أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
بيزنس الدم
12 فبراير 2017
تحقيق: محمد القزاز
التبرع بالدم



  • غياب ثقافة التبرع يرفع أسعاره لأرقام خيالية


  • أحمد زغلول: الدم مسعر فى مصر..وبنوك خاصة وحكومية تبيعه وفق الأهواء


  • د. مها الزميتى: التبرع لا نجده إلا فى الحالات الحرجة


  • د. مجدى الإكيابى: ارتفاع السعر سببه التحاليل المكلفة غير الموجودة لدى الحكومة



 



يرقد المريض فى المستشفى وفى حاجة إلى بضعة أكياس دم من أجل إجراء عملية جراحية عاجلة له، فتبدأ رحلة معاناة أقاربه وأصدقائه فى الحصول على ما يريد، رحلة طويلة تنتهى دائما بالإحباط والفشل، أو تنتهى إلى بنك دم خاص يطلب ما لا يقدر عليه أهل المريض، كيس الدم يتراوح ما بين 500 و 800 جنيه، إضافة إلى متبرعين من أهل المريض.



الحصول على كيس دم أصبح حلما صعب المنال، والسبب هو العجز الشديد فى بنك الدم القومى أو فى بنوك الدم الحكومية والجامعية، ويظل المريض معلقا إلى أن ينجح فى الحصول على ما يريد.



تتشعب قضية الدم فى مصر، فبجانب أزمة النقص يظل أمانه وسلامته يقلقان الجميع، والتجارب هنا كثيرة، فكثير من مرضى الثلاثيما الذين يحتاجون الدم باستمرار وأسبوعيا تم اكتشاف إصابتهم بفيروسات لم تستطع أجهزة التحاليل كشفها، إما لأن الفيروسات كانت فى مرحلة جديدة، أو أن هناك أجهزة حديثة لاستخدام الحمض النووى لم تقدر بنوك الدم على شرائها لارتفاع تكلفتها، هذا إضافة إلى تفاوت سعره بين بنك وآخر برغم أن الدولة تدعمه، وبرغم أن سعره محدد رسميا.



على صفحات الفيس بوك تنتشر آهات المتعبين والمعذبين من أجل الحصول على كيس دم ينقذ مريضا، تضاف إليها نداءات عديدة لحث المتبرعين على التبرع بالدم من اجل مريض فى حاجة للدم، ونشر ثقافة التبرع فى ظل النقص الحاد فى الدم.



المهندس أحمد زغلول أحد المهتمين بعملية التبرع بالدم، والمنظم للعديد من حملات التبرع رأى أن الأزمة الأكبر التى تواجه المريض أثناء احتياجه إلى الدم هى سعر كيس الدم، فحين يذهب إلى بنك الدم القومى ولا يجد العينة التى يحتاجها هنا عليه أن « يتفسح» وهو اللفظ الدارج عند مسئولى الدم، أى عليه أن يجوب البلاد من أجل الحصول على كيس دم لأحد أقاربه، وبالتالى يلجأ إلى البنوك الخاصة، وهنا يصطدم بارتفاع السعر ثلاثة أضعاف على الأقل.



ويقول زغلول: إن الجهات المسموح لها بتجميع الدم هى المستشفيات الحكومية والجامعية والمركز القومى للدم، وغير مسموح للمستشفيات الخاصة بتجميع الدم، لكن الواقع يقول إن أكثر الأماكن المتوافر فيها الدم خاصة الفصائل النادرة هى بنوك الدم الخاصة، فما السبب، لا أحد يعرف؟ ولا أحد يجيب؟، حيث من المفترض أن بنك الدم القومى هو المسئول عن توزيع الدم على المستشفيات الخاصة والحكومية، ولكل حصة من هذا الدم.، وبرغم تسعير الدم نجد كل بنك دم يبيع بالسعر الذى يناسبه، برغم أن سعر الدم مدعم من الدولة.



ويضيف زغلول: إننا أنشأنا صفحة على الفيسبوك باسم «بنك الدم المصرى» كى نساعد المحتاجين للدم وتوفيره لهم، ولكن المشكلة التى تواجهنا دائما هى الفصائل النادرة فلا نجدها سوى فى البنوك الخاصة وبأسعار مرتفعة للغاية وقد يصل سعر كيس الدم إلى 700 جنيه أو ثلاثة متبرعين مقابل كيس دم واحد، وأى بنك دم حكومى غير مسموح له بتعويض الدم الناقص عنده من بنك آخر، ولابد له من اللجوء لبنك الدم القومى، وإذا تخطت الساعة الثانية ظهرا فلا يجد ما يحتاج إليه.



ويرى زغلول أن منظومة الدم فى مصر تحتاج إلى الكثير كى تنهض من الأزمة المتكررة، أهمها وجود قاعدة بيانات من خلال منظومة إلكترونية يستطيع المريض أن يعرف الفصيلة التى يحتاج إليها موجودة بأى بنك، ولكن للأسف فإن الخط الساخن الخاص ببنك الدم أو وزارة الصحة لا يسعف أى مريض، وقد جربنا هذا الأمر عشرات المرات ولا حياة لمن تنادى، فلا يعطون إجابات، فقط يقولون ما هى بنوك الدم، وكفى، هذا فى حالة الرد، بينما الطبيعى ألا يقوم أحد بالرد أساسا.



د. مها الزميتى استاذة امراض الدم بطب عين شمس قالت إن أزمة الدم فى مصر تتلخص فى ثقافة التبرع الغائبة، ولا نجدها إلا عند وجود حالات حرجة، وهنا يضطر المواطن للتبرع بالدم، وغير ذلك تظل عملية التبرع غير موجودة، علما أن التبرع بالدم وقت الحالات الحرجة ينطوى على مخاطرة وخطأ طبى، لأن التبرع من أهل المريض يفقده فى المستقبل التبرع بجزء من الكبد أو الكلى لأنه سبق وأخذ دما منهم.



وترى د. مها أن هناك بعض الناس يعيشون على تجارة الدم من خلال التبرع بكثرة، علما ان ذلك يضر بصحته ضررا شديدا، وبالمقابل لا تسعى بنوك الدم إلى توفير الفصائل النادرة لعدم وجود هامش ربح لها، وأن الأزمة التى تواجهنا كأطباء دم هو مشتقات الدم والبلازما، وليست الفصائل النادرة لأنها كما يتضح من اسمها نادرة، أى الحاجة إليها قليلة.



وعن أمان الدم تشير د. مها إلى أن الدم ليس آمنا فى كل الحالات برغم أن تحاليل كثيرة تُجرى له، ولكن المشكلة هى فيمن يصاب بفيروسات حديثة لا تستطيع الأجهزة الموجودة لدى بنوك الدم كشفها وتحتاج أجهزة مرتفعة الثمن لكشف ذلك، وهى غير متوافرة كثيرا، وترى أن الحل خاصة فى العمليات الجراحية غير العاجلة هى أخذ الدم من المريض نفسه وإعادته له مرة أخرى، وهنا ننجح فى تخطى الشكوك فيما يخص أمان الدم، ونبتعد عن الفيروسات التى لا تظهر فى تحاليل الدم.



الدكتور مجدى الإكيابى مدير مستشفى مجدى للدم: قال إن مصر تحتاج لنحو 2% من إجمالى تعداد الشعب للتبرع بالدم، أى نحو مليون و800 ألف، بينما ما يتم جمعه حوالى مليون و200 ألف، وهذا ما يتسبب فى العجز الواضح فى الدم، فثقافة التبرع ثقافة ضعيفة لدى الشعب المصرى، وإذا نظرنا إلى خريطة الدم فى مصر فنجد أنها موزعة كالآتى: 45% وزارة الصحة ممثلة فى بنك الدم القومى، و45% المستشفيات الجامعية، والباقى 5% مستشفيات القوات المسلحة، وأقل من 5% القطاع الخاص والأهلى.



ويبرر د. مجدى زيادة سعر الدم فى بعض البنوك الخاصة أنها تجرى تحاليل للأجسام المضادة وفحصا إضافيا من خلال الكشف عن الحمض النووى، وهذا السبب من وجهة نظرى فى ارتفاع سعر الدم، بعكس الموجود فى بنك الدم القومى الذى تقوم الدولة بدعمه بنحو 300 جنيه للكيس.