أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
القلب الحزين
17 مارس 2017
000

أنا أم فى الثمانين من عمرى أنهكنى كبر السن والمرض، ويحترق قلبى فى اليوم الواحد مائة مرة على أصغر أبنائى، حيث رزقنى الله بولدين وبنت‏,‏


وذقت المر من أجل تربيتهم تربية مثالية ونشأوا متحابين ومترابطين مع بعضهم برغم أنهم ليسوا إخوة أشقاء، فابنتى الكبرى من زوجى الأول الذى توفى بعد ولادتها بفترة وجيزة, ولما لم يكن لى سند ولا معين فقد تزوجت من رجل تقدم لى ووافق على أن تعيش معنا ابنتي, وأنجبت منه ولدين ولكن حدثت خلافات بيننا فطلقني, وتركنا دون أن نعلم عنه شيئا, ولم أيأس وواصلت الكفاح بإصرار على تربية أولادى، وتنشئتهم تنشئة صالحة, وكبرت ابنتى الوحيدة وأكرمها ربها بابن الحلال الذى أسعدها, وابتسمت لنا الحياة من جديد, ومرت الأيام سريعة ورزقت ابنتى بابنها فسعدت به سعادة غامرة وهو أول أحفادى الذى ملأ حياتنا بهجة وسرورا, ولم يمض وقت طويل حتى تزوج ابنى الثاني، ورزق بثلاثة ابناء وبعده تزوج ابنى الصغير وأنجب ولدا.



وهكذا اكتملت عناصر سعادتي، وأنا محاطة بأبنائى وأحفادى، وأكاد أطير فرحا كلما رأيتهم حولى والأطفال يلعبون ويمرحون بيننا، ولكن ـ وآه من هذه الكلمة ـ أدارت لنا الحياة ظهرها، وتوالت الأحزان فى مسلسل غريب لا يصدقه أحد, فلقد توفى حفيدى الأول ابن ابنتى الكبري, ثم ابتعد ابنى الصغير, حيث يعمل فى مجال يتطلب سفره باستمرار، وفى كل مرة لا نراه بالشهور، وكلما جاء فى إجازة قصيرة يقضى أغلبها مع زوجته, ويزورنى مرة أو مرتين يطمئن خلالهما علىّ، ويعود الى عمله من جديد, واصبحت أقضى معظم وقتى مع ابنتى الكبري, وابنى الذى يليها, وكان هو بالذات أكثر ابنائى اهتماما بي, وتلبية لما أحتاجه من متطلبات, وأول ما يفعله حينما يرانى كل صباح أن يقبل يدي, ولذلك ارتحت اليه كثيرا، وإلى زوجته وأبنائه، واذا حدثتك عن هدوئه فلن تتسع هذه المساحة لكى أسرد لك فيها ما لمسته من طيبة قلبه وحبه للجميع, وفجأة تحول الى إنسان آخر لا أعرفه، ولم أره من قبل، فلقد عاد من عمله مبكرا عن موعده ذات يوم وفتح باب شقته ليجد صديقه المقرب منه بصحبة زوجته, فأصابه الذهول وأسرع الى المطبخ واستل سكينا وطعنه به دفاعا عن شرفه، وأحدث به إصابات بالغة، وعلمت بما حدث فأصابتنى صدمة مزدوجة فى ابنى الذى ضاع مستقبله, وفى زوجته التى كنت أعتبرها مثالا للطهر والعفاف.. وتم القبض عليه، وحكم عليه بالسجن، وأصبح ابناؤه فى كفالة عمهم ورعاية عمتهم التى ضمتهم إلى ابنائها حتى إنهم ينادونها بـ «ماما».



ورتبت حياتى على هذا الوضع الجديد وحرصت على زيارته كل أسبوع فهو وإن كان فى نظر القانون مجرما, فإنه فى نظرى شاب برىء وجد نفسه فى هذا الموقف الذى يصعب على أى إنسان حر أن يوجد فيه دون أن يتحرك انتقاما لشرفه، ولقد مرت السنوات، وخرج ابنى من السجن، وقد تغير تماما، ولم يمض وقت طويل حتى رحل عن الحياة، وصارت حياتى نكدا وألما وحزنا، ولم يعد النوم يعرف طريقه إلىّ، وأرجو ألا يصنع أى رجل يتعرض لمثل ما تعرض له ابنى أن صنيعه، حتى لا يتعرض لما ألم به من آلام انعكست عليه وعلينا جميعا، ولك منى التحية والسلام.



> ولكاتبة هذه الرسالة أقول :



يخطيء المرء كثيرا فى حق نفسه حينما يتسرع فى رد الفعل تجاه أى واقعة أو حادث يتعرض له, فقد يكلفه ذلك حياته، وهذا بالضبط هو ما حدث مع ابنك حينما فقد أعصابه وقتل صديقه الذى وجده مع زوجته فى وضع غير لائق, حين عاد من عمله فى وقت مبكر عن الوقت الذى اعتاد العودة فيه إلى المنزل, وقد كان بإمكانه أن يتفادى طعنه بسكين بتسليمه للعدالة, وتطليق زوجته وتسريحها بإحسان بعد أن اكتشف خيانتها له, وأنها لم تعد أمينة على بيتها وزوجها, كما كان يكفيه ما سوف يحكم به القانون فى مثل هذه الجريمة, وحتى إذا لم توقع عليها, أو على صديقه أى عقوبة, فإن الله سبحانه وتعالى سوف يحاسبهما الحساب العادل فى الدنيا والآخرة، ويخطيء المرء أيضا حينما يزيل كل الحواجز بين زوجته، ومن نسميهم «الأصدقاء», فالتعاليم الدينية واضحة ولا لبس فيها أو غموض, وهى تحرم الاختلاط بأى امرأة, وفى ذلك يقول الحديث الشريف: «ما اجتمع رجل وامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما، قالوا: ولو كانت صالحة يارسول الله، قال: والذى نفسى بيده، ولو كانت مريم ابنة عمران».. فهل بعد ذلك حديث؟، وهل بعد هذا الكلام القاطع من له رأى آخر؟



إن الالتزام الدينى يجعل الإنسان دائما فى صفاء مع نفسه ومع الآخرين, فليكن هذا درسا بليغا لمن يجد نفسه فى هذا الوضع الذى لا يقره دين وتأباه كل الأعراف والتقاليد، أسأل الله له الرحمة والمغفرة، ولك الصبر، ولتنتظر تلك المرأة جزاءها العادل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.