أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
هل اقتربت صربيا من تحقيق الحلم الأوروبى؟
10 أبريل 2017
دينا عمارة;

عزفت صربيا لحن الوسطية, واختار ناخبوها المواءمة بين إرثهم السابق القريب من روسيا ومصالحهم المستقبلية مع الاتحاد الاوروبى عبر منح غالبيتهم الثقة لرئيس الوزراء ألكسندر فوتشيتش ليكون رئيس الدولة هذه المرة بالرغم من محدودية صلاحيته الرئاسية,ص لكن نفوذه الكبير على الحزب الحاكم وحصوله على ما يكفى من الأصوات من الدورة الأولى سيكونان بمثابة تفويض واضح ومزدوج للسير فى طريق انضمام صربيا للاتحاد الاوروبى والإحتفاظ بعلاقات ودية مع روسيا والصين فى أن واحد.


«لقد أظهرت الإنتخابات أن غالبية الشعب مع مواصلة الإصلاحات والإستمرار فى المسار الأوروبى لصربيا, مع الحفاظ على صداقتنا التقليدية مع روسيا والصين»..



بهذه الكلمات إستهل فوتشيتش (47 عاما) حديثه للمواطنين بعد إعلان فوزه بالرئاسة وحصوله على 55% من الأصوات متقدما بفارق شاسع عن أقرب منافس له من ضمن المرشحين العشرة، مرشح وسط اليسار ساسا يانكوفيتش، الذى حصل على نحو 16% فقط.



وبحسب المتابعين للشأن الصربى فقد استفاد فوتشيتس من تشتت معارضيه, وبالرغم من جرعة السخرية التى وفرها المرشح المشاغب لوكا ماكسموفيتش الذى ابتكر شخصية وهمية ساخرة تحمل اسم «بيلي» للدلالة على فساد السياسة فى هذا البلد الواقع فى البلقان والبالغ عدد سكانه 7٫1 ملايين نسمة, فإن الغالبية العظمى من الصرب كانت ترى فى فوتشيتش - الذى شغل منصب رئيس الوزراء منذ عام 2014- الرئيس المخلص الذى يتمتع بالمزيج من الهدوء والصرامة فى منطقة مضطربة.



ليس هذا فقط بل إنه سيعيد الأهمية لمنصب الرئيس مثلما كان فى حكم سلوبودان ميلوسوفيتش (1989-1997) نظرا لسيطرته الراسخة على إدارة البلاد وحزبه »حزب التطور« المهيمن على البرلمان.



ولا يخفى على البعض النجاح الاقتصادى الذى حققه خلال توليه منصب رئيس الوزراء, حيث سجلت البلاد نموا بلغ 2,8 % العام الماضى إضافة الى تسديد الديون العامة.



غير أن لدى الساسة المعارضين لرئيس الوزراء الفائز خشية كبيرة من أن يأخذ البلاد نحو سلطة الرجل الواحد.



وبدا ذلك جليا فى خروج الألاف من سكان العاصمة بلجراد فى مظاهرات إحتجاجا على فوزه, وهى مظاهرات قادتها المعارضة التى سبق أن وصفت الرئيس المنتخب بـ «الإستبدادي» وحذرت من تمركز السلطة فى يد شخص واحد فقط, غير أن فوتشيتش يبدو غير مكترث بتلك الإتهامات التى وصفها بـ «المضحكة» حيث سخر من عجز المعارضة عن التصدى لنفوذه فى البلاد متهجما عليها بقسوة، واتهمها بتلقى ملايين اليوروهات من دول أجنبية, مؤكدا فى الوقت ذاته إحترامه لدستور صربيا.



وفى المقابل لدى الكثير من المواطنين قناعة بأن البلاد شبعت حروبا وأن فقراءها يتطلعون لرفع أجورهم المصنفة بأنها الأدنى فى القارة الاوروبية.



وفوتشيتش الذى كان يعد من القوميين الصرب الذين عملوا مع الرئيس الصربى الأسبق سلوبودان ميلوسوفيتش فى عام 1990, ولد فى 5 مارس عام 1970 فى بلجراد بصربيا.



ودرس فى كلية الحقوق بجامعة بلجراد, تزوج عام 1997 من تمارا وكانوفيك و دام زواجهما لمدة 14 عاما أنجب منها طفلين حتى انفصلا عام 2011.



غادر فوتشيتش صربيا فى عام 2008 وعمل على تأسيس حزب أكثر اعتدالا مقارنة بالحزب الاشتراكى الصربى الذى ينتمى إليه الرئيس السابق، وكان ذلك بمثابة القطيعة الحقيقية لفوتشيتش مع ماضيه القومي, ففى أحد تصريحاته عام 2012 لوكالة الأنباء الفرنسية صرح رئيس الوزراء السابق بأنه فخور جدا بتغيير اتجاهه السياسي.



ولا ينسى له البعض تهديده الشهير أمام البرلمان عام 1995 بقتل 100 مسلم مقابل كل صربى يقتل جراء غارات حلف شمال الأطلسى (ناتو) ضد القوات الصربية خلال المراحل الأخيرة من حرب البوسنة.



غير أنه فى السنوات الأخيرة دعا إلى المصالحة فى البلاد.



كما عاد إلى ذلك المكان الذى أقيمت فيه مراسم الذكرى العشرين للمذبحة ووقف احتراما لأرواح الضحايا الذين قتلوا فيها.



وفى النهاية يبدو أن طريق التعافى الاقتصادى وإزالة إرث التيارات اليمينية المتطرفة المنادية بمشروع الهيمنة الصربية على الكيانات المجاورة سيظل الامتحان الأصعب لكل من يمسك السلطة فى هذا البلد الذى عانى طويلا من اضطراب المشهد السياسى الداخلي.