أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
الطموح الإيرانى والفراغ الإقليمى
3 أبريل 2017
جميل عفيفى

عادت الازمة بين الولايات المتحدة الامريكية وايران مع وصول الرئيس الامريكى دونالد ترامب الى سدة الحكم، وذلك فى الوقت الذى تمر منطقة الشرق الاوسط من ازمات خطيرة تسعى العديد من القوى ان تسيطر على الوضع وان تكون لها اليد الطولى فى ظل الاقتتال الذى يحدث الآن .


وتمثل ايران فى الوقت الحالى خطرا حقيقيا على دول الخليج العربي، تسعى الى فرض نفوذها بقوة، مستغلة الوضع الذى تمر به منطقة الشرق الاوسط من صراعات و حروب أهلية ومذهبية، لتفرض نفوذها وتكون لها الغلبة، من خلال إثارة الفتن والقلاقل فى بعض الدول، أو مد المعارضة بالسلاح وتدعيمهم من اجل القفز على السلطة لتصبح دول منطقة الخليج العربى وبعض الدول الاقليمية تحت النفوذ الايراني، وكما هو واضح من تعاملها مع الأزمات فى العراق وسوريا واليمن.



إن أهداف الدول الساعية لحماية مصالحها القومية تتحدد من خلال سياستها الخارجية، وتتأثر بالبيئة العالمية التى تتعامل معها وتتحرك فيها، وبالقوة أو القوى التى تتحكم وتوجه هذه البيئة، فالسياسة الخارجية الإيرانية تُصاغ ـ بالضرورة ـ فى إطار الوحدة الدولية، وترمى إلى تحقيق أهدافها إزاء وحدات خارجية؛ ففى عصرالتقدم التكنولوجى فى وسائل الاتصال لم تعد النظم والجماعات قادرة على الانحسار داخل بوتقة خاصة أو الانغلاق على الذات.



فالنظام السياسى المتشكل فى إثر الثورة الإيرانية 1979م، كثورة أيديولوجية دينية إسلامية ، أحدث تغييرات سياسية كبرى فى النظام الإيراني، أما اليوم فقد حدثت تغييرات هيكلية فى الظروف التاريخية والبنية الجيوستراتيجية التى كانت تعمل من خلالها إيران سابقا، ووجدت نفسها فى بيئة مغايرة تماماً ، فقد اختلفت البيئة العالمية فى سبعينيات القرن الماضى عنها فى القرن الحادى والعشرين، بما تتيحه من فرص وخيارات أمام إيران، بدأت تتضح معالمها منذ تسعينيات القرن الماضي.



ساهمت الحرب الأمريكية على الإرهاب فى تعزيز مكانة إيران كدولة إقليمية ذات نفوذ قوي، ووفّرت واشنطن لإيران فرصة مناسبة للحصول على مكانة إقليمية ودولية؛ فبعد الإطاحة بنظامى (العراق وأفغانستان) اللذين كانا يشكلان تهديداً مباشراً لطهران، تمت مكافأة إيران بإطلاق يدها فى العراق ولبنان، وأصبح لها نفوذ فى مناطق أخرى مهمة، مثل: غزة، وآسيا الوسطي، وإفريقيا، وأمريكا اللاتينية، فقد استغلت إيران انهيار النظام العراقى وانشغال أمريكا فى حربها فى العراق، للتحول إلى القوة الإقليمية الأبرز، وإلى فاعل سياسى فى المنطقة لا يمكن تجاوزه ..



ثم جاءت بعد ذلك ثورات الربيع العربى الذى شغل العديد من الدول العربية فى امورها الداخلية ، فى ذلك الوقت حاولت ايران ان تفرض نفوذها وسيطرتها على المنطقة ككل وحاولت ان يكون لها الدور الاكبر، وان تصبح القوة الفاعلة الوحيدة فى المنطقة ، تسعى الى اعادة تشكيل الدول العربية الاخرى من اجل مصلحتها العليا واهدافها الخاصة.



إن هذه البيئة الدولية والإقليمية فتحت فرصاً كبرى أمام إيران للتحرك باتجاه تطوير برنامجها النووي، وهو البرنامج الذى أكسب الطبقة الدينية القابضة على الحكم شرعية ساعدتها على الاستمرار وبسط سيطرتها على الداخل بالطريقة التى تنسجم وتتماشى مع تصوراتها، وتثبيت نظام الحكم ومبادئ الثورة، كما أن هذا التعنت الإيرانى أمام الأمريكان أكسبها شرعية إقليمية عند البعض، مما أكسبها سيطرة على بعض الدول ، لتتماشى مع تصورات الجمهورية الإسلامية الإيرانية للمنطقة .



وعموماً، فإن الحرب الأمريكية على الإرهاب، والحرب الأمريكية فى العراق وأفغانستان، واستنزاف القدرات الأمريكية، وعدم قدرتها على ضرب أى بلد آخر، ناهيك عن مناطق التوتر الأخري، والأزمة المالية العالمية، كل ذلك ترك فراغاً، وفتح فرصاً كبرى أمام حرية الحركة والفعل الإيرانيين، مما يجعلها طرفاً فى تشكيل سياسة المنطقة، وقوة رئيسة على المستوى الإقليمى ترمى إلى إحداث تغيرات جذرية تؤدى إلى إضعاف الدور الخليجى والعربي.



إن سقوط النظامين العراقى والأفغاني، جعل إيران أمام فرص متعددة، ولكنه فى الوقت نفسه فرض عليها تحديات، فقد أصبحت إيران أكثر من أى وقت مضى عرضة للضغوط الأمريكية، وبمختلف الوسائل لمنعها من البروز كقوة إقليمية، لأن واشنطن لن تسمح ببساطة ببروز قوة إقليمية معادية لها. كما جعلها فى موضع الخطر المباشر، وبخاصة أن واشنطن أصبحت على حدود إيران الشرقية فى أفغانستان، وشمالاً فى جوار بحر قزوين فى أكثر من دولة من دول الاتحاد السوفيتى السابق، كما أن جارتها باكستان دولة نووية ولها علاقة جيدة مع واشنطن، كذلك الأمر مع تركيا. أما فى جنوبها، وبفعل مصالح واشنطن الاستراتيجية فى الشرق الأوسط، وحماية إسرائيل، وتدفق النفط، كل ذلك جعل وجود واشنطن العسكرى أكبر وأضخم من أى منطقة أخري، ناهيك عن العلاقات العربية ـ الإيرانية المتوترة أصلاً، ولعل أبرز ما يوضح القلق الإيرانى من الوجود العسكرى الأمريكى فى جواره



لم تشكل الثورة الايرانية عام 1979م أى خطر أيديولوجى على النظام الدولى آنذاك ، ولم تكن بديلاً أيديولوجياً أمام الصراع الأيديولوجى بين الرأسمالية والاشتراكية، فقد رأت واشنطن أنه ربما تشكل الأيديولوجية الإسلامية الإيرانية، التى تتعارض مع الماركسية أو الاشتراكية، فرصة لتحسين العلاقات مع أمريكا، أو قد تندفع إيران إلى التحالف الغربى بسبب الخطر الشيوعى المتربص على حدودها الشمالية، وحتى عندما تأكدت واشنطن من خطأ هذه التصورات، لم تستطع فعل أى شيء ضد إيران لإعادتها إلى التحالف الغربي، والسبب فى ذلك أن النظام الدولى آنذاك جعل الخيارات أمام واشنطن محدودة أو معدومة، وبخاصة أن إيران تقبع جنوب الاتحاد السوفيتي.



كما أن أى إجراء أمريكى ضدها قد يدفعها إلى التحالف مع الاتحاد السوفيتي. أما الآن بعد ان أصبحت الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة فى العالم ،وصفت السياسة الأمريكية إيران بالدولة التى تساند الإرهاب وتضعها ضمن دول محور الشر، فالأيديولوجية الإسلامية التى لعبت دوراً فى الحفاظ على إيران الثورة، أصبحت الآن تشكّل أحد المخاطر على إيران فى ظل الحرب على الإسلام والمسلمين .



فالولايات المتحدة الأمريكية تتصور أن امتلاك إيران للرادع النووى سوف يجعلها تشعر بأنها لم تعد معرّضة للخطر المباشر من أى انتقام عسكرى تقليدي، فهى تستطيع أن تعود إلى السياسات العدوانية والسياسة الخارجية المقاومة للوضع الراهن التى اتبعتها إبان الثورة الإيرانية.



إن ما سبق هو توضيح للوضع الايرانى فى النظام الإقليمى ومحاولاتها المستميتة للسيطرة على منطقة الخليج العربى وفرض نفوذها، كما كانت تسعى من قبل فى اثارة الفتن والبلبلة فى بعض دول الخليج مثل البحرين والمملكة العربية السعودية، ومحاولات فرض النفوذ فى لبنان من خلال حزب الله،دعمها للحوثيين فى اليمن بمدهم بالسلاح والعتاد، كل ذلك فى الوقت الذى سمحت الولايات المتحدة الامريكية لإيران بفرض نفوذ قوى فى العراق بعد عملية الاحتلال، وأخيرا بعد التسويات فى الملف النووي.





[email protected]