عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
«فايا يونان» .. مطربة الحب والسلام
4 أغسطس 2017
محمد حبوشة

مطربة سورية شابة، استطاعت ببساطة الإطلالة عبر الصوت الجميل المحبب غناء وإلقاء أن ترسم صورة لجراح سوريا، حين لامست بأغانيها آلام عائلتنا الكبيرة،


آلام الوطن العربي وأحلام أبنائه من كل الفئات العمرية، ومن دون تكلف، حتى أصبح أدائها الذي يعبر عن انتمائها لبلد السلام «سوريا» جسر عبور إلى كل القلوب في الداخل والخارج، على اختلاف موضوعات أغانيها التي تجنح نحو اللون الوطني في ثوب عاطفي يخطف القلوب والعقول التواقة إلى ضفاف الحرية.



...............................................................................................



لم تكن المسافة البعيدة كافية لتنأى بـ«فايا يونان» عن الوطن حبا وانتماء وإحساسا، بأناقة البساطة وسلاسة الحضور، وبأسلوب أقرب ما يكون إلى السهل الممتنع، خطفت تلك المهاجرة الأنظار من كل صوب وحدب، وحصدت في أسابيع قليلة أكثر من مليون ونصف المليون متابع لعمل فني بعنوان «لبلادي» جمعها قبل ثلاث سنوات مع شقيقتها الكبرى «ريحان»، تلك الأغنية التي أرادتا من خلالها توجيه أكثر من رسالة ، فكانت النتيجة الطبيعية أن لامستا جراحنا الغائرة، وعزفتا الشقيقتين على أوتار الشجن والحنين، وعرفتا كيف تستدرجان الدمع من مآقي الجمهور العربي حزنا على بلادنا المنذورة للحروب والمحن والضياع في غيابات جب الحروب الشرسة، وعلى أبواب بيوتنا التي تفنى كل يوم بفعل آلة قتل جهنمية قبيحة، وعلى أحلامنا المكسورة الخاطر كطفلة لم تتلق هدية العيد في يوم عنوانه البهجة والسرور.



صحيح أنهما شابتان عربيتان سوريتان بعيدتان في الجغرافيا، لكنهما بحسهما الفني الرفيع استطاعتا أن تكونا قريبتين في القلب والدمع، حين لامستا بحنو بالغ كل آلامنا وجراحنا العميقة على أنغام الموسيقى، وفي كل ما تبقى لنا من أمنيات مستحيلة في بلاد تتسع فيها المقابر وتغادر سماءها العصافيرالطليقة نحو مواطن الحرية، لتعلو الموسيقى على دوي المدافع وأزيز الرصاص، وهى هنا تجعل الغناء يفلح في بلسمة جراحنا المزمنة، والتخفيف منها ولو قليلا من حرقة القلب ولهيب الروح بفرط من جمال وسحر وغناء يصل بالروح إلى منتهاها، في ظل سطوة لهيب الحرب ودخان المعارك والخراب الذي يعم أرجاء سوريا ولبنان والعراق وفلسطين.



الفتاة الصغيرة ذات الـ 24 عاما، وصاحبة المشروع الغنائي الطموح «فايا يونان» أشعلت حفلًا غنائيًا نظمته «وكالة الأهرام للإعلان» بمسرح «الحديقة الصينية» بمركز الموتمرات بمدينة نصر قبل أيام، وشهد الحفل حضورا جماهيريا تجاوز الخمسة آلاف وسط تفاعل شديد، وأمتعت جمهورها بأجمل أغنياتها التي اشتهرت بها في الوطن العربي على مدار ساعة ونصف مثل «غني للحب، إحكيلي عن بلدي، ولي في حلب»، بيناتنا في بحر، وموطني، وياليته يعلم، شدي عقلبي، وزنوبيا»، ووسط دهشة الحضور الغفير لم تصدق نفسها، وهى التي بدأت من غرفتها الصغيرة قبل ثلاث سنوات في وقت لم تدرك أن الجمهور سوف يتفاعل معها إلى حد تدشينها مطربة محترفة على مواقع التواصل الاجتماعي، ودعمها في إنتاج أغنيتها «أحب يديك» التي كسرت حاجز الـ 8 ملايين مشاهدة حتى وقتنا الحالي.



الحكاية بدأت بشريط مصور مدته 8 دقائق ظهر بعنوان «لبلادي» طالعتنا به فتاتان جميلتان اسمائهما «فايا وريحان» لتسليط الضوء على الدمار الذي ألم بعدد من الدول العربية، فالأولى غنت والثانية قرأت حتى التزم الجمهور الصمت لدقائق ليتغنى مع الاثنتين بالصوت والجمال في آن واحد فالشقيقة الكبرى تعمل صحفية، والثانية مغنية هاوية تحلم بمشروع مختلف بدأته بأغنية «أحب يديك»، والتي تم تمويلها عن طريق Crowd Funding أو تمويل الجمهور لمساعدة أصحاب الأفكار الطموحة لبناء مشاريعهم، اعتمادا على تبرعات الناس وهو ما اتبعته فايا في تمويل أغنيتها.



تحكي «فايا» التي تحمل إحساس العظيمة «فيروز» في اللون العاطفي، وإحساس «جوليا بطرس» في اللون الوطنى عن مشروعها الغنائي الأول «أحب يديك» وكيف مزجت بين الغناء بالفصحى وموسيقى البوب، مؤكدة أنها لم تكن أول من يفعل ذلك، ولكن هناك الكثير ولكنهم مخبئون، مبينة الهدف الأساسي لذلك بالوصول لأكبر عدد من الجمهور موسيقيا وأدبيا وللصغار وللكبار في آن واحد، وها هى قد وصلت بحسها الرقيق إلى كلا الفريقين بسهولة ويسر، حين لاقت أغنية «لبلادي» شهرة واسعة، حيث ترجمت لأكثر من لغة، وعرضت في أكثر من قناة تليفزيونية، بالإضافة إلى بثها في المدارس والجامعات، كرسالة سلام يجب أن تدرس، خاصة وأن «فايا» عملت كناشطة في مجال حقوق الإنسان والمساعدة الاجتماعية عبر منظمة الصليب الأحمر بالسويد التي هاجرت إليها مع أهلها قبل 14 عاما.



ورغم هجرتها إلى السويد منذ عام 2003، إلا أن نشأتها الحلبية ظلت مؤثرة عليها، وهو ما يظهر جليا في غنائها للقدود الحلبية، والأغاني الطربية الأصيلة، خاصة «صباح فخري»، بجانب الأغاني المصرية لأم كلثوم وسيد دوريش، حيث تركوا تأثيرا كبيرا في شخصيتها، حتى أن أغاني المغرب العربي لم تتركها «فايا» فقد غنت في مهرجان قرطاج الأخير لـ «الهادي الجويني»، وعند مطالعة العديد من فيديوهات «فايا» عبر موقع يوتيوب تجد اهتمامها الكبير بالسيدة فيروز حتى أن الجمهور شبهها بها بعدما أطلقت «ميدلي» يضم أروع أغاني فيروز بصوتها ولكنها قالت عن ذلك : يسعدني للغاية من قال أننى أفضل من غنيت لفيروز، ولكنى لا أحب أن أصدق هذه التشبيهات ففيروز أيقونة وخامة صوت لن تتكرر أبدا فهي مثل الحلم .. لتبقى «فايا يونان» علامة بارزة في الغناء العربي الطربي الحديث الذي يحمل روح العصر، بالرغم أن صوتها يحتوي على كثير من الألم والشجن، ويثير في قلوب المستمعين مشاعر الحنين والشوق إلى الجذور، إلا أنه يعطي لمن يسمعه دفعة أمل وهدوءا نفسيا، صوت يعود بك إلى قلب اللغة العربية، والتراث العربي في زمن الفن الجميل، لتصبح بحق مطربة الحب والسلام.