فضل العرب على الحضارة الإنسانية

الحضارة الإنسانية نسيج متداخل شديد الثراء والتكامل، وتأمل آلياته يحتاج لعين فاحصة وخبيرة. فالنظرة الصوفية ترى أن روح كل إنسان تسهم فى إثراء الكون، والنظرة الفلسفية ترى الزهور والاشجار والحيوانات تصنع وحدة الوجود، والدراسات فى مجال الحضارات والانثروبولوجيا تهتم بتأثير الجماعات البشرية فى حركة التاريخ وتطور الحضارة الانسانية وكذلك تأثير الازمنة والحقب على إنجاز ما أو أفول ما فى حركة هذا الكون. والعرب هم جماعة إنسانية تعيش فى منطقة ما و تجمع ما بينها لغة واحدة رغم تعدد اللهجات،وثقافات متقاربة و طرق متشابهة فى الحياة مما يجعل هناك إمكانات للتعامل معها كجماعة واحدة متقاربة السمات. والحق ان صورة العرب خلال القرن العشرين استلبت وأهينت وتم نعتها بأسوأ الصفات وأرذلتالطبائع. وقدتنشرتالبروفيسور الامريكى من أصل عربى جاك شاهين عدة كتب عن صورة العرب فى السينما الأمريكية أثبت فيها أنه تم تصويرهم ظلما اما كشهوانيين أو دمويين أو جهلاء. واستكمل كاتب السطور هذا الجهد بكتاب صدر عن صورة العرب فى السينما العالمية بعد 11 سبتمبر، وهى الصورة التى لم تتغير كثيرا الا فى نطاق ضيق. ولكل هذا يبدو لنا من المهم بل الإجبارى التذكير الدائم بإسهام العرب فى الحضارة الانسانية، والمدهش انه تأثير فارق ومدهش ربما يفوق تأثير اَى جماعة بشرية اخري. وربما كان التأثير الأعمق هو ما احدثه العرب على العالم عندما سقطت الامبراطورية الرومانية فى 476 م، ودخلت أوروبا نحو 1000 سنة فيما سمى بعد ذلك عصور الظلام، و عندما قام عصر النهضة فى أوروبا فى بدايات القرن الـ16، تم إغفال من حافظ على العلوم القديمة وقدم للبشرية فنونا وعلوما جديدة: وتصادف هذا العصر مع بدء انتشار رسالة الاسلام فى مختلف بلاد العالم و تصادف كذلك مع انتصار العرب على الفرس والبيزنطيين اهم القوى فى ذلك الوقت. وبفضل مبادئ الاسلام التى تقوم على المساواة بين البشر، دخل الاسلام العديد من الثقافات والاصول الحضارية التى كانت متفوقة على المكون الحضارى العربى الاصلى المقبل من شبه الجزيرة، وهكذا لم يعد الاسلام حكرا على العرب، أوقل بطريقة اخرى ان العرب تنوعوا وأصبحوا أكثر ثراء. وكانت اول المدن التى شهدت هذا التنوع الحضارى هى بغداد التى جعلها العباسيون مقرا لحكمهم بعد هزيمتهم الأمويين وإسقاط حكمهم. وامتلأت بغداد بيهود ومسيحيين وزرادشت وصابئة لا دينيين، وكان ذلك من أسباب الانطلاق الحضارى للحضارة العربية تبسبب تنوع المواهب من خلال الشعوب التى تنتمى للإسلام أو تعيش معها. وهناك برز علماء مثل الكندى الذي تطورت الفلسفة بكل مدارسها. واستطاعت بغداد ان تواصل انتصارالفكر حر دون أن يتعارض ذلك مع مبادئ الاسلام. وتكرر الامر فى مدينة قرطبة بإسبانيا التى شهدت العصر الذهبى لحضارة الأندلس التى يعود اليها الفضل الأكبرتلنهضة أوروبا وتطور العالم الحديث. وتبلور موضوع التسامح الدينى فى الأندلس الى أقصى صوره حتى ان المسيحيين واليهود كانوا وزراء وفِى مناصب عليا فى تلك الحضارة. والحق ان سجل إسهام العرب فى الحضارة العالمية خاصة فى الوقت الذى سمى عصور الظلام يفوق الوصف ويتجاوز الأفاق لعظم تأثيره وكبر حجمه. وعلى رأس العظماء الذين حققوا ذلك الخوارزمى عالم الرياضيات الذى يدين له العالم بتأسيس علم الجبر والارقام وكذلك تقدم النظام العشرى للعالم الغربى ، وأسس علم المثلثات وساعد فى مشروع لتحديد محيط الارض وتعمل خريطة للعالم فى عهد الخليفة العباسى المأمون وأشرف على 70 جغرافيا فى بغداد حيث عاش أغلب حياته. وانتشرت أعماله فى أوروبا فى القرن الثانى عشر وبسببها تقدمت الرياضيات. وهناك ابن الهيثم الذى ولد بالبصرة ومات بمصر ويُعَدُّّ أبا فن التصوير ولاكتشافاته الأثر الأكبرفى ابتكار الكاميرا فيما بعد. وصحح ابن الهيثم الكثير من المفاهيم التى كانت موجودة بعصره منها ان الضوء يأتى من الأجسام إلى العين وليس العكس، وهو من شرح العين تشريحا كاملا وبين خصائصها ووظائفها. وطلب منه الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر اللهتان يطبق نظرياته تلك فادعى الجنون ولزم بيته يمارس أبحاثه فيه حتى الموت. اما الأندلس فجادت على البشرية بالكثير من العلماء العظماء منهم الزهراوى الذى يلقب ابو الجراحة الحديثة بسبب كتابه التصريف لمن عجز عن التأليف وهو موسوعة طبية من 30 مجلدا بها ابتكارات وتقنيات طبية مازالت مستخدمة حتى الْيَوْمَ مثل أدوات الجراحة وهو من ابتكر خيوطاً لخياطة الجروح، وكتب فى تشوهات الأسنان وطرق التوليد والتهاب المفاصل. وهناك الإدريسى الجغرافى اللامع الذى استخدمت خرائطه ومصوراته فى سائر كشوف عصر النهضة. وعباس بن فرناس أول من قام بابتكار الطيران قبل الأخوين رايت بألف سنة.