أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
صدام أوروبى أمريكى وشيك حول الشرق الأوسط
21 فبراير 2017
رسالة لندن : منال لطفى

بينما كان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يحتفى فى واشنطن برئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ويعرب له عن عدم ممانعته «فى حل الدولة الواحدة» للصراع الفلسطينى -الإسرائيلى قائلا: «أنا أنظر إلى حل الدولتين... وحل الدولة الواحدة وأميل إلى ما يميل إليه الطرفان»، وسط تلك الحفاوة قرر الإتحاد الأوروبى تأجيل قمة مزمعة بين إسرائيل والاتحاد كانت مقررة فى بروكسل فى 28 فبراير الجارى لتعزيز التعاون بين الطرفين.


ثم قررت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل إلغاء زيارة لإسرائيل كانت مقررة يومى 10 و11 مايو المقبل بحجة الأستعداد للأنتخابات الألمانية المقررة سبتمبر المقبل. ثم تسارعت الاتصالات بين مسؤولين من بريطانيا والمانيا وفرنسا ودول أوروبية أخرى لإرسال رسالة موحدة لأمريكا وإسرائيل ملخصها:» حل الدولتين هو الحل الوحيد الواقعى والقابل للأستمرار، والمستوطنات خطر على هذا الحل ويجب أن تتوقف، ونرفض نقل السفارة الأمريكية للقدس، والجولان أراضى محتلة ويجب على إسرائيل عدم المساس بوضعها» وذلك بعدما طلب نتنياهو من ترامب اعتراف امريكا رسميا بضم الجولان إلى إسرائيل.



حالة الاستياء الأوروبى كانت أكبر من محاولة الاختفاء وراء التعبيرات الدبلوماسية. فالاوروبيون وصفوا اطروحات ترامب حيال الصراع العربي-الإسرائيلى خلال زيارة نتنياهو بـ«المشوشة»، و«المقلقة»، و«غير الواقعية» و«غير المنصفة أو المتوازنة»، و«المزعزعة للثقة» فى جدية التزام واشنطن بحجر الزاوية للسياسة الأمريكية والدولية حيال صيغة التسوية السلمية بين إسرائيل والعرب.



لكن الرد الأوروبى تجاوز حالة الاستياء إلى التخوف من تداعيات سياسات امريكية غير مدروسة ومتسرعة قد تؤدى إلى اندلاع العنف فى المنطقة. فالتراجع عن حل الدولتين نكوص عن ركيزة رئيسية للسياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط، ويضع كل القرارات الدولية المتعلقة بالصراع فى مهب الريح، ويفتح الطريق أمام تصفية تدريجية للدولة الفلسطينية. وهذا خيار أوروبا ليست مستعدة له، بل وتوحد سياساتها لتعطيله ومنع نتنياهو من قطف ثمار علاقته الوثيقة بأركان إدارة ترامب.



وتقول المتحدثة باسم الخارجية البريطانية لـ«الأهرام»:بريطانيا ترحب بمساعى الرئيس ترامب التوصل لسلام يلبى متطلبات الطرفين. لكن يظل موقف بريطانيا هو أن «حل الدولتين هو أفضل خيار لتحقيق السلام» فى الشرق الأوسط.



فهناك مخاوف أوروبية متزايدة فعلا من أن حل الدولتين يموت فعليا عبر سياسات مترابطة ومتشابكة لـ«ترسيخ واقع الدولة الواحدة» وذلك من خلال تغييرات جغرافية وقانونية، بدءا من طرح نقل السفارة الامريكية إلى القدس، مروروا بالتوسع الهائل فى المستوطنات فى الأراضى الفلسطينية المحتلة وقرار الكنيست بتقنين المستوطنات بأثر رجعى ما يسمح بإضفاء الشرعية على أكثر من 3850 وحدة سكنية و 53 بؤرة استيطانية، وانتهاء بطلب إسرائيل اعتراف امريكا رسميا بضم الجولان السورى إلى اسرائيل. ومن هنا كانت الإدانات الأوروبية غير المتحفظة على التوسع الاستيطانى الإسرائيلى وعدم استخدام بريطانيا وفرنسا حق الفيتو ضد قرار مجلس الأمن فى ديسمبر الماضى الذى أدان المستوطنات الإسرائيلية ودعا لوقف بناء المستوطنات. فكل بناء استيطانى جديد هو مسمار فى نعش الدولة الفلسطينية. وتقول المتحدثة باسم الخارجية البريطانية: «من دواعى قلقنا أن قانون الكنيست يمهد الأرضية لنمو كبير فى المستوطنات فى عمق الضفة الغربية، مما يهدد استمرار حل الدولتين».



كما ترفض بريطانيا محاولات إسرائيل «شرعنة» احتلالها للجولان السوري، وتوضح المتحدثة باسم الخارجية البريطانية لـ«الأهرام»: موقف بريطانيا الثابت هو أن مرتفعات الجولان أراضى سورية محتلة. وبالتالى يخضع وجود إسرائيل هناك لاتفاقية جنيف الرابعة. (التى تلزم إسرائيل كقوة احتلال بعدم تغيير الطبيعة السكانية أو القانونية للأراضى المحتلة حتى التوصل لتسوية) هذا الرأى يشاطره المجتمع الدولى وأيدته محكمة العدل الدولية».



وبينما يشتكى الأوروبيون من أن موقف الإدارة الأمريكية غامض وسياساتها غير واضحة، فإن موقف الاتحاد الأوروبى كان أكثر وضوحا. فقد قالت مفوضة السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موجيريني، إن الاتحاد الاوروبى يدعم حل الدولتين، وسيبقى سفارته فى تل ابيب ولن ينقلها إلى القدس، موضحة:«بدون أى شك سفارتنا ستبقى فى تل أبيب وليس هناك شك فى أننا سنواصل وضع الثقة فى اللجنة الرباعية للتفاوض بشأن الأزمة فى الشرق الأوسط، وما زلنا مقتنعين بأن الحل هو التعايش بين دولتين: دولة فلسطين ودولة إسرائيل». وأدانت موجيرينى القانون الإسرائيلى الذى يسمح لإسرائيل بالتوسع الإستيطانى فى الصفة الغربية، موضحة:»القانون ينص على تقنين المستوطنات والبؤر الاستيطانية التى تعتبر غير قانونية حتى بموجب القوانين الإسرائيلية...إذا ما طبق هذا القانون، فإنه سيرسخ واقع الدولة الواحدة».



أما فرنسا فقد اعتبر وزير خارجيتها جان مارك إيرو موقف الولايات المتحدة من عملية السلام فى الشرق الأوسط “مشوش ومقلق” وذلك بعدما التقى نظيره الأمريكى ريكس تيلرسون على هامش اجتماع وزراء خارجية مجموعة العشرين فى بون بالمانيا، قائلا “أردت تذكيره (تيلرسون) بأنه بعد الاجتماع الذى عقد بين دونالد ترامب ونتنياهو فإن رأى فرنسا هو أنه لا توجد خيارات أخرى غير حل الدولتين وأن الخيار الآخر الذى طرحه السيد تيلرسون ليس واقعيا أو منصفا أو متوازنا. فيما حذرت المانيا:«ثقتنا فى التزام إسرائيل بحل الدولتين اهتز بشكل كبير...نحن قلقون من أن البناء غير المحدود للمستوطنات سوف يجعل حل الدولتين مستحيلا ويمكن أن يزيد من مخاطر الصراعات فى الشرق الأوسط بما فى ذلك احتمال نشوب حرب جديدة». وسط الامتعاض الأوروبى سعت أمريكا للتراجع خطوة بإعلان السفيرة الامريكية لدى الأمم المتحدة نيكى هيلى أن واشنطن لم تتخل عن حل الدولتين، قائلة:”أولا وقبل كل شيء.. حل الدولتين هو ما نؤيده. أى شخص يريد أن يقول إن الو لايات المتحدة لا تؤيد حل الدولتين - فسيكون هذا خطأ...نؤيد بالتأكيد حل الدولتين لكننا نفكر خارج الصندوق أيضا.. وهو أمر مطلوب لجذب هذين الجانبين إلى الطاولة وهو ما نحتاجه كى نجعلهما يتفقان”. القليل من الأوروبيين اقتنعوا بذلك التبرير.



لكن الخلافات بين أمريكا وأوروبا لا تقتصر فقط على مستقبل عملية السلام، فهناك خلافات كبيرة حول إيران، وتباينات لافتة حول حل الأزمة السورية.



فقبل مباحثاته فى امريكا، كان نتنياهو فى جولة أوروبية شملت بريطانيا والمانيا سعى فيها لحشد البلدين وراء مطلب تشكيل جبهة ضد إيران وبناء توافق لتعزيز العقوبات عليها. وكانت الإجابة التى حصل عليها نتنياهو فى لندن وبرلين هي: لا. فقد دافعت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى عن الاتفاق النووى مع إيران، موضحة «الاتفاق يمنع إيران من بناء سلاح نووى بدون الحاجة لشن حرب. ويجب الحفاظ عليه». أما المانيا فرفضت فرض عقوبات على إيران «لأنه لم يحدث انتهاك فى التزامها بالاتفاق النووي». أما فرنسا فقالت على لسان وزير خارجيتها فرنسا جان مارك إيرو، إنه يشعر بالقلق تجاه دعوات الإدارة الأمريكية لمراجعة شاملة للاتفاق النووى بين القوى الكبرى وإيران، موضحا:«الجدل الحقيقى بشأن إيران حاليا لا يدور حول الاتفاق النووى بل حول تدخلها فى المنطقة وخصوصا فى سوريا والعراق».



أيضا تشكل سوريا مصدرا آخر للتباين. فأمريكا ومعها تركيا وقطر ودول خليجية أخرى تريد بناء مناطق آمنة فى سوريا. لكن الكثير من الدول الإوروبية لديها تحفظات سياسية ولوجيستية وانسانية على الفكرة. والبعض يراها مصممة تحديدا لتقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ تركية وامريكية وإيرانية وخليجية، والقضاء عمليا على الدولة المركزية السورية.



وقالت المتحدثة باسم الخارجية البريطانية لـ«الأهرام» فى هذا الصدد:«الأولوية هى حماية المدنيين فى سوريا، وسنواصل العمل بشكل وثيق مع امريكا وغيرها من الشركاء لتحقيق هذه الغاية. وسنستمر فى دعم الجهود المبذولة لتحقيق الانتقال إلى تسوية سياسية شاملة ودائمة فهى السبيل الوحيد لإنهاء ذلك الصراع الفظيع. لكن إقامة والحفاظ على المناطق الآمنة من المرجح أن يتطلب دعما عسكريا. وهناك تحديات كبيرة فيما يتعلق بأى خيار عسكرى فى سوريا، وهذا يتطلب النظر فيه بعناية فائقة وبالتشاور مع شركائنا».



وسط هذه الاختلافات والتباينات بين أوروبا وامريكا فى الشرق الأوسط، يشعر الأوروبيون أن ادارة ترامب «ليس لديها فكرة واضحة حول ما تريد تحقيقه فى الشرق الأوسط. فهناك الكثير من الأهداف المتناقضة. وفكرة حل الدولة الواحدة لغز. فلا أحد يعرف ماذا يعنى حل الدولة الواحدة بالضبط. لكن طرح ترامب له بهذه الحماسة يشير إلى ان واشنطن تتفق مع إسرائيل فى أن حل الدولتين مات ودفن. نحن فى أوروبا لا نتفق مع هذا» هكذا قالت مسئولة مطلعة فى المفوضية الأوروبية لـ«الأهرام». حل الدولة الواحدة لم يعرضه أو يدعمه أو يروج له أى رئيس امريكى أو زعيم اوروبى من قبل. والتخلى عن حل الدولتين يعنى شيئا واحدا هو التخلى عن إنشاء دولة فلسطينية. فلدى إسرائيل دولة منذ 1948.