أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
بلد العشرين جنيها
22 فبراير 2017
أحمد هوارى

عشرون جنيها هي، تزيد ولا تنقص، تصحبها دائما فى كف يدك المطوى بإحكام خبير، تنظر حولك كى لا يراك أحد، تعلم أن الجميع يفعل مثلما تفعل، لكنك لا تجرؤ على المجاهرة، اتفاق من الباطن مبرم منذ عقود، أن الأمر يجب أن يبقى سرا، ولكنه أمر يجب أن يبقى، زادت أعين الرقباء أم قلت، هى العشرون جنيها، تزيد ولكنها لا تنقص، ترفقها خلسة مع كل ورقة، وتضعها فى كل ملف، وتدسها فى كل يد، وتذيل بها كل «صباح الفل».

عشرون جنيها، تتناسب طرديا مع الغرض،حتى تصير ملايين، هى الميسر لما تعثر، والفاتح لما انغلق، يسبقها وجه مقطب ويتبعها وجه منشرح، تسبقها ورقة ناقصة وتعقبها ورقة مكتملة، يسبقها خاتم غائب ويعقبها ختم حاضر، يسبقها «سيستم عطلان» ويعقبها «سيستم عاد ليعمل»، يسبقها قانون صارم ويعقبها قانون مثقوب.

تنظر إلى صفحة العشرين جنيها فيطالعك مسجد محمد على وعربة حربية فرعونية، فلا هى أخذت من المسجد رسوخه فى وجه الأعداء والقدرة على البقاء، ولا هى أخذت من العربة طرفا من مجد خالد، لا شىء إلا ذكرى مرسومة عن بلد كان مهد الحضارات، صار بلد الـ20 جنيها.

ليست مجرد منحة هي، أو صدقة لعامل ضاق به الحال، العشرون جنيها ثقافة عامة، عطب راسخ فى جذور الوعى الكلي، ثمة موظف أو عامل يتقاضى ما مجمله 3 آلاف جنيه أو أقل ويتحمل نفقات تزيد فى مجملها على 10 آلاف أو ما يزيد، لا حيلة دون مزيد يسد الفجوة، هنا يتفق الراشى والمرتشى على ألا رشوة فى كل ما سبق، بل إعانةجبرية تحول دون توقف العجلة، تمنحها عن تراض ويأخذها صاحبها دون بأس، ثم تجتمعان معا فى صلاة الجمعة التالية، تستمعان لما آل إليه حال العباد من فرط الفساد، وتضربان كفا بكف.

العشرون جنيها وما أدراك ما هى، العملة الرسمية لسوق مرعبة سوداء موازية، تباع فيها كل خدمة و سلعة بمقابل آخر، فى دائرة مغلقة من العبث، تكبر، فتصير درسا خصوصيا،وكشفا خاصا، ودواء نادرا، و منحة لتطوير مراوح المدرسة، ورخصة بيت وعداد كهرباء، وتصير حياتنا نهبا لعشرينات تعدل موازين الدخول والالتزامات.

هى العشرون جنيها، تزيد ولكنها لا تنقص، ترفقها خلسة مع كل ورقة، وتضعها فى كل ملف، وتدسها فى كل يد، وتذيل بها كل «صباح الفل».

ما يزيد على مليارين و300 مليون جنيه حجم الفساد خلال عام واحد فى قطاع واحد هو الإدارة المحلية بحسب تقارير الجهاز المركزي.

يقترض، معظمنا، لسد احتياجاته ولا تنسد، إذ لا خدمة أو سلعة دون أضعاف سعرها، ولا راتب يقدر وحده على الحمل الثقيل، والضمير يتضاءل فى فراغ البطون الجائعة ومصروفات العلاج والمدارس إلى حد الفناء، بينما لا تعليم فى الحقيقة دون دروس إضافية، ولا شفاء دون المئات من العشرينات المتفرقة، ولا توعية تقنع أطفالا لا يكفون عن الطلب،ولا حول لرقابة مشغولة باصطياد القطط السمان فى السعى خلف ملايين القطط الصغيرة الجائعة.

ولو كان فيما أقول غطاء يبرر على الفاسدين أفعالهم، فلا ضير أن تكف مئات المحاكم الصاخبة والصرخات الغاضبة والأعين المراقبة هؤلاء الفاسدين عما يفعلون، ولن يكفوا، إنما يعالج الفساد من جذوره لا من جز ثماره اليانعة.

هى العشرون جنيها، تزيد ولكنها لا تنقص، ترفقها خلسة مع كل ورقة، وتضعها فى كل ملف، وتدسها فى كل يد، وتذيل بها كل «صباح الفل».

«إذا لم تحترم الدولة قواعد العدالة، فإن العدالة لن تحترم قواعد الدولة».. قالها الفيلسوف الإنجليزى فرانسيس بيكون منذ القرن السابع عشر .

لا خير يرتجى من أموال تنفق على حملات توعية و آليات رقابية، مالم ينعدل الميزان، يوم يتقاضى الموظف والعامل ما يزيد على الـ 10 آلاف جنيه، فتمتنع يده عن الـ 20 جنيها.

فى أشهر معدودات، ابتلع البنك المركزى المصرى سوق العملة السوداء ابتلاعا، دفع فى شرايين الدولة الملايين، وطور مستوى الخدمة المصرفية ومداخيل العاملين بها، تجربة ناجحة قابلة للتطبيق، بينما تبقى الصحة والتعليم والزراعة والصناعة والتجارة وغيرها من القطاعات، لكل سوقها السوداء الخاصة، لا يعلو فيها صوت على القانون، إلا صوت الـ20 جنيها.