أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
تركيا فى مواجهة النيران الألمانية
16 فبراير 2017
سيد عبد المجيد

إجمالا وبنسب متفاونة تبدو معظم بلدان القارة العجوز «أوروبا» على غير وفاق مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، ومنها من لا يكن أصلا اي ود تجاهه ، غير أن ألمانيا تبقي الاستثناء الأوروبي الأكثر صخبا وتنغيصا، لتشكل في النهاية «بعبعا» لصانع القرار الاناضولي،


وهو يتجه لكي يكون الوحيد دون شريك ، والدليل على ذلك هو أنها باتت «شوكة» مغروسة في ظهره، لا تكتفي بانتقاداتها المتواصلة، بل صارت الحاضنة الرئيسية لجميع المناوئين لحكمه علمانيين وليبراليين ونشطاء أكراد وعلويين وايضا متأسلمين، كانوا حتى وقت مضي حلفاءه، أنهم أنصار الداعية الديني فتح الله جولين المقيم في ولاية بنسلفانيا الأمريكية.



الملفت أن الرئيس رجب طيب اردوغان (وهو المسئول التركي البارز الأكثر شكوى من هذا البلد مقارنة بكل أسلافه) وعقب اتفاق الهجرة مع الإتحاد الأوروبي في مارس العام الماضي، تصور أنه كسب للأبد ألمانيا (الساعية والراعية للإتفاق) خاصة وأن علاقته بالمستشارة إنجيلا ميركل على مايرام.



لكنه اكتشف العكس فساسة نافذون بحكومة الأخيرة، لا يفوتون فرصة وإلا وينقضون عليه تعنيفا معددين مثالبه التي لا تغتفر وسجله السيئ في مجال حقوق الانسان ، وإجراءاته القمعية ضد خصومه، حتى أن تراجع شعبية ميركل نفسها وربما فقدان منصبها لاحقا، وسيكون أحد أسباب تأييدها لأردوغان.



هؤلاء كانت لهم اسهاماتهم لاشك في الضغط على ميركل التي اضطرت «مرغمة» إلى إتخاذ جملة من الإجراءات تظهر فيها تحفظها «وليس شجبها» للقصر الرئاسي» في أنقرة، وفي هذا السياق رضخت أمام قرار نافذ من محكمتها الدستورية وحالت في نهاية يوليو الماضي دون بث مباشر عبر الفيديو كونفرانس لأردوغان الذي كان يريد مخاطبة أنصاره الذين خرجوا دعما له بمدينة كولونيا عقب محاولة الانقلاب الفاشلة.



ولم تمر سوى شهور قليلة إلا وقام وزير العدل الألماني «هيكو ماس» بتوجيه دعوة الى «المطارد» من قبل سلطات الأمن التركية «جان دوندار» رئيس تحرير صحيفة جمهوريت السابق، على خلفية كشفه صفقة أسلحة مدعومة من اردوغان كانت متجهة للمقاتلين في سوريا قبل ثلاثة أعوام، لإلقاء كلمة في حفل أستقبال العام الجديد لإظهار الأهمية البالغة التي توليها المانيا للديمقراطية وحرية الصحافة وكلاهما منتهكتان في العائدة بقوة إلى الروح الإستبدادية التي كان يتحلي بها سلاطين الخلافة العثمانية.



معضلة أخرى أزيح الستار عنها مؤخرا واكتسبت زخما ملحوظا في أروقة النافذين بالقارة العجوز حول تورط 28 شخصا من ائمة الاتحاد الاسلامي – التركي في المانيا ومعهم 11 مؤسسة في عمليات تجسس على الجاليات التركية لصالح اردوغان.



بالتوازي طلب نحو 40 ضابطا عسكريا تركيا يعملون في قواعد حلف شمال الأطلسي بألمانيا اللجوء السياسي، والذي سبق وأشار اليه أمين عام الناتو ينس ستولتينبيرغ في نوفمبر لكنه لم يدل أنذاك بأى تفاصيل.



وما أن أعلن عن هذا الأمر سارع «ستيفان ماير» من الاتحاد الاجتماعي المسيحي بولاية بافاريا بتأكيد على إنه من غير المطروح إرسال العسكريين إلى بلادهم لأنهم سيُزج بهم في السجن فورا، وتعضيدا لماير شدد رئيس لجنة الشئون الأجنبية في البرلمان الألماني على أن الاعتبارات السياسية لا يجب ولا يمكن أن يكون لها دور في طلبات اللجوء المقدمة.



وكما هي عادته، راح بكير بوزداغ يغرد على شبكات التواصل الاجتماعي مستعجبا ومندهشا بل ومحتقرا تلك الأصوات الناشزة التي تريد تلقين بلاده معاييرهم المزدوجة مؤكدا أنه لا يمكن تبرير حماية الإرهابيين والمجرمين والانقلابيين بذرائع مثل «دولة القانون» أو «القضاء المستقل»، ورغم أنه يقصد اليونان على خلفية رفض الأخيرة تسليم عسكريين أتراك فروا إليها عقب الإنقلاب، إلا أنه إنتهز الخطوة اليونانية ليطلق صرخاته في وجه الفرنجة كافة الذين يتلاعبون بالشعارات الجوفاء.



أمام تلك الموجات المتلاطمه حلت تريزا ماي وبعدها ميركل ضيفتين على تركيا وكلتاهما نال قسطا لا بأس به من التقريظ والتأنيب بنكهة الماكينات الألمانية لزيارتهما لبلد أصبح نظامه الحاكم بعيدا تماما عن الديمقراطية إذ اعتبرت زيارة ماي بأنها محاولة «بائسة» للبحث عن شركاء تجاريين عقب خروج بلادها من الاتحاد الأوروبي، وبخصوص ميركل قالت مواطنتها «سيفيم داغديلن» نائبة حزب اليسار: أن الزيارة قد تقدم لأنقرة «رسالة مغلوطة»، وجاءت في «لحظة غير ملائمة»، خاصة أن حضور المستشارة قبل أسابيع فقط من الأستفتاء على النظام الرئاسي في تركيا، سوف يفهم فقط على أنه تقديم دعم لرجب طيب أردوغان.



غير أن مناصري أردوغان كان لهم رأي مغاير، إذ أبدوا ترحيبا برئيسة الحكومة الإنجليزية واصفين زيارتها بـ «الإيجابية» مقارنة بـ «ميركل»، والسبب هو أن «الإدارة البريطانية الجديدة تتبنى منذ الآن» رؤية المستشار الأستراتيجي للرئيس الأمريكي «ستيف بانون» للنظام الاقتصادي الذي وصفه بـ «الاقتصاد المبني على القومي»، بدون إضاعة الوقت بالحديث عن الآراء الليبرالية.



ولكن بالنسبه لألمانيا فهي تحاول تقييد حركة الأناضول في مكافحة الإرهاب، بإيواء التنظيمات الإرهابية على أراضيها «كما أنها» لا تنفك تتدخل بالشئون الداخلية التركية، ورغم كل ذلك تأتي ميركل «طالبة الدعم من رئيسهم: أولا منع هجرة السوريين إلى أوروبا وثانيا: كسب رضا الناخبين الأتراك في ألمانيا للتصويت لصالحها في الانتخابات المقبلة». ولعقابها لابد من إعادة النظر في اتفاق مارس الشهير مع الاتحاد الاوروبي بوقف زحف اللاجئين ومنعهم من الوصول إلى بلدانه وحث الأتراك الألمان بعدم الأقتراع لها بالمارثون التشريعي في سبتمبر المقبل.



صحيح أن القضاء الألماني عاد وأيد الجمعة الماضي حكما سابقا أصدرته محكمة هامبورج فى مايو بمنع أجزاء من قصيدة هجاء تسخر من أردوغان، إلا أن هذا لن يوقف حملات التصعيد والاستعداء والكراهية ضد المانيا من قبل مؤيديه، وفي نفس الوقت يتواصل الغضب الالماني وقيادته لأوروبا المعارضة ولا يتوقع له أن يكف طالما أن أردوغان مستمر في طريقه السلطوي.