عبدالمحسن سلامة
علاء ثابت
خطة تيلرسون.. هل توقف السخونة بين موسكو وواشنطن؟
1 يوليو 2017
> رسالة موسكو ــ د. سامى عمارة

يتزايد الحديث في الآونة الأخيرة عن احتمالات اندلاع «شرارة» المواجهة الساخنة بين روسيا والولايات المتحدة،مما يضفي الكثير من الاهمية على ما يطرحه ركس تيلرسون وزير الخارجية الامريكي في خطته «ذات النقاط الثلاث» للابتعاد بالعلاقات الروسية ــ الامريكية عن نقطة «اللاعودة»، في ظل ما يقال حول»ارتباك» ادارة الرئيس دونالد ترامب من جانب، و»تشدد» الرئيس بوتين في سوريا واوكرانيا من جانب آخر.


فما هي أبعاد هذه الخطة ، وكيف هي ردود افعال العاصمة الروسية تجاهها ومدى امكانية التوصل الى وفاق واتفاق بين القطبين الاعظم؟



توقعت صحيفة «الجارديان» أن «يتفاقم صراع النفوذ بين موسكو وواشنطن في سوريا بعد انتهاء الحرب هناك، وأن تتطور الأحداث إلى حد احتمالات الانزلاق الى مجابهة مباشرة بين القوتين العظمين». وعزت الصحيفة البريطانية ذلك الى ما وصفته بـ»السلوك الفوضوي والعشوائي» للادارة الامريكية التي قالت بمعاناتها من جراء المناصب الشاغرة في الادارة الامريكية، رغم مرور حوالى نصف العام منذ تقلد ترامب لمهام منصبه في البيت الابيض، فضلا عن تصاعد الميول المناوئة له في الداخل الامريكي. ولم تغفل الصحيفة الاشارة الى ما يساور كلا العاصمتين من مخاوف ازاء اوضاع ما بعد انتهاء النزاع القائم في سوريا والمحاولات متعددة الاطراف الى الفوز باكبر قدر من «الكعكة السورية» بعد انتهاء الحرب ، وهو ما قد يكون وراء تنشيط واشنطن لنشاطها هناك بعد طول «سبات» ابان الادارة الامريكية السابقة. وفضلا عن ذلك أشارت «الجارديان» كذلك الى الوجود العسكري الايراني وحلفائه من فصائل «حزب الله» والتنظيمات الشيعية الاخرى ضمن اسباب التوتر القائم بين موسكو وواشنطن.



وكان ركس تيلرسون وزير الخارجية الامريكية أقر بتدهور العلاقات الروسية ــ الامريكية في معرض طرحه لخطته ذات الثلاث نقاط سبيلا الى الخروج من الازمة الراهنة، واقامة ما وصفه بـ»العلاقات البناءة» بين البلدين. ونقلت بوابة « باز فيد» الأمريكية، عن مسئول كبير في وزارة الخارجية، قوله « لقد وصلت العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا في الوقت الراهن إلى الحضيض»، مشيرا الى ان واشنطن تسعي إلى الحيلولة دون المزيد من الانحدار صوب هاوية سحيقة، على حد تعبيره.



اما عن «خطة تيلرسون»، فتتضمن ثلاث نقاط اولها: «إقناع موسكو بالامتناع عن «القيام بأعمال عدائية ضد الولايات المتحدة ومصالحها»، ومحاولة توضيح أن الولايات المتحدة سترد على الإجراءات التي تعتقد أنها موجهة ضد مصالحها. أما النقطة الثانية، فتتلخص في ضرورة اجراء حوار مع روسيا بشأن القضايا ذات الاهتمام الاستراتيجي بالنسبة للولايات المتحدة، بما في ذلك سوريا وكوريا الشمالية، فضلا عن ضمان الأمن في مجال المعلومات الالكترونية ونظم الاتصالات والمعلومات. وتأتي النقطة الثالثة والتي تركز على «أهمية الحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي مع روسيا، وهو ما يقصد به الحد من التسلح، خاصة في مجال الأسلحة النووية. وقد سارعت موسكو بالكشف عن موقفها من هذه الخطة من خلال ما قاله قسطنطين كوساتشوف رئيس لجنة الشئون الخارجية في مجلس الاتحاد حول «أنه ليست هناك أي عوائق تحول دون استئناف المحادثات مع الولايات المتحدة حول موضوع الاستقرار الاستراتيجي الذي تحدثت عنه خطة وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون حول العلاقات مع موسكو». واشار كوساتشوف في تصريحاته التي نقلتها وكالات الانباء الروسية والاجنبية الى «أن النقاط الثلاث في خطة تيلرسون يمكن أن تصبح أساساً للحوار في الوقت الذي يمكن فيه أن تكون في عائقاً أمامه، نظرا لأن ما يتعلق بالنقطة الأولى حول إقناع موسكو بالامتناع عن القيام بأعمال عدوانية ضد الولايات المتحدة يبدو غير ذي شأن لان روسيا لم تقم بعمل واحد موجه ضد الولايات المتحدة لا في أوكرانيا، ولا في سوريا».



ومن اللافت انه في الوقت الذي يسجل فيه تدهور العلاقات الروسية ــ الامريكية اعلى مستوياته، تظل موسكو القاسم المشترك للكثير من الفعاليات السياسية والتصريحات والتقارير الصادرة عن اعلى مستويات صناعة القرار في الولايات المتحدة، وكذلك جلسات الاستماع في الكونجرس الامريكي، في ظل اعتراف الكافة بان العلاقات بين البلدين تدهورت الى أدنى مستوى خلال الخمسين عاما الاخيرة، حسب قول عميد الدبلوماسية الامريكية وقطبها الاشهر هنرى كيسينجر. وهنا نتوقف امام تقرير نشرته مجلة «التايم» الامريكية تناول في مضمونه الاسباب الرئيسية التي تحول دون «طبيعة جيدة» للعلاقات بين روسيا والولايات المتحدة. واشارت المجلة الى الاسباب التي قالت: انها تشكل القائمة الرئيسية للعقبات على طريق تحسين العلاقات بين البلدين، واولها حلف «الناتو» الذي قال ان الرئيس الامريكي ترامب يريد تعزيز مواقعه ويدعو البلدان الاوروبية الاعضاء الى رفع مساهماتها في دعم قدراته العسكرية بنسبة 2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي لكل من البلدان الاعضاء، وهو ما تعارضه روسيا بطبيعة الحال، ليس فقط من خلال الحملات الاعلامية، بل وباتخاذ الكثير من الخطوات العملية التي تستهدف تعزيز قدرات قواتها المسلحة وامدادها باحدث التقنيات العسكرية الكفيلة بتحييد عناصر الدرع الصاروخية الامريكية، والحد من تأثيرها على مقربة من الحدود الروسية. وتحولت «التايم» لتشير في معرض سردها لثاني اسباب صعوبة تجاوز «المنطقة الرمادية» في علاقات موسكو وواشنطن الى تعمد اختيار الرئيس الامريكي ترامب لاهم مساعديه في مجالات الدفاع والأمن من غير المرحبين بعلاقة طيبة مع موسكو. ونقلت عنها وكالة «نوفوستي»، «ان جيمس ميتيس وزير الدفاع يعتبر روسيا وبوتين «الخطر الجيوسياسي الرئيسي»، ومايك بومبيو مدير وكالة الاستخبارات المركزية يستنكر «تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016». وقالت: «ان مايكل فلين مساعد الرئيس لشئون الأمن القومي السابق كان صديقا لموسكو ولكنهم أجبروه على الاستقالة، وحل محله الجنرال هربرت – ريموند ماكماستر الذي سمى روسيا دولة «معادية وتحريفية». أما فيونا هيل التي عينها ترامب مديرة البيت الأبيض لشؤون أوروبا وروسيا، فقد كتبت تقول «يجب على الغرب تعزيز دفاعاته وتقليص ضعفه الاقتصادي والسياسي ووضع الخطط لمواجهة الأزمات، لكي يتمكن من مواجهة حرب بوتين في القرن الحادي والعشرين». وتطرقت المجلة ايضا الى تراجع الاهتمام بترامب في روسيا على النقيض مما كان الحال عليه ابان اوج الحملة الانتخابية الرئاسية وبعدها. واشارت الى تعمد الرئيس الامريكي اتخاذ قرارات ومواقف تتسم بالكثير من العداء لروسيا وقيادتها السياسية في محاولة لدفع ما يتطاير من اتهامات قالت بسقوطه في براثن «الاحابيل الروسية»، واعتماده على ما قدمته روسيا له من دعم خلال حملته الانتخابية الرئاسية. ولعل ذلك يمكن ان يفسر تراجع الرئيس الامريكي ترامب عن وعوده ببدء سنوات ولايته بتحسين علاقاته مع روسيا والتعاون معها في مجال مكافحة الارهاب. ولعل ذلك كله يفسر ايضا ليس فقط عدم اتخاذ الادارة الامريكية لقرار الغاء العقوبات، بل وتشديدها بادراج شخصيات روسية جديدة ضمن قائمة من شملتهم العقوبات الامريكية والاوروبية، فضلا عن المزيد من التشدد في حق النظام الحاكم في سوريا، ووصف ترامب للرئيس السوري بشار الاسد بالسفاح، وتأكيد ضرورة الاطاحة به، وهو ما عاد وتراجع عنه، بعد فشله في تقديم المبررات الدامغة لاتخاذه قرار قصف «قاعدة الشعيرات» السورية بحجة استخدام القوات السورية الحكومية للاسلحة الكيماوية في خان شيخون بريف ادلب. ونذكر بهذا الصدد ما سبق وقاله الرئيس الروسي في معرض تناوله للعلاقات بين موسكو وواشنطن حول «ان مستوى الثقة على المستوى العملي، خاصة المستوى العسكري، لم يتحسن، ولكنه تدهور».



ويبقى ان نشير الى ان اللقاء الذي كان مقررا عقده بين الرئيسين في هامبورج على هامش قمة العشرين في مطلع يوليو المقبل، لم يعد مطروحا بنفس القوة على جدول اعمالهما، وهو ما يؤكد «احتدام الخلافات» بين الكرملين والبيت الابيض، وإن عزت موسكو ذلك الى تأثر الادارة الامريكية بالاوضاع الداخلية وما يتعرض له ترامب من هجمات واتهامات تطال وكما قيل، علاقات أعضاء فريقه مع موسكو ابان حملته الانتخابية الرئاسية، واسباب أخرى تعود الى «اهتزاز» الثقة وارتباك الادارة» على حد قول مراقبين كثيرين في العاصمة الروسية. وكان فيتشيسلاف كوستيكوف الناطق الاسبق باسم الكرملين قال في آخر مقالاته ان «برنامج ترامب طموح ومخيف في آن واحد. فإضافة إلى ما قيل حول «جعل أمريكا عظيمة من جديد»، فان ترامب ينوي منافسة الصين بقوة، واعادة النظر في الشراكة عبر المحيطين الهادئ والأطلسي، اضافة الى رغباته في التدخل في النظام الأمني للشرق الأوسط وأوروبا». واشار كوستيكوف كذلك الى «وقوع ما وصفه بالفضائح بعد جولته في الشرق الأوسط وأوروبا بسبب مطالبته بزيادة النفقات العسكرية، وبأن على ألمانيا سداد ديونها لأمريكا عن الناتو؛ ما أثار اضطرابات في العقول الأوروبية واستياء ساسة ألمانيا». واستشهد المراقب الروسي بما يقوله خصوم ترامب في الولايات المتحدة ووصفهم له بأنه «شخص سيئ جاء من المجهول ولم يألف قوانين التحضر»، الى جانب ما يقال حول عدم قدرته على ضبط النفس والعجز عن التنبؤ بسلوكه وعدم الاستقرار النفسي. ولعل ظهور مثل هذه المقالات والاحكام في الاعلام الروسي يشي بالكثير مما لا يمكن ان يسهم فى اختزال مساحات الخلاف بين البلدين، في توقيت لن تستقيم فيه العلاقات الدولية بغير وفاق بين القطبين الاعظم.