أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
الرومانيون يرفعون «كارت أحمر» للحكومة
18 فبراير 2017
> هدير الزهار

رغم برودة الطقس والصقيع وتدني درجة الحرارة لأقل من ٧ درجات تحت الصفر، إلا أن مئات الآلاف من المتظاهرين في رومانيا خرجوا بغضب يملأ صدورهم وإصرار يسيطر علي قلوبهم بنظرة تحد لا تفارق عيونهم،


وهم يحملون دمية علي شكل السياسيين الفاسدين والعلم الروماني، بألوانه الازرق والاصفر والاحمر، ولافتات مكتوبا بها «أنتم لصوص».. «استقيلوا».. «كارت أحمر لكم» .. «سنقاوم ولن نرحل» .. وغيرها من العبارات التي تطالب الحكومة الحالية بالاستقالة، بعدما انهارت مصداقيتها وفقدت شعبيتها، وتبين تقاعسها عن محاربة للفساد بل وأصبحت تدافع عنه وتخلق له المبررات الواهية.



فعلي مدى سنوات طويلة تجرعوا خلالها كئوسا من الفساد وتذوقوا مرارته، قطع الرومانيون عهدا علي أنفسهم بعدم الاستسلام له مرة أخرى، بعدما وضعوا أقدامهم علي طريق الديمقراطية، وإن تطلب الأمر ترك منازلهم لأسابيع وشهور للانتفاض في الشوارع والتى أصبحت مأوى لمواجهة المفسدين.



فقد قامت الحكومة الرومانية بمغامرة غير محسوبة العواقب، حاولت بكل غباء وسذاجة أن تلقي بحبل النجاة لبعض المسئولين الفاسدين والمتربحين ظنا منها أنها ستنجح في إنقاذهم، دون وضع مستقبل شعبهم في الحسبان فكانت النتيجة أن حبل الإنقاذ التف تدريجيا حول أعناق أفراد الحكومة ليكتب نهايتهم واحدا تلو الاخر. فبعد ساعات من تحذير الإتحاد الأوروبي من تراجع رومانيا في جهودها للتغلب علي الفساد، خرجت الحكومة اليسارية بزعامة رئيس الوزراء سورين جرينديانو، من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، لتعلن موافقتها علي تطبيق مرسوم من شأنه العفو عن عدة مسئولين أدينوا بالفساد، والمتربحين إذا لم يكن المبلغ أكثر من 200 الف ليو روماني (أي ما يعادل 47،500 دولار)، بحجة تخفيف الاكتظاظ في السجون، وبموجب المرسوم ستتمكن الحكومة من الإفراج عن نحو 2500 سجين يمضون أحكاما بالسجن، من بينهم زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم، ليفيو دراجنيو، الذي يواجه اتهامات بالاحتيال واختلاس 24 ألف دولار.



وقد أثار المرسوم غضب مئات الآلاف، متهمين الحكومة أنها تحاول بشتي الطرق الإفراج عن زعيم حزبها وبعض المسئولين الفاسدين، فخرجوا ليملأوا الشوارع في المدن الكبرى، مطالبين إياها بالتراجع عن المرسوم، في مظاهرات تعد الأضخم منذ سقوط الحكم الشيوعي في البلاد عام 1989. وتحت ضغط موجة الغضب العارمة، اضطرت الحكومة لسحبه وعدم تطبيقه ظنا منها أنها بذلك قد أنهت الأزمة، إلا أن المتظاهرين واصلوا الاحتشاد للمطالبة بإقالة الحكومة، مما اضطر وزير العدل لتقديم استقالته، الذي تعرض لانتقادات قوية لتمريره المرسوم دون موافقة البرلمان. وما زاد الأمر تعقيدا خطاب الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس في البرلمان وإعلانه دعمه للمتظاهرين، وأن إلغاء المرسوم واستقالة وزير العدل غير كافيين بل يجب إستقالة الحكومة، وتعيين الحزب الاشتراكي الديمقراطي لرئيس وزراء جديد، الأمر الذي جعل عددا من النواب اليساريين يتركون القاعة في استياء متهمينه بإشعال الفتنة بين صفوف الشعب.



وقد أظهر أحدث استطلاع للرأي تدني شعبية الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم وذلك من خلال المسح الذي أجرته مؤسسة «إيسبول»، حيث انخفضت نسبة التأييد له من 46 % خلال الانتخابات التى جرت في 11 ديسمبر الماضي إلي 31 %، إلي جانب تعليق بعض المشاركين بأنهم أصبحوا يشعرون أن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ وأن خطة القضاء علي الفساد التى بدأت في عام 2008، والتى كان هدفها أيضا القضاء علي ثقافة الافلات من العقاب بدأت تتراجع، الأمر الذي سيعود بالسلب علي هذه البلد الفقير البالغ عدد سكانه نحو 20 مليونا، بل ويهدد عضويته في الاتحاد الأوروبي التى حصلت عليها في عام 2007، وذلك بعد تنفيذها مطلالب الاتحاد الخاصة بمحاربة الفساد.



لذا فكان لابد من خروج تلك المظاهرات، التي تعد الأولي منذ الإطاحة بالديكتاتور نيكولاي تشاوشيسكو، والإطاحة بالشيوعية في البلاد، والتى كان ثمنها باهظا، فقد راح ضحيتها المئات بعدما كان العنف والدماء هما الخيار الوحيد من اجل حرية البلاد وتحريرها من الفساد وقيود الطغاة، ولكن المعركة الحالية تختلف فهي دون رصاص أو ضحايا فهي معركة اخلاقية من أجل الحفاظ علي الوطن وحمايته.