عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
جابر نصار
27 يوليو 2017
د. أحمد يوسف أحمد

بعد أيام معدودة يغادر الأستاذ الدكتور جابر نصار مكتبه كرئيس لجامعة القاهرة ليواصل عطاءه من أجل وطنه كما فعل من قبل أستاذا قديراً للقانون الدستورى ومناضلا من أجل الديمقراطية بسلاح القانون فى زمن الفاشية الدينية ومشرعا رفيعا فى لجنة إعداد الدستور ، والآن فقط يمكن لمن يعمل مثلى أستاذا بجامعة القاهرة أن يقول فى الرجل كلمة حق ونقطة البداية فى هذه الكلمة هى التوقيت الذى بدأ فيه مباشرة عمله بعد شهر من ثورة يونيو أى فى ذروة موجة الإرهاب العنيف الذى اجتاح مصر ، وفى هذه الظروف بالغة الصعوبة وغير المسبوقة تصدى جابر نصار للإرهاب داخل جامعة القاهرة بجرأة لا يمكن أن تتوافر لشخص إلا إذا كان مؤمناً بما يفعل ولذلك تعددت مبادراته التى لم تشهد مثلها مواقع كثيرة عانت من الكرب نفسه وكلها اتسمت بجرأة شديدة كما فى مواجهته من أرادوا التستر بممارسة الشعائر الدينية لإخفاء خططهم فى زعزعة استقرار الجامعة فبنى مسجداً مركزياً وتحمل الدعايات المغرضة التى نالت من هذا العمل ، وقد سُئلت يوماً من مواطن بسيط : لماذا يمنع الدكتور جابر نصار الصلاة فى الجامعة؟! ومَنَع التدريس بالنقاب وكان أول من عارضه للأسف مسئولون عن مواجهة الإرهاب فضلاً عن خذلان زملائه فى الجامعات الأخرى له ، وفى مواجهته الشاملة للإرهاب بدأ البداية الصحيحة بتقوية أمن الجامعة فأصبح لجامعة القاهرة رجال أمنها المدربون الذين نجحوا بصفة عامة فى الوفاء بمهمتهم الصعبة وقد زاد هذا من سخط الإرهابيين وأنصارهم فوجهوا ضرباتهم له شخصياً ممثلاً فى ابنه الذى اعتُدِى عليه داخل الحرم الجامعى ولم تنقذه سوى عناية الله سبحانه وتعالى .

كما بدأ البداية الصحيحة فإنه أتم عمله وفقا لنهج صحيح أيضاً وهو أن مواجهة الإرهاب لا يمكن أن تكون أمنية فحسب وإنما ينشأ الإرهاب فى العقول فإن أردت تحصينها عليك بغرس الثقافة الحقيقية فى وجدان البشر حتى ينكشف زيف الإرهاب وكذبه ولم يفهم هذه المهمة باعتبارها مقصورة على تجديد الخطاب الدينى فحسب وإنما امتد بها لتكون عملا تنويريا شاملا يشمل الثقافة بجميع روافدهاز

وهكذا أصبحت جامعة القاهرة ساحة لهذا العمل ولمن يريد التفاصيل أحيله إلى المقالة البديعة للدكتورة نيفين مسعد على صفحات الأهرام بعنوان ِ«الجامعة ودورها فى التنوير»، وكان اللافت فى هذا كله ذلك الإقبال الهائل من قِبَل الطلاب على المشاركة فى هذه الأنشطة الرفيعة ولا أنسى مشهد قاعة الاحتفالات الكبرى بالجامعة ومحيطها يوم حفل الموسيقار المبدع عمر خيرت بما يؤكد تقصيرنا فى إيصال رسالة الثقافة لشبابنا بل لجميع المصريين ، ولذلك كله لم يكن غريباً أن تتطهر جامعة القاهرة فى عهد جابر نصار من الإرهاب ولو كنت مسئولاً عن مواجهة هذا المرض الخبيث لدرست تجربته فى جامعة القاهرة واستفدت من دروسها .

على أن جابر نصار لم يفهم مهمته على أنها تقتصر على مواجهة الإرهاب فحسب وإنما كان هذا عملاً ضرورياً لتمكين الجامعة من أداء مهمتها التعليمية والبحثية على أتم وجه ، وليس بمقدورى أن أُقَيم تطور العملية التعليمية فى جامعة القاهرة فى عهده وإنما أستطيع أن أكون شاهدا على سياسته فى تشجيع البحث العلمى التى جاءت ثمرتها واضحة فى تقدم الجامعة فى ترتيبها بين أفضل جامعات العالم ، وكما كان جريئا مبادرا فى مواجهة الإرهاب فعل الأمر نفسه فى التصدى لممارسات ضارة يحميها القانون كما فى إجازات أعضاء هيئة التدريس التى تمتد سنوات طويلة لمرافقة الزوج أو الزوجة والكل يعلم أنها ستار لإعارات ممتدة تحرم الجامعات من جهود بعض من خيرة أعضاء هيئة التدريس فيها ، ولقد استطاع جابر نصار أن «يُقنِع» أصحاب هذه الممارسات بأن عليهم واجباً تجاه جامعاتهم تحتمه هذه الممارسات الممتدة من أجل مصلحتهم الشخصية وصبت النتيجة فى مصلحة توفير مزيد من التمويل لأنشطة الجامعة المفيدة وعلى رأسها البحث العلمى وكذلك تعزيز منشآت الجامعة وتطويرها ، وعن نفسى ظللت سنوات طويلة أمر على أرض فضاء بشارع الهرم مكتوب عليها أنها مخصصة لإنشاء مستشفى يتبع جامعة القاهرة وفوجئت بعد تولى جابر نصار رئاسة الجامعة بأن يد البناء قد امتدت إلى هذه الأرض فأصبحت مستشفىً رائداً يشهد على إرادة الإنجاز، كذلك تصدى للتسيب فى منح المكافآت فوضع لها حدا بألا تزيد على الراتب الشهرى للذين يُمنحون هذه المكافآت وهو مبدأ أزعج البعض كما أن أحداً غيره لم يجرؤ على تطبيقه خارج جامعة القاهرة .

حرص نصار على أن يكون تواصله مع طلابه كثيفا.

تشهد بذلك جولاته المستمرة بين أرجاء الجامعة لتفقد أنشطتها المختلفة وساعده هذا على أن يعرف مواطن الخلل والتميز فيصلح الأولى ويكافئ الثانية .

لم يكن جابر نصار وحده وراء هذا الإنجاز ولكن شاركه فيه مخلصون لا يقلون عنه كفاءة واقتدارا لكن فضل القيادة السليمة يرجع له وحده بالتأكيد وليس معنى ما سبق أنه لم يُخطئ ولكن الخطأ هو خطأ من لا يكل عن العمل لخدمة المصلحة العامة ، كذلك أعلم أن هناك من لا يرضون عن بعض أعماله أو كلها ومنهم من لديه حُجج يُستمع إليها وتتم مناقشتها ومنهم من أُضيرت مصالحه على نحو أو آخر وليت هؤلاء يُحكمون ضمائرهم . فى تاريخ الجامعات المصرية عامة وجامعة القاهرة خاصة رؤساء عظام ، ولقد حفر جابر نصار خلال السنوات الأربع الماضية اسمه باقتدار ضمن هؤلاء وأثق فى أن عطاءه الوطنى الذى بدأ قبل رئاسته الجامعة بكثير سوف يمتد إلى ما بعدها .