عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
ماكرون وثارور يطرحان جريمة الاستعمار
3 يوليو 2017
> تقرير ــ محمد عثمان
شاشى ثارور

بعيدا عن الجدال الذى أثاره فوز ايمانويل ماكرون برئاسة فرنسا من جهة صغر سنه أو زواجه من امرأة تكبره كثيرا فى العمر وهو الموضوع الذى نال معظم الاهتمام فى العالم العربى فان ما أثاره ماكرون حول الحقبة الاستعمارية الفرنسية للجزائر هو مايستحق الاهتمام فى تلك البقعة من الأرض التى اقتسمها المستعمرون الغربيون وتركوها أشلاء مقسمة ويسعون للمزيد من تقسيمها.


إن الاستعمار جزء من التاريخ الفرنسى إنه جريمة، جريمة ضد الإنسانية إنه وحشية حقيقية وهو جزء من هذا الماضى الذى يجب أن نواجهه بتقديم الاعتذار لمن ارتكبنا بحقهم هذه الممارسات بهذه الكلمات وصف إيمانويل ماكرون رئيس فرنسا الجديد حقبة الاستعمار الفرنسى للجزائر التى استمرت 130 عاما أثناء زيارته للجزائر فى فبراير الماضى ضمن حملته الانتخابية التى سعى فيها لاستقطاب أصوات الفرنسيين من أصل جزائري.



واستعمرت فرنسا الجزائر منذ 1830 وحتى سنة 1962 عندما نالت استقلالها، بعد حرب تحرير استمرت ثمانى سنوات لا تزال تلقى بظلالها على العلاقات بين البلدين.



الفكرة التى طرحها ماكرون تلتقى طرح شاشى ثارور نائب البرلمان الهندى وكيل الأمين العام للأمم المتحدة سابقا ووزير الدولة الهندى الأسبق للشئون الخارجية



يطالب ثارور بالاعتراف بالحقائق التاريخية فيما يتعلق بقضية الاستعمار الغربى من منظور الهند، ويطالب بتعويض رمزى عن تلك الحقبة تكمن قيمته فى أنه يقلب الرواية الرسمية عن التنمية رأسًا على عقب حيث أن فقر النصف الجنوبى من الكرة الأرضية ليس ظاهرة طبيعية وانما نتيجة مباشرة للاستعمار الغربى الذى نهب الموارد وقتل الناس.



وألف ثارور كتابا حول القضية تحت عنوان عصر الظلام و حملت النسخة البريطانية من الكتاب عنوان: الإمبراطورية غير المشرفة



يقول ثارور ان بريطانيا استولت على الهند التى كانت إحدى أغنى الدول فى العالم (ما يمثل 27% من الناتج المحلى الإجمالى العالمى فى عام 1700)، وبعد أكثر من 200 عام من الحكم الاستعمارى جعلتها واحدة من أفقر دول العالم.



ويرى ثارور أن بريطانيا دمرت الهند عبر النهب والمصادرة والسرقة المطلقة فى مناخ من العنصرية العميقة والسخرية غير الأخلاقية وبرر البريطانيون أفعالهم بالنفاق المذهل، مستعملين القوة الغاشمة.



ويستشهد بالمؤرخ الأمريكى ويل ديورانت الذى وصف القهر الاستعمارى البريطانى فى الهند بأنه أكبر جريمة فى التاريخ كله. وسواء وافق أحد على ذلك أم لا، فمن الواضح أن الإمبريالية لم تكن -كما ادعى بعض المدافعين البريطانيين المخادعين - مؤسسة مُحبة للغير.



أما بريطانيا فقد كانت تعانى نوعا من فقدان الذاكرة التاريخى بشأن الاستعمار، كما أشار إلى ذلك أخيرا مونى محسن (كاتب باكستاني). فالاستعمار البريطانى غائب بشكل واضح من المناهج الدراسية فى المملكة المتحدة..



ويضيف: يندهش اللندنيون من مدينتهم الرائعة جاهلين الجشع والسرقة والنهب الذى أدى إلى ازدهارها, ويجهل العديد من البريطانيين حقا الفظائع التى ارتكبها أسلافهم، وبعضهم يعيش فى وَهْمِ أن الإمبراطورية البريطانية كانت نوعا ما فى مهمة حضارية لتمكين المواطنين الجاهلين فعندما احتلت بريطانيا الهند غيّرت نظامها الزراعى بالكامل، ودمرت المحاصيل الأساسية لتفسح الطريق للمحاصيل التى تريد تصديرها إلى أوروبا ما أدى الى مقتل 29 مليون هنديً جوعًا.



وسعى الاستعمار البريطانى إلى تحويل الهند إلى سوق واقع تحت أسر السلع البريطانية، فقاموا بتدمير الصناعات المحلية الهندية التى كانت يومًا مثار إعجاب واسع قبل وصول البريطانيين، استحوذت الهند على 27% من الاقتصاد العالمى طبقًا للاقتصادى أنجوس ماديسون.



وعندما حان وقت رحيلهم، كانت حصة الهند من الاقتصاد العاملين قد انخفضت إلى 3 بالمائة فقط.



وتراوح عدد سكان امريكا اللاتينية الأصليون عندما وصلها الأوروبيون فى عام 1492بحثا عن الفضة فإن عدد السكان الأصليين بين 50-100مليون نسمة. تناقصوا الى ثلاثة ملايين ونصف مليون بحلول منتصف القرن السابع عشر بسبب المذابح والجوع والعبودية والأمراض.



الحاجة للعمالة لم يسدها السكان الأصليون، وتطلب الأمر استعباد الأفارقة وشحنهم الى العالم الجديد ليس فقط باستعباد السكان الأصليين، وإنما بشحن نحو مليون من الأفارقة تم تحويلهم الى عبيد.



وتقدّر ساعات العمل الإجبارى (السخرة) التى أجبر الأوروبيون العبيد عليها بنحو 222.5 مليون ساعة، بين عامى 1619 و 1865. لو قدّرنا أجر هذه الساعات بالحد الأدنى الأمريكى للأجور، فسيساوى 97 تريليونًا من الدولارات.



تطالب الجزائر فرنسا بالاعتذار عن فترتها الاستعمارية بالبلاد، إذ وصلت إلى 132 عاما، وعرفت مئات آلاف الضحايا الذين تعدهم الجزائر بـمليون ونصف مليون شهيد.



وتسعى 14 دولة من دول الكاريبى إلى مقاضاة بريطانيا من أجل الحصول على تعويضات العبودية، مشيرين إلى أنه عندما قضت بريطانيا على العبودية عام 1834، فإنها لم تعوّض المستعبدين، وإنما مالكيهم، بنحو 20 مليون يورو، أو 200 مليون يورو بحسابات اليوم.



ويعمل شاشى ثارور على احياء القضية وهو الأمر الذى ينبغى أن يحظى باهتمام الدول العربية التى افترسها الاستعمار وقسمها ويأبى أن يتركها لحالها حيث يفرض عليها رؤيته وقائمة اهتماماته ولايرى فيها الا مصدرا للمهاجرين والارهاب الذى زرعه منذ رحيله الشكلي.