أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
«الأهرام » فى جولة بـ «أبو رماد» و «حلايب»
زهرة مدائن الجنوب "2"
5 أبريل 2017
ملف أعدته ــكريمة عبدالغنى

«خلال زيارتنا لحلايب وشلاتين وأبو رماد ، شعرنا كأننا «رحالة» من الذين كنا نسمع عنهم ونقرأ ما يكتبونه عن رحلاتهم فى بلاد الله وكيف رأوا أهلها ، وكيف سجلوا ملاحظاتهم وانطباعاتهم ووصفهم للمكان والسكان ، من هؤلاء الرحالة ابن بطوطة والسندباد وغيرهما ، وصولا الى علماء الحملة الفرنسية الذين تركوا لنا تراثا زاخرا يسجل لنا بكل فخر مرحلة من تاريخ بلادنا ،


الحقيقة أن هذه المشاعر أحسسنا بها ونحن نسجل لهذه الزيارة التى شعرنا فيها بأن «روح الرحالة» تدب فى أجسادنا ، فنحن علينا دور فى تسجيل كل مشاهداتنا وانطباعاتنا عن هذا الجزء العزيز من أرض الوطن ولنسجل مرحلة فاصلة تشهد فيها هذه المنطقة انطلاقة قوية نحو التنمية من خلال مشروعات تقود المكان والأهالى للأمام «.








تبة الجمال



آثرنا قبل أن ننهى جولتنا فى شلاتين التوجه لسوق الجمال « تبة الجمال» أحد أهم معالم المدينة والذى يعتمد عليها كثير من أهالى المدينة لكسب أرزاقهم ، التقينا الشيخ عبدالرحمن سلمان من أبناء شلاتين وتاجر جمال والذى أوضح انه يعمل وكيلا ل» سيده» ـ وفق قوله ـ وهو كبير تجارتهم فى السودان والذى يقوم بإرسال قطعان الجمال «الدبوكة» سواء بشرائها أو بتربيتها، بحيث لا يقل القطيع الواحد عن 500 رأس فى رحلة شاقة وطويلة سيرا على الأقدام قد تستمر إلى أكثر من 15 يوما لتعبر من منفذ رأس حدربة الحدودى بمدينة حلايب لتستقر بسوق المدينة شلاتين، والذى تقسم فيه قطعان الجمال على التجار لبيعها وشحنها بسيارات نصف نقل لكافة أنحاء الجمهورية، وفى السوق فى المحجر «الحجر الصحي» ويدفع رسوم دخولها بعد كيها بالنار، مع التجار الآخرين بالسوق لاسيما أن القطيع يرسل إلى العديد من التجار.



وفى الصباح الباكر اتجهنا جنوبا صوب أبو رماد ثم حلايب، قطعنا خلالها مسافة نحو 125 كم ورغم طول الطريق وبعد المسافات إلا أنه لم يتسرب للنفس الضيق أو الملل ، بل فى كثير من اللحظات تمنينا أن تطول المسافة أكثر، لنستمتع بهذا الصفاء والهدوء ورؤية الطبيعة ، والشواطئ الجميلة والتى تتلألأ مياهها من شدة الزرقة ، أو الجبال والوديان بمحمية جبل علبة والثرية بالطبيعة الغناء والحيوانات والطيور التى تظهر أمامك بغتة وتختفى فى لمح البصر .




أبناء الجنوب



وصلنا لأبورماد والتى لا تختلف كثيرا عن شلاتين بمساكنها ومواطنيها وزيهم التقليدى نساء ورجالا وأطفالا ، لاسيما من أبناء الجنوب ، حيث يمكنك من خلال الزى تحديد الهوية والتفرقة بين أهل البلد والوافدين من الصعيد أو الريف ، وفى أحدى الطرقات استوقفنا الحاج حسين عيسى الذى يعمل فى مجال المعمار وطلبنا منه أن نجلس معه ومع أفراد أسرته للحديث عن أوضاعهم واحتياجاتهم ، غير أنه أوضح أنه يمكنه الحديث عن عمله فقط ، أما فيما يخص القبيلة ومقابلة الأسر فيها ، فالقرار يعود لشيخ القبيلة ، ومن الضرورة الالتقاء به، فمخالفة هذه الأعراف يسبب مشاكل كبيرة لمن يقترفها ، وصحبنا نحو منزل شيخ القبيلة.




شيخ القبيلة



وصلنا إلى منزل شيخ القبيلة وهاج حسن عبد القادر وهو رجل سبعينى ذو هيبة وطلة بشوشة ، يرتدى الجلباب الأبيض التقليدى لأهل المنطقة ومن فوقه الصديرى الأسود ويجلس فى شموخ وسط مجموعة من أفراد القبيلة، استقبلنا بحفاوة ودعانا لدخول المنزل لكننا آثرنا أن نجلس معه أمام المنزل، حيث طلب لنا مشروب «الجبنة» وتحدثنا معه فى موضوعات كثيرة، فلمسنا فيه وعيا واطلاعا كبيرا،مما دعانى لسؤاله عن قدر العلم الذى تحصل عليه والى أى المراحل انتهي، فأجابنى بكل تواضع، تعلمت من الزمن وأحداثه ومنهما أخذت العظة والعبرة، وعن أحوال أهل الجنوب، قال: كنا منسيين وخارج التاريخ وربنا كافأهم على صبرهم وتعبهم على مدار سنوات طويلة، وتغيرت وتطورت دنياهم عن ذى قبل ،ونحن نقدر الظروف الصعبة التى تمر بها الدولة والأعباء الثقيلة التى تتصدى لها،ومع كل هذا نحن فى حاجة شديدة إلى أن تولى الدولة اهتماما أكبر للتعليم فى الجنوب كله لاسيما فى منطقتنا بحلايب وأبو رماد وشلاتين، فنحن لا ننكر أن الدولة مؤخرا اهتمت بإنشاء المدارس ولكنها لا تقف على حقيقة مهمة،أن المعلم يُعد العامل الرئيسى فى جودة التعليم، فكيف نتخيل أن المدرس المغترب الذى يبعد أن أسرته وبلده بآلاف الكيلومترات، سيكون لديه الرغبة من الأساس فى توصيل المعلومة للطالب، ونحن للأسف الشديد يأتى لمدارسنا معلم يتم التنكيل به أو عقابه بالنفي، فكيف ننتظر من وراء ذلك تعليما جيدا، مع أن الدول لا تبنى أو تنهض إلا بالتعليم، وأبناؤنا فى الجنوب فى حاجة لاهتمام أكبر من الدولة بمجال التعليم تحديدا خاصة انه ينشئ منذ ميلاده فى أسرة تتحدث الروتانا اللغة التى تتقنها قبائلنا ، ويذهب الطفل لبداية المرحلة الابتدائية وهو لا يعلم شيئا عن اللغة العربية كتابة أو حديثا وتكون بالنسبة له كاللغة الانجليزية تماما ولذا نحن فى حاجة للمعلم الكفء للقيام بهذه المهمة، ومنحه الحافز الملائم لتشجيعه على العطاء.



أولوية تعيين المعلمين



وأردف قائلا: على المسئولين بالتعليم أن يتفهموا طبيعة المنطقة وحل مشاكل المعلم بها وتكون أولوية التعيين للمعلمين من أبناء المنطقة من ذوى المؤهلات العليا، وهذا سيساهم فى حل قضيتى « البطالة وجودة التعليم» ونحن من جانبنا نحاول جاهدين رعاية وتعليم أبنائنا بشكل جيد قدر المستطاع سواء من خلال الدروس الخصوصية أو بتعليمهم بالخلوة « الكتاب» والتى نقيمها لهم فى المساجد عقب صلاة العصر من كل يوم والتى تهتم بتعليمهم القراءة والكتابة بالتشكيل وحفظ القرآن الكريم.



نساء المنزل



وأثناء الجلسة طلبنا من الشيخ وهاج الالتقاء بأسرته فرحب بذلك ولكنه بذكاء شديد ألمح بأدب الكبار أن أدخل بمفردى بدون المصور ، وبالفعل اصطحبنا أحد أبنائه ونادى على نساء المنزل واستقبلتنا ابنته الصغرى أمينة خريجة كلية الشريعة الإسلامية منذ عامين وتسعى للعمل كمعلمة وفى انتظار الفرصة، وعن أوضاع المرأة فى الجنوب قالت: أهم مشكلة تواجه النساء فى الجنوب عموما هى الافتقاد للرعاية الصحية، وهنا دخلت علينا شقيقتها فاطمة معلمة بمدرسة بالقرية وتداخلت فى الحوار قائلة: أهم مشاكلنا تتمثل فى التعليم والصحة، فالوحدة الصحية بالقرية لا يوجد فيها سوى طبيب يستقبل كل الحالات بدون تخصص، بالنسبة لأمراض النساء والتوليد فهى المشكلة الأكبر لاسيما إذا فاجأت السيدة الحامل آلام الوضع فلا تجد أسرتها مكانا تتوجه له أقرب من مدينة القصير أو الغردقة، فلكم أن تتخيلوا مدى تحمل المرأة آلام الوضع كل هذه المسافة، والتى سبقها آلام محاولة القابلة فى عملية الولادة وتعسر الأمر عليها إذا كانت الحالة بحاجة إلى طلق صناعى أو عملية قيصرية، ولذا يلجأ بعض الأهالى لتأجير شقة فى القصير قبل موعد الولادة بشهر، لكن الغالبية فى القرية ليس لديهم الإمكانيات لذلك .



الخلوة



وقبل أن نترك الشيخ وهاج طلبنا منه زيارة «الخلوة» واصطحبنا للمسجد ووجدنا الشيخ ماهر يجلس ويلتف حوله الأولاد، وكل منهم يحمل لوحا فى يده ويكتب الشيخ لكل واحد منهم الآيات بالتشكيل والذى أوضح لنا أنه درس على يد شيوخ بالأزهر الشريف وتعلم منهم القرآن وكتبناه على اللوح الخشبى «مصنع من خشب البلح السكري» بالقلم والحبر ودرسنا كتب الفقه ، ونحن فى الخلوة نحرص على أن نكتب للولد على اللوح حتى يتقن الكتابة والإملاء وتعليم النحو وحفظ القرآن وترسيخه فى آذاننا أيضا.



المشروعات الجديدة



وتوجهنا لموقع المشروعات الجديدة التى تنشئها الدولة بأبورماد وتتولى أعمال تنفيذها شركة المقاولون العرب وبدأنا بمشروع مساكن التوطين والتقينا المهندس عماد المسئول عن أعمال التنفيذ للمشروعات بالمنطقة والذى أوضح أن بداية تنفيذ المشروعات كانت فى مارس 2014 ونظرا لزيادة تكلفة الإنشاءات التقديرية عن مبلغ الإسناد بقيمة 210 ملايين جنيه لذا تم مد فترة العمل لشهر سبتمبر 2017، ومشروعات الإسكان تشمل إنشاء 30 عمارة سكنية بقطاع برنيس العسكرى ، منها خمس عمارات بأبورماد و10 عمارات فى حلايب ، وشق آخر من مشروعات الإسكان يتمثل فى إقامة 250 وحدة توطين بتكلفة 42 مليون جنيه فى موقعين منها الـ 50 وحدة التى نقف فى موقع إنشائها ويتم بناؤها من حوائط حمل وأسقف قبوية لتلائم ارتفاع درجة الحرارة فى فصل الصيف بالمنطقة ، وبمساحة 150 مترا للوحدة السكنية تمثل 51% من الأرض وباقى المساحة تترك فراغا.



محطة التحلية



ومن موقع الإسكان توجهنا لمحطة تحلية يومى فى إطار مشروع تطوير محطة مياه ابورماد من طاقة إنتاجية 600 م3 إلى 2000 م3 فى اليوم على مساحة 6000 م يجرى إنشاؤها على مرحلتين ، لإنشاء خزان 5000 م3فى كل مرحلة والمقرر الانتهاء من العمل بها فى سبتمبر 2017 بتكلفة 100 مليون جنيه ، وتتسع المحطة لثلاثة مبان فى المستقبل بقوة كل مبنى 1500م3 يوميا ، وتعتمد فى إنشائها على عملية تقليل ملوحة المياه وليست إزالتها تماما، والذى يعمل بنظام الزوايا العكسية، بضغط المياه وانتقالها من المياه المالحة للأكثر ملوحة بنسبة استرجاع 33% لا تسبب ضررا على الطبيعة البيئية بالمكان من أسماك وشعب مرجانية، خاصة أننا نعمل داخل نطاق المحمية الطبيعية « جبل علبه»، بجانب أعمال الإنشاءات فى محطة التحلية تم بالتوازى الانتهاء من 75% من إجمالى أعمال تطوير شبكة المياه بطول 28 كم ورفع المواسير القديمة واستبدالها بخطوط تغذية بتكلفة 10 ملايين جنيه وانتهت جولتنا فى أبورماد .



مشروعات قومية



واتجهنا نحو حلايب قطعنا خلالها مسافة 40 كم والتى تختلف عن شلاتين وأبو رماد، من حيث الكثافة السكانية وحجم العمران بها ، وطبيعة سكانها والذين لم تتطور حياتهم إلى حد كبير أسوة بالمناطق السابقة والتى تنوعت فيها الحياة الحضرية مع البدوية، وتحتاج لكثير من الجهد لاستغلال الطبيعة والأرض البكر الثرية بكل أنواع الثروات من خلال مشروعات قومية وتنموية عملاقة تواكبها طفرة عمل بالبنية التحتية والمرافق، وأن تكون فى مقدمتها توفير وسائل النقل والمواصلات وشبكات الاتصال، فمحاولة الاتصال بالمحمول تعد ضربا من الخيال الذى يحلم به كل شخص يتواجد هناك ، وعن ذلك روى لنا أحمد ـ مدير أمن بشركة المقاولون العرب حادثة طريفة، حيث قال : كلفنا فى بداية عملنا بحلايب بتركيب لافتات المشروعات فى مواقع العمل ، والتى توجهنا إليها وبدأنا فى رفعها على الحوامل حتى تجمع الأهالى مهللين فرحا لاعتقادهم أنها لمشروع تقوية لشبكات المحمول .



بشاير الأمل



من خلال جولتنا فيها لمحنا بشاير الأمل لتحقيق ذلك وهذا ما لمسناه ورصدناه واقعا من خلال المدارس والمعاهد الدينية التى زرناها وأقامتها الدولة مؤخرا مع مرافق خدمية أخرى كقصر الثقافة ومسجدين ومحطة طاقة الشمسية على مساحة 40 ألف متر مربع بطاقة 1 ميجا، إلى جانب المشروعات التى يجرى تنفيذها حاليا كمحطة التحلية والتى قمنا بزيارتها وهناك التقينا المهندس مؤمن أحمد المسئول عن مشروعات التنمية فى منطقة حلايب، وهو من القيادات الشابة رغم انه من حديثى التخرج وذلك نموذج إيجابى لشركة المقاولون العرب والتى تمنح الشباب الفرصة لتولى القيادة لكبرى المشروعات وهذا ما لمسناه من زيارتنا لكل المشروعات فى الجنوب .



وقال مؤمن : مهمتى تتمثل فى الإشراف على تنفيذ كل مشروعات التنمية بحلايب تتعدى تكلفتها الـ500 مليون جنيه بداية من الوحدة الصحية والتى قمنا بتسليمها منذ عام ، ثم مبنى الإذاعة والتليفزيون بحلايب ومكون من 2 استوديو للتليفزيون واستوديو إذاعة ويضم مبنى سكنيا والذى تم تسليمه الأسبوع الماضى ، وسيتم تجهيزه بالمعدات من قبل قطاع الهندسة بالإذاعة والتليفزيون ، هذا إلى جانب أعمال تنفيذ 10 عمارات سكنية تضم 120 وحدة بمساحة 75م، وتتلاءم مع طبيعة وعادات أهل المنطقة والذين يؤثرون الخصوصية، وخاصة أن مهنتهم الرئيسية رعى الأغنام فى الجبال مما اثر عليهم وجعلهم منعزلين ، غير أن بداية تشغيل المدارس ساعد كثيرا فى التغيير واندماجهم مع الآخرين لحد معقول، ولذا تم طرح أخيرا العمل ببناء معهد أزهرى جديد سنبدأ العمل به خلال الفترة المقبلة، وبالإضافة إلى كل هذا هناك توجه لإقامة مشروعات صرف صحى بمدينتى حلايب وشلاتين، وذلك إلى جانب محطة التحلية التى نقف فى موقع إنشائها الآن وترافقها إقامة خزان تكديس لتوصيل المياه عبر شبكة خطوط مواسير بطول 32 كم لتصل لقرية رأس حدربة « آخر قرية على الحدود مع السودان، فى إطار مجموعة المشروعات التنموية .



وعن المعوقات التى تواجه المشروعات التنموية بهذه الأرض البكر قال مؤمن: تنفيذ الإنشاءات يتم بأيادى العمال والمهندسين الذين يأتون من كل ربوع الجمهورية بحرى وقبلي، والذين ينتقلون من قراهم ومدنهم صوب حلايب وشلاتين لتنمية المنطقة من خلال جهدهم وعرقهم، غير أن نقص وسائل المواصلات يمثل المشكلة الرئيسية التى نعانى منها جميعا.







حلايب ..



درة الجنوب



هى مدينة قديمة جدًا سكنها البشارية قبل مئات السنين، وحفروا بها الآبار والعيون، كما كان قربها من جبل علبة «ايلبَ» ميزة مهمة زادت من أهميتها وترجع تسميتها الى الاسم البجاوى (أوليب) والذى يعنى الصحـراء الخالية أو الخلاء وتعود سيادة مدينة حلايب لقبيلة «الحـمد أوراب» وهم بطن من بطون البشارية الذين تمتد سيطرتهم للأرض حتى سلسلة جبال الفرايد القريبة من منطقة برانيس .



أما قـرية أبو رماد أو (بحيرة الفوسفات و المنجنيز) فهى أقدم مدن مثلث حلايب وتبعد نحو 125 كم جنوب مدينة شلاتين، واشتهرت القرية بالنشاط التعدينى من بدايات عام 1915، ويعود أصل اسمها إلى «الرماد» الذى خلفه الفوسفات فى هذه المنطقة.











شيخ القبيلة : الوحدة الصحية لايوجد فيها سوى طبيب غير متخصص يستقبل كل الحالات



نطالب بأولوية تعيين المعلمين بالمدارس لأبناء المنطقة ذوى المؤهلات العليا



توسع الدولة فى إنشاء المدارس يكسر عزلة المواطنين



نقص وسائل المواصلات المشكلة الرئيسية التى يعانيها العاملون بالمشروعات التنموية