربي إلا فيما ندر, وهكذا أفتقد الجميع, ولا أحد يشعر بحجم التحديات التي أقابلها يوميا, وأخيرا أذهب لأنام وحيدة, وأنا عاجزة عن حل مشكلتي ومشكلة جيلي كله؟ فهل أجد لديك هذا الحل؟



ولكاتبة هذه الرسالة:



إنها بالفعل رحلة يومية قاسية ياسيدتي نعانيها جميعا, لكن متاعبها تهون في سبيل توفير لقمة العيش ومتطلبات الحياة اللازمة للأسرة والأبناء, بعد أن اختلفت الظروف المعيشية عما كانت عليه من قبل, حينما كان رب الأسرة يعمل في وظيفة حكومية, ويعود إلي البيت قبل الظهر فيجد زوجته قد اعدت طعام الغداء فيلتئم شمله مع الأبناء, قبل أن يتزاور مع الأهل والأصدقاء في فترة ما بعد العصر حتي العشاء، فهذا النمط من الحياة لم يعد موجودا الآن, وأصبح علي الأب أن يعمل في أكثر من مكان, وأحيانا في أكثر من مهنة لكي يوفر ما يسد به رمق أولاده, كما تجد الأم نفسها مدفوعة إلي العمل للحصول علي مورد رزق إضافي بعد أن زادت المطالب والأعباء, وهكذا صار لحياتنا نمط جديد اختفت فيه العلاقات الاجتماعية, فلم يعد الأخ يزور أخاه, ولا الابن يزور والديه, فالكل يلهث وراء المادة, ولا بديل لهم عن هذا اللهاث!



ومما يزيد قسوة الحياة الآن أن الأب لم يعد يري أبناءه ولا زوجته, وبمرور الوقت يحدث الفتور الذي تتحدثين عنه في رسالتك التي تعبر عن واقعنا الحالي بكل صراحة ووضوح.. وهنا تكمن المشكلة التي يجب أن يعيها كل منا، فيرسم لنفسه طريقا يهيئ له أداء عمله, ويساعده علي التواصل مع الآخرين وفي مقدمتهم الأهل بالطبع.



أما العلاقة مع الزوجة والأبناء فهي الأصل في كل شيء, ولا يمكن أن تكون هامشية بأي حال من الأحوال.. فقط عليك ياسيدتي أن ترتبي مع زوجك يوما واحدا في الأسبوع تناقشان فيه قضايا الأسرة, وتتواصلان خلاله مع الأبناء، وليكن هذا اليوم عيدا للأسرة تتوطد فيه علاقتك بزوجك ويقوي الحب بينكما, فهو أساس الحياة الزوجية الناجحة، وأسأل الله لكم السعادة وراحة البال.