ريتشارد هاس .. والكتب الستة العظيمة
لأن التحولات السياسية باتت أسرع من أن يتم استيعابها وفهمها، والحاجة باتت ضرورية إلى أي نظرية تضفي بعض المنطق على كل ما يدور حولنا ويبدو بلا منطق يذكر،أصبح البحث عن مرجعيات لفهم السياسة الدولية والعلاقات القائمة بين الحاضر والتاريخ البعيد أحد الطرق الشرعية والمستحبة للتعامل مع الواقع والخروج بأقل قدر من الخسائر.
.........................................................
وبناء عليه، سألت مجلة «ذا ويك»، أو «الأسبوع» The Week الأمريكية ريتشارد هيس رئيس مجلس العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة منذ عام 2003 والذي سبق وعمل في إدارات الرؤساء جيمي كارتر ورونالد ريجان وبوش الأب والإبن وله حوالي 13 مؤلفا كتبها وحررها حول السياسة الخارجية الأمريكية، عن هذا الأمر، فجاءت إجابته كفهرس من ستة كتب عظيمة يعتبرها «الموجهة» في تشكيل رؤيته ومعارفه حول تشعبات السياسة الدولية ومرجعيتها التاريخية.
يتصدر هذه المجموعة كتاب : «المجتمع الفوضوي : دراسة في النظام بعالم السياسة» society : A Study of Order in World Politics The Anarchical والصادر عام 1977 لصاحبه هيدلي بول (من 1932 - 1985) وهو أستاذ العلاقات الدولية بجامعة أوكسفورد.
وعلى الرغم من مرور أربعة عقود على صدوره، فإن الكتاب يعد من الكلاسيكيات اللازمة لفهم أبرز النظريات حول العلاقات الدولية والتي لا تسقط أبدا بالتقادم بل تزداد أهمية وإلحاحا.
فالكتاب يناقش طبيعة «النظام الدولي» في ضوء العلاقة بين الدول كفاعل أساسي، متسائلا إن كان هناك بديل دائم وفاعل للنظام الدولي القائم على أسس الدولة؟ ويرفض كاتبه الفروض المطروحة حول سقوط نظام الدولة، ليقدم عددا من المقترحات لإصلاح هذا النظام وجعله أكثر فاعلية وقابلية للتعامل مع التحديات المتجددة.
وثاني الكتب على قائمة هاس هو كتاب بعنوان «استعادة العالم : ميترنيش، كاستلريا ومعضلات السلام 1812 - 1822» A World restored : Castereagh, Metternich and the problems of peace 1812-1822 لمؤلفه السياسي ورجل الاستراتيجيات المخضرم هنري كيسينجر مستشار الآمن القومي ووزير خارجية أمريكا الأسبق والحائز على جائزة نوبل للسلام عام 1973 لدوره في خروج القوات الأمريكية من فيتنام.
ويتناول كيسينجر في كتابه مداولات مؤتمر فيينا التي جرت خلال الفترة بين نوفمبر 1814 ويونيو 1815 بقيادة وزير خارجية النمسا كليمنس ميترنيش ونظيره البريطاني فيسكونت كاستلريا، والتي انتهت بإعادة ترسيم الخريطة السياسة لأوروبا لتخطي مرحلة الحروب النابليونية وانهيار الإمبراطوية الرومانية مما أسفر عن التأسيس لعقود من السلام حتى تفجر الحرب العالمية الأولى. وغرض الكتاب ليس سردا قاصرا لأحداث تاريخية بعيدة، فكيسينجر وضع النسخة الأولى من كتابه عام 1957 في أعقاب الحرب العالمية الثانية، لأنه وجد في مراجعة تجربة مؤتمر فيينا ضرورة للتعامل مع عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك لاستخلاص ديناميكيات التفاوض وسبل تشكيل التحالفات ما بين أطراف ذات توجهات مختلفة كما كان الحال على مائدة مفاوضات فيينا بين ميترنيش ورؤيته القائمة في الأساس على منح الأولوية لتمتع الدول بالسيادة الشرعية، وكاستريا الذي منح عظيم اهتمامه لخلق التوازن ما بين القوى المعنية كسبيل لتحقيق سلام ممتد.
وقد كانت دروس مؤتمر فيينا قابلة للتطبيق في حقبة الخمسينيات من القرن الماضي، من وجهة نظر الكاتب، ويرى قاريء الكتاب أيضا أنها تتخطى كثيرا من الحدود الزمنية والجغرافية فتصلح للتطبيق على أصعدة عدة شخصية وعامة وحتى اليوم.
أما ثالث الكتب عن التاريخ السياسي أيضا فهو كتاب باربرا توشمان الحائزة على جائزة بوليتزر العالمية للصحافة، وهي تعتبر من أهم مؤرخي القرن العشرين، ويعتبرها هيس صاحبة الفضل الأول في توجيه اهتمامه للقراءة عن التاريخ السياسي في الأساس.
ويتضمن كتاب توشمان «برج الفخر : صورة للعالم في مرحلة ما قبل الحرب 1890 – 1914»The proud tower : A portrait of the World before the World War 1890 – 1914 حوالي ثمانية مقالات كتبتها المؤرخة في منتصف ستينيات القرن الماضي في عدد من الدوريات واستعرضت خلالها الواقع السياسي والثقافي والاجتماعي للمجتمعات الغربية في أوروبا والولايات المتحدة قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى.
ولا تقتصر قائمة الستة العظام على كتب النظريات السياسية والتأريخ، وإنما تشتمل على رواية فارقة هي «الأمريكي الهاديء» The Quiet American الصادرة في نسختها الأولى عام 1956 للروائي والمراسل الحربي المخضرم جراهام جرين.
وتتناول الرواية التي تم اقتباسها في فيلمين سينمائيين عامي 1958 و2002 الدور الأمريكي في مواجهة الاستعمار الفرنسي والبريطاني في فيتنام في خمسينيات القرن الماضي، وكيف بدأ تورط الولايات المتحدة في هانوي، متوقعا تطورات الوضع وخروج القوات الأمريكية من فيتنام في نهاية الأمر.
وتتناول الرواية بالنقد والمناقشة مفهوم الاستثناء الأمريكي أو تفوق الأمريكي The American Exceptionlaism والذي يعد تطورا شرعيا لفكرة عبء الرجل الأبيض والتي بررت عقودا من الاستعمار الأوروبي لدول العالم الثالث في آسيا وأفريقيا تحت أيديولوجية منح الرجل الأوروبي العون للشعوب الأقل تحضرا من أجل التطور والنهوض الحضاري.
ويعد خامس الكتب على قائمة هاس مزيجا من السيرة الذاتية والتأريخ ومناقشة بعض النظريات في العلاقات الدولية.
فالكتاب هو «الحاضر قيد الإعداد : سنواتي في وزارة الخارجية» Present at the Creation: My Years in the State Department لمؤلفه دين أتشسون وزير الخارجية في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق هاري ترومان، وكان المؤلف قد خالف عهدا قديما قطعه على نفسه بعدم كتابة مذكراته حتى لا يقع في فخ تبرير الذات، ولكنه كتب مؤلفه عام 1969 مستعرضا سنوات عمله في وزارة الخارجية الأمريكية خلال فترة بالغة الخصوصية بين عامي 1949 و1953 في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وإعادة ترسيم خريطة القوى الدولية على أنقاض ما تبقى من واقع القوى المورث عن القرن التاسع عشر وأمام تهديدات الاتحاد السوفييتي وانطلاق سباق التسلح النووي.
ويعتبر سادس وآخر الكتب قي القائمة هو كتاب «كبسولة» يضم خلاصة نجاحات وسقطات السياسة الأمريكية، حيث يستعرض ريتشارد نيوستاد وإيرنست ماي – اللذان كانا أستاذين ومستشارين لإدارات أمريكية متعاقبة - في كتابهما «التفكير في الوقت : استعمالات التاريخ بالنسبة لصانعي القرار» Thinking in Time: The Uses of History for Decision-Makers تجربة ثلاثة عقود من الانخراط على الأصعدة الأكاديمية والسياسية لاستخدام التاريخ في توجيه عمليات الإدارة اليومية سواء للحكومات أو الشركات بما يحول دون الوقوع في سقطات مكلفة ويضمن النجاحات المنشودة.
ويعتبر هاس قراءة الكاتب الأخير تحديدا فرض عين على كل من يتخذ من السياسة الخارجية مجال عمل أو مصدر اهتمام.