عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
المنظمة الدولية اختارت مصريا للمهمة من بين 20 مرشحا من كل أنحاء العالم
السفير سعد الفرارجى أول مقرر خاص للحق فى التنمية بالأمم المتحدة للأهرام: أعمل بشكل مستقل ومهمتى دعم وتعزيز مفاهيم حقوق الإنسان والتنمية المستدامة
10 يوليو 2017
أجرت الحوار : غادة الشرقاوى
السفير سعد الفرارجى

فى ختام دورته الرابعة والثلاثين عين مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة السفير سعد الفرارجى كمقرر خاص للحق فى التنمية وهى الوظيفة التى تم استحداثها بموجب قرار المجلس فى سبتمبر 2016 بمناسبة الذكرى الثلاثين لصدور الحق فى التنمية.


ويعد الفرارجى أول مقرر يعين فى هذا المنصب، كما أنه أول مصرى يتمكن من الحصول على منصب مقرر خاص من بين 81 مقررا تابعين لمجلس حقوق الإنسان ما بين مقررين شاملين عن موضوعات بعينها كالحق فى التنمية وحرية الدين والمعتقد واستقلال القضاة والمحامين والتعذيب ومقررين عن دول محددة.



ويقول السفير الفرارجى أحد أكبر المتخصصين فى مجال التنمية ، انه ليس موظفا ولا يتقاضى راتبا بل هو فى مهمة خاصة للأمم المتحدة، وانه تعهد وأدى القسم بأن لا يعمل سوى للأمم المتحدة وبمناسبة بدء مهام عمله اخيرا كان لـ «الأهرام» هذا الحوار مع السفير سعد الفرارجي:



وإلى نص الحوار:







ما هى المهمة المطلوب إنجازها من المقرر الخاص للحق فى التنمية؟



لماذا أنا فى هذا الموقع؟ هذا المنصب أنشئ بناءً على قرار من مجلس حقوق الإنسان صدر فى سبتمبر الماضى بإنشاء منصب مقرر خاص لحق التنمية، ماهو المقرر الخاص؟ أو ما هو هذا النظام نرجعه لأصله. مجلس حقوق الإنسان لديه ما يسمى «الإجراءات الخاصة»، قوامها مجموعة من الخبراء فى موضوعات مختلفة يقومون بمهمة مستقلة عن أى جهة أخرى بهدف الدراسة والبحث والتوثيق وليس عليهم رقيب سوى مجلس حقوق الإنسان ويرفعون تقاريرهم لمجلس حقوق الإنسان، وفى بعض الحالات لجهات أخري، فأنا مثلا اقدم تقاريرى لمجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة وفقا للقرار الخاص بي. بالنسبة للمهام المكلف بها، أولا، دعم وتعزيز وتقوية مفهوم حقوق الإنسان ما بين الدول والمنظمات، ثانيا، ادخال السياقات المختلفة المهمة مثل التنمية المستدامة وتمويل مؤتمر أديس أبابا ومثل مؤتمر باريس للبيئة، أعمل فى هذا السياق بحيث أعرف هل هذه السياقات المختلفة راعت وأدخلت الحق فى التنمية أم لا وهذا الجزء يتعلق بالدول والأفراد والحكومات. وهذا بالنسبة لكل دول العالم رغم أن القرار صادر من مجلس حقوق الإنسان. فهذه هى المهمة الأولى خاصة فى مسارات التنمية المستدامة والبيئة وتمويل التنمية والكوارث. المهمة الثانية، تتعلق بمنظومة التنمية فهناك بين منظمات الأمم المتحدة ما يسمى تجمعا خاصا بالتنمية التى تضم الصندوق والبنك لأن حق التنمية يتأثر بالمناخ الدولى مثل الكساد والإجراءات الحمائية وعدم تقديم معونة للتنمية وعدم الإغاثة كل هذا يؤثر على الحق فى التنمية، فيجب الاتصال بكل المنظمات الدولية فى العالم لاستطلاع جهودهم فى هذا الموضوع، ومن ثم اقدم النتيجة فى تقريرين أرفع أحدهما إلى مجلس حقوق الإنسان والثانى للجمعية العامة. المهمة الثالثة، إعداد دراسات خاصة يرى المقرر انها تدفع أو تعزز من هذه الجهود، والمهمة مستمرة لمدة ثلاث سنوات. وتعتبر مهمتى بدأت منذ أول مكالمة تليفونية تم ابلاغى فيها بالموافقة على تعييني.



لن يكون لى مقر أو مكتب ولكن كل تحركاتى وتوجهاتى تبدأ من مكتب المفوض السامى لحقوق الإنسان فى جنيف. فأنا بدأت العمل، بدأت الاتصالات من أجل إنجاز مهمتى وبدأت فى دراسة الوثائق وبدأت فى إعداد التقارير وبالطبع سأذهب إلى جنيف مقر المجلس من وقت لآخر.



كيف تم اختياركم لهذه المهمة؟



تقدم فى البداية لهذه المهمة عدد كبير من كل دول العالم هذه هى المرحلة الأولي، بعد ذلك يحددون من تنطبق عليه شروط هذه المهمة من خلال دراسة خبرة ومؤهلات وشخصية المتقدمين وهل تمكنهم من أداء هذه المهمة؟ وصل لهذه المرحلة نحو 20 متقدما،المرحلة الثالثة ما يسمى قائمة قصيرة وكانت مكونة من 7 أشخاص وهذه القائمة كان بها مرشحون من فرنسا وإنجلترا وأمريكا ودوّل أمريكا اللاتينية ودوّل إِفريقية وآسيوية، هنا فى هذه المرحلة يتم اجراء اتصال تليفونى للحوار مع المرشح والتعرف عليه من خلال الاتصالات التليفونية، والمقابلة لا تتم وجها لوجه حتى لا تتأثر لجنة الاختيار بشخصية المتقدم. وبعد إجراء المقابلة، تم وضعى على رأس القائمة، ثم عرض رئيس المجلس الأمر على المجلس وأعلن اسم من تم اختياره وتصدر القائمة ويسأل المجلس اذا كان هناك من يعترض على شخصي؟ وهذه الإجراءات استغرقت ستة أشهر، وهنا تشترك أيضا المنظمات غير الحكومية وليس الدول فقط.



مشوار السفير سعد الفرارجى حتى تم اختياره لهذه المهمة؟



التحقت بوزارة الخارجية عام 1957، وأول منصب لى كان فى فيينا ثم نيويورك. ولقد عملت بالأمم المتحدة مرتين قبل ذلك كموظف، الأولى فى مركز نزع السلاح عام 1977، وأحب أن أذكر أننى اول من قدم مشروع منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية وذلك فى عام عام 1974 فى اللجنة الأولي. وقضيت عامين بالأمم المتحدة فى مركز نزع السلاح ثم عدت إلى القاهرة مديرا لمكتب الدكتور بطرس غالى فى الفترة الصعبة من 1979 إلى 1983 أى بعد معاهدة كامب ديفيد، ثم سفيرا فى جنيف من 1983 حتى 1987، ثم تسلمت فى الوزارة مدير الإدارة الاقتصادية وعملت مع رئيس مجلس الوزراء فى ذلك الوقت د. عاطف صدقى ودخلت البرنامج الاقتصادى ثم رئيس المكتب الاقتصادى فى الرئاسة من 1991 إلى 1994. ثم عدت مساعدا لوزير الخارجية، ثم الأمم المتحدة مرة ثانية من 1995 إلى 1997 وشغلت منصب المدير الإقليمى للدول العربية فى برنامج الأمم المتحدة للتنمية وهذه الوظيفة بدرجة مساعد سكرتير عام الأمم المتحدة. ثم عدت إلى القاهرة وطلب منى د. عصمت عبد المجيد أمين عام الجامعة العربية فى ذلك الوقت الذهاب الى جنيف كمندوب لبعثة الجامعة العربية هناك ومكثت من 1998 حتى 2012 .



هل يمكن تعريف «الحق فى التنمية» وهل تم حسم الجدل المثار حوله منذ عشرات السنين؟



ما يسمى الحق فى التنمية يعتبر تاريخا فى الأمم المتحدة نؤرخه فى وضعه الحالى بما يسمى «إعلان حق التنمية» الذى صدر بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 4 ديسمبر 1986. منذ هذا التاريخ والموضوع مطروح على الأجندة الدولية من خلال نقطتين أساسيتين، النقاش فى الموضوع كمبدأ وكحق ومحاولة تسيير بعض الآليات لرؤية هذا الموضوع الذى تكتنفه الخلافات و المناظير بين الدول دون تسميتها. فهناك دول تعتبره حقا شخصيا لكل فرد يجب ألا يتدخل فيه أحد، ودوّل تعتبر أنه يجب التدخل لدعمه سواء على مستوى الدولة أو على مستوى التعاون الدولى هذه أول نقطة خلاف. وهناك من يرى أن هذا الحق يجب أن يقنن بإعلان اتفاقيات دولية مثل باقى الحقوق، فثار جدل آخر أين يقع حق التنمية وسط مجموعة الحقوق الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية هل هو ضمنهم أم لا؟ هل يدنو عليهم أم يعلو عليهم؟



هذا الجدل دائر حتى الآن وبالتالى ليس هناك اتفاق على وثيقة دولية تؤكد هذا الحق منفصلة. ولكن منذ صدور الإعلان عام 1986 وحتى اليوم صدرت عدة وثائق مختلفة تؤكد الحق فى التنمية، نجد على سبيل المثال مؤتمر ريو دى جانيرو الخاص بالبيئة الذى أكد أن الحق فى التنمية والبيئة متلازمان. ثم جاء مؤتمر فيينا وهو أول مؤتمر يعقد فى موضوعات حقوق الإنسان الذى أكد مرة أخرى وهنا كان واضحا أن حق التنمية حق اصيل لكل فرد وكان قاطعا فى هذا وكلف المفوض السامى لحقوق الإنسان - وكانت وظيفة تنشأ لأول مرة فى مؤتمر فيينا عام 1993- أن يكون من مهامه تحديدا حق التنمية. وكانت خطوة إلى الأمام، ثم جاء مؤتمر القاهرة للسكان الذى عقدته الأمم المتحدة والذى أكد هذا الحق مرة أخرى. وبدأنا فى هذه المنظومة وهو تأكيد الحق فى التنمية الذى توالت إصدار مساعدات دولية له على طول الخط رغم تعثر المفاوضات السارية حول أمور فنية مثل معيار التنمية ومعيار التقدم الى ان وصلنا فى عام 2012 وهو الانبعاثة الكبرى وما يسمى التنمية المستدامة، والتى أكدت من خلال 17 هدفا والـ 163 جزءا من الهدف الفرعى الحق فى التنمية. ويوجد ثلاث وثائق تعتبرها الأمم المتحدة الآن ملزمة لها وهى التنمية المستدامة وتمويل التنمية والكوارث. كل هذا يؤكد أن الحق فى التنمية حق أصيل الا ان الجدل لايزال مستمرا، هل هذا الحق أصيل أم غير أصيل، هل ينفذ بمجرد ان تقره الدول أم لابد من وثيقة دولية تلزمهم بهذا؟ ولكن رغم أن الجدل لايزال مثارا الا إننا نستطيع أن نقول ان الحق فى التنمية أحدث أثره فى منظومة الفكر التنموى. وفى ظل اعلان التنمية المستدامة وإعلان برنامج 2030 الذى تطبق من أجله كل الدول سواء المتقدمة أو النامية خطة داخلية ونحن من ضمن هذه الدول كل هذا الكلام يؤكد حق التنمية .



ورغم استمرار الجدل هل هو حق شخصى ام حق عام أصبح لا يمكن انكار ما كان ينكر من قبل. ولكن تقييمى الشخصى للحق فى التنمية أنه بمثابة رافعة وأنا أرى أنه يتساوى مع باقى الحقوق مادام هناك التزام دولى به. وإنما حق التنمية له ميزة لأن تحقيقه يحرز تقدما فى باقى الحقوق السياسية والاقتصادية والتعليمية والتضامن الاجتماعى والسكن والغذاء وغيرها، اذن إقرار هذا الحق وتنفيذه يساعد على تحقيق باقى الحقوق. والنتيجة التى نصل إليها أن حق التنمية لا يعلو ولا يدنو على الحقوق الأخرى ولكن «بين أقرانه» كما يقول المثل الإنجليزى .



ما هى المشكلة الرئيسية التى كانت تعوق الاقتصاد المصرى حين عملت برئاسة مجلس الوزراء ثم الرئاسة؟



فى ذلك الوقت، كانت المشكلة القومية الرئيسية تخفيض الديون والاتفاق مع صندوق النقد، المشكلة المصرية كانت تراكم الديون إلى حد الانفجار. وكان لابد من إصلاح اقتصادى جاد منذ ذلك الوقت.



ماذا حققنا من انجازات فى المجال الاقتصادى منذ توليكم مسئولية المكتب الاقتصادى فى الرئاسة والتى انتهت عام 1994 حتى الآن؟



الإنجاز الحقيقى فيما يخص هذا الموضوع هو ماحدث منذ عدة أشهر، أى الاتفاق مع الصندوق فى نوفمبر الماضي، ورأيى فى هذا الموضوع أعلنته منذ حكم الرئيس المخلوع محمد مرسى وقلت يجب أن نذهب إلى الصندوق. والرئيس السيسى اتخذ قرارات فى الاتجاه الصحيح وفعل ما كان يجب أن يتم منذ 40 عاما، ولم تكن لقائد قبله الجرأة أن يفعله. والطريق الذى نسير فيه الآن لايوجد لمصر للأسف بديل له. لقد استنزفنا كل إمكاناتنا على مدى السنين الماضية، النزيف الذى عشناه طوال العقود الماضية مثل أسعار وهمية لا تمثل الواقع بأى حال من الأحوال. وسوء استغلال لمصادرنا، الناس نامت واسترخت، وتحصل على علاواتها الدورية سواء اشتغلت ام لا والموارد تتناقص باستمرار.



بالطبع ليس أمامنا سوى هذا الدواء المر والأمر منه قادم. فنحن فى بداية العملية مثل الجراح حين يصل إلى تحديد الداء ويبدأ فى استئصاله. على سبيل المثال الدولة تعول ستة ملايين موظف وحاجتنا الحقيقية 1.2 مليون موظف فقط، لذلك أقول ان الإصلاح الاقتصادى ستزداد مرارته وذلك سيحدث رغما عنا ويجب أن يكف الناس عن التساؤل متى ستتحسن الأحوال منذ بداية الإجراءات الاقتصادية، كما لو كانوا ضحوا بالفعل سنوات طويلة.



ماذا عن محاربة الإرهاب، لماذا صوتنا ليس مسموعا جيدا فى الخارج؟ ما الخطأ الذى نرتكبه فلا نستطيع إيصال الصورة الحقيقية للعالم؟



ليس خطأً ولكن هناك أمران، تأخرنا فى الدخول إلى مجال الإعلام الدولي، وهيئة الإستعلامات ليست سلاحنا لمخاطبة الخارج، ولكن يجب أن نعمل إعلاميا كما يفعل الجميع، وهيئة الاستعلامات لم تصنع إعلاما فى تاريخها ولكن كل ما فعلته كان منشورات، وتيسر للمراسلين الأجانب تحركهم. ولكن من يخاطب الخارج هو الإعلام ورجاله. فيجب تشغيل ماكينة الإعلام من مبدأ خاطبوا الناس على قدر عقولهم. وهناك أشخاص مصالحهم متعارضة معك، يجب أن يبرز الإعلام الخطوات الجادة التى تتخذها الدولة لمحاربة الإرهاب لا أن يكتفى بالحديث عن الأعمال الإرهابية والضحايا وعرض الصور. يجب مخاطبة الخارج بالطريقة التى يفهمونها وليس بمفهومنا نحن الداخلي، هناك منطق لمخاطبة الداخل وآخر للخارج. كما يجب مراعاة الثقافة الأجنبية فقيمهم تختلف عن قيمنا. يجب أن يكون هناك حوار معمق طويل الأجل وليس فقط بعثة ذهبت إلى الخارج؟. هذه العملية تحتاج إلى جهود تنسيقية ومتكاملة، بين جميع أجهزة الدولة.