أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
على الحجار يجيب عن أسئلة ٢٥ يناير .. فى بداية مشوار البحث عن الجواهر
الغناء الوطنى الحقيقى توقف عند رائعة شادية «ياحبيبتى يامصر»
27 يناير 2017
حوار: أنور عبداللطيف تصوير : طارق حسين

لم نجد أجمل من مطربنا الكبير على الحجار لكى نبدأ به مشوار البحث عن الكنز القومى فى ذكرى 25 يناير وهى الثورة التى عبرت عن رغبة الشعب المصرى فى التغيير، ذهبت لمطرب «عم بطاطا» و»ماتغربناش» ننبش فى ذاكرة صاحب التجربة العريضة فى أغانى الفعل السياسى المصحوب بحس درامى وضعه فى مكانة لا يطاوله فيها أحد، أكثر من غنى تتر المسلسلات التليفزيونية الأصيلة فى زمن التغريب الموسيقى يجسد الأحداث بصوته فى تفاعله مع أداء الممثل، وفى نفس الوقت هو واحد من جيل الأغنية الوطنية المعبر بواقعية عن الأحداث، ونحن نحتفل بمرور ست سنوات على الثورة التى شارك فيها بألبومين كاملين على سبيل التبشير بمخزون الحكمة الخالد للإنسان المصرى البسيط فى مواجهة ثنائية الحاكم المستبد والجار السو فى الخارج، ويزرع بابتسامته الأمل فى غد أكثر إشراقا.





على الحجار يتحدث لأنور عبد اللطيف وأحمد السماحى



..................................................................



.قلت لعلى الحجار لا تقل قدر حين أسألك لماذا الغياب للأصالة وسيطرة التغريب الموسيقى  على عقول الناس خاصة بعد وقوع الالتباس فى مفهوم الوطن، فى ظل شارع عبقرى ، لم يمنعه اهتمامه أغلب الوقت بمؤشر البورصة وسعر العملة وتعويم الجنيه، عن رفع معدل التذوق الموسيقى المستمد من نبع «مؤشر عمر خيرت» فى مواجهة ثقافة التوك توك؟،



اخترت على الحجار كبداية طبيعية لسلسلة من الأحاديث فى ملحق الجمعة هدفها البحث عن الجواهر .. وحين فتح باب بيته بالمقطم ورحب بفريق العمل وصديقنا المشترك الناقد الغنائى أحمد السماحى كان فى نيتى أن أسأله : لماذا انسحب الغناء الوطنى كقوة ناعمة فى زمن الضجيج والفوضي؟ ..



بدأ على الحجار الإجابة قبل أن يسمع السؤال: الموسيقى، تدين فى هذه الأيام إلى عمر خيرت، لأنه جعل الموسيقى مطلب شعبى كما هو مطلب النخب المثقفة، ومؤشر الاقبال على موسيقى عمر خيرت لم يتراجع أمام هموم الناس بالأسعار والبورصة وسعر العملة وتعويم الجنيه، ولعله قد صنع هذه الشعبية للموسيقى على طريقة نجيب محفوظ، من خلال موسيقى شديدة المحلية وفيها اتساع العالمية فى نفس الوقت، وقد حضرت وشاركت فى حفلات عديدة فى فرنسا وأسبانيا وألمانيا وجدتهم عندما يسمعون صوت الناى والقانون الشرقى يصيبهم الهوس والجنون، حتى أفلام «جيمس بوند» فلابد له فى كل فيلم من مشهد البطل جالس فى مصر أو المغرب منشغلا بفاصل من الرقص الشرقي، ومن ثم ففى تراثنا الغنائى العربى والمصرى جواهر لابد أن نستفيد منها ، وعلى سبيل المثال أيضا فى فيلم «الكنز القومي» لنيكولاس كيدج الذى تكلف أكثر من 250 مليون دولار تجد البطل يبحث عن الكنز القومى (دهب وجواهر) حتى يصل فى النهاية إلى الكنز الفرعونى المكون من تماثيل وتحف، وبمنتهى قلة الأدب والتجاوز صار الكنز ملكهم، بينما نحن لازلنا محصورين فى مشاهد زيارة الأهرامات وركوب الجمل و»كارتة» بحصانين وفى الآخر الدليل يستغلك.



> من وجهة نظرك كواحد من المولعين بالأصالة الشرقية : كيف نحل المعادلة الصعبة، ونحن نعرف أنهم لصوص ولكنهم نجحوا فى التسويق بينما نحن أصحاب الجواهر فاشلون فى الاستفادة من كنوزنا؟



لدينا تراث أثرى فوق الأرض يصل إلى 30 بالمائة من آثار العالم، لكن بسبب الواجهة التى نصدرها للسائح وهى «بتاع الجمل «يلففك» فى حارات رثة وفى النهاية يصل بك لسفح الهرم من أصعب طريق ويشاهده من أسوء زاوية للرؤية، وما يدعو للدهشة أنه فى قاموس أكسفورد باب كامل عن كوكب الشرق عندما تقرأه تشعر بالفخر، حتى أن كلمة «فلامنكو» أصلها بدأ من أيام الحروب فى الأندلس، ومن فرط براعة اللون الشرقى أنه عندما كان الجنود الأسبان يختلطون بالجنود العرب كان الأسبان يطلبون من العرب أن يسمعوهم أغنية (فلاح منكو) ، ومن هنا تحورت الكلمة بعد إهمال حرف الحاء فى اللاتينية الى «فلا منكو».



وأسوق إليك تأكيد آخر ، فمنذ خمسة آلاف سنة كانت كل الآلات الموسيقية الحديثة التى يلهث حولها العالم الآن كانت ملكا لنا، فأين نحن من الاستفادة من هذه الجواهر، ولقد شاركت فى حفل مع «دومنجو» أعظم مغنى أوبرا فى العالم كتب له الألحان والنوتة الموسيقية «عمر خيرت» بشكل أذهل 84 من العازفين فى أوركسترا «بادن بادن» لأنه لم يكتب نوتة واحدة للجميع، لكنه يكتب لكل آلة فى الأوركسترا نوتة خاصة بها تحدد مسارها ، وفى نهاية الحفل صفق له العازفون بطريقة استثنائية بالضرب على القوس لأنه كتب النوتة بشكل استثنائى أيضا، هؤلاء العازفين من كل أنحاء العالم بدأوا عزف موسيقانا المصرية والتفتيش فى تراثنا الذى لا نعرفه، مثل موسيقى «رأفت الهجان» لعمار الشريعى .



> إذن نحن أمام أزمة حقيقية، أين أنت منها؟، ولماذا تراجع انتشار جيلك أمام فقاعات الغناء التى تسود الساحة الحالية وتضرب البنية الأساسية للذائقة العربية الأصيلة؟



ـ أنا موجود بقوة من خلال ألبوماتى الغنائية التى تصدر بانتظام، وقريبا سأصدر ألبوما غنائيا لى ربما يعدل المزاج العام قليلا، وأيضا من خلال حفلاتى الشهرية فى ساقية الصاوى أرى نوعا من التجاوب الذى يرضينى ، وعلى العكس جيلى ليس فى حالة كسل أو تراجع، ولكن ربما ما حدث من عمليات تجريف فى المجتمع كله جراء تراجع التعليم ودرجات الوعى كان السبب الحقيقي، زمان كان فى المدرسة «ملعب كرة قدم، وفوللى بول وباسكت»، وحصتى رسم، وأشغال، وحجرة للموسيقي، وكان التعليم يأتى ثانيا بعد التربية، كان هناك مشرف اجتماعي، وغالبا مشرفا لفحص الظروف النفسية التى قد تعوق التلميذ عن التفاعل مع العملية التعليمية، أما الآن فلو أدخلت ابنك مدرسة حكومية «هايبوظ» لأن عدد التلاميذ يصل فى الفصل الواحد إلى مائة طالب، وبالتراكم الزمنى تفقد الأجيال المعرفة البسيطة، وحتى عندما ظهر برنامج «القراءة للجميع» لم يواكبه حملة أو حملات فى القرى والنجوع لمحو الأمية، وكانت النتيجة أنه تم طبع كتب تراث عريقة ولم تجد طريقها لقارئ جديد، الآن أضيف إلى الأمية أسعار الكتب الخرافية، وبالتالى لم يتبق سوى خمسة فى المائة فقط هم الذين يقرأون، وترتيبا عليه لم يظهر فى الأغنية خلال السنوات الخمس الأخيرة الا أصوات الدرجة الثالثة ضعيفة لا يمكن أن تقارنها بمطربيين زمان، وهم ليسوا نتاج موسيقى فقط ، فلو قارنت بين تترات المسلسلات مثل «ليالى الحلمية»، أو «بوابة الحلواني»، وتترات مسلسلات هذه الأيام ستجد أن الأخير يصنع التتر لكى يضعه فى ألبوم، بمعنى أن عينه على التوزيع وليس الرسالة الغنائية بتوظيف يخدم العمل الدرامي.



> على ذكر تترات المسلسلات وأنت أكثر المطربين العرب على الإطلاق فى أداء هذا اللون.. كيف يتم اختيار مطرب التتر؟



ـ يؤسفنى القول بأن المسألة الآن عشوائية، فالمطرب لا يختار المسلسل ولا المخرج، بل المنتج هو الذى يختار وفقا لغرضه التسويقي، بينما فى الماضى كان مخرج مثل العظيم «إسماعيل عبد الحافظ» يحرص على وجودى وغيرى ممن يجيدون الغناء الدرامى وتوظيفه فى المسلسل، وهذا ليس فيه ظلم للجيل الحالى من المطربين فلكل عصر جيل من السميعة.



ـ لكنى من خلال المراقبة فى الخمس سنوات الأخيرة لاحظت أن الشارع المصرى لم يعد يردد» تترا جديدا.. كيف تفسر ذلك؟



ـ تتر المسلسل لم يكن مجرد عمل إبداعى لمطرب وحده، بل لابد من شاعر وملحن يستلهم جوهرومفردات العمل الدرامي، فمثلا «سيد حجاب، عبدالرحمن الأبنودي،عمار الشريعى ،عمر خيرت، ياسر عبدالرحمن، هؤلاء كانوا قمم، وكان هناك مخرج لديه رؤية فى نسج خيوط هذه التوليفة ببراعة، فتجد عمار الشريعى قد برع فى هذه التوليفة الموسيقية، وسار وراءه كثيرون، حتى فى الموسيقى البحتة « للتتر» مثل (زينب والعرش) و(دموع فى عيون وقحة)، الوحيد الذى اختلف وقدم لونا خاصا به هو عمر خيرت.



> هذا ينقلنا إلى موضوع رسالة العمل الفني، والذى أصبح الآن بدل أن يرتقى بذوق الناس أصبح يرفع شعار «الشباك عاوز كده»؟



ـ للأسف هذا صحيح، فمنذ 8 سنوات لم تكن تسمع فى مسلسل جملة «يابن الكلب»، الآن المسلسلات صار فيها «أباحة»، وقلة أدب، وقمصان نوم، وهذا جائز فى السينما، أما فى الدراما التليفزيونية التى تدخل بيوت الناس فلا يجوز، كانت الدراما زمان تعلم الناس التقاليد الراقية، والذوق، والنبل والشهامة، فمثلا فيلم «حياة أوموت» كانت الشرطة مشغولة فى قضية معينة، وفجأة صار هم الشرطة رقم واحد هو الدواء الخطأ الذى قد يتسبب فى موت إنسان، وتحركت الاذاعة والمجتمع كله لمنع الضررعن إنسان .. هذه هى رسالة الدراما.



> يبدو لى أنك تحيل الأمر برمته إلى أن بداية الأزمة تتلخص فى الإنتاج؟



مؤكد أن بداية المشكلة هى الإنتاج، لكن تبقى هناك عوامل أخري، ومنها أن التكنولوجيا الحديثة أضرت صناعة الأغنية، والسينما، زمان كان هناك أكثر من 150 شركة انتاج للكاسيت، أما الآن فعدد الشركات لا يزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة ، وكل هذا الدمار بسبب الأنترنت والقرصنة، وهنا تأتى مسئولية اتحاد الاذاعة والتليفزيون، وشركة صوت القاهرة ، فالمسلسلات يجب ألا تترك لمنتجين هدفهم الربح، والفن يجب أن يكون مدعوما من الدولة مثل رغيف العيش، فوظيفة الدولة ليس فقط الارتقاء بالذوق العام، ولكن أيضا صناعة التاريخ، حتى الآن لم ننتج فيلم يليق بحرب أكتوبر، فى الخليج لا يوجد مطرب مشهور إلا ووراءه راع كان شيخا أو أميرا وهذا ليس عيبا، فهؤلاء الأمراء هدفهم الإرتقاء بفن بلاده.



> دعنا نحلق نحو دفة أخرى من الحوار ونسألك: كيف تصبح مصر «حلوة الحلوات» كما قال الراحل العظيم سيد حجاب فى «بوابة الحلواني» ؟



هذا ليس حلما صعب المنال ياصديقي، ومصر ماتزال حتى الآن حلوة الحلوات وستبقي ، ولكن ليس بالكلام ولا بالشعارات، لكى نصير(أم الدنيا) بجد لابد أن نرتقى أولا بالفنون، ثانيا بالتعليم والصحة، لابد أن أبنى الإنسان كـ»بنى آدم» ثم أطور الأغنية، وأرقى ذوقة لكن طالما هذا الإنسان غير مضبوط «كبنى آدم» لا يمكن أن أقول أن بلدى أم الدنيا، وحلوة الحلوات!



> تعاملت مع الوالد كواحد من أساطين الطرب الشرقى الخالص، كما تعاملت مع الإبن «أحمد» وهما جيلين بينهما أكثر من خمسين سنة.. كيف ترى الفرق من وجهة نظرك؟



ـ أنا استفدت كثيرا من نصائح أبى رحمه الله، وأتعلم الجديد من أحمد إبني، فوالدى تخرج على يديه جيل من المطربين مثل «الحلو ومنير ومدحت صالح ولطيفة» تعلموا منه الكثير، وأهم ما تعلموه النطق السليم لمخارج الحروف، وأنا أيضا تعلمت من خبرته مخارج الحروف والنطق لأنهما البداية الصحيحة لأى مطرب، لكننا نشاهد ونسمع الآن مطربين مشهورين لا يجيدون النطق السليم، وربما يرى البعض «محمد منير» صاحب مدرسته فى الغناء ، حيث يعتمد السلم الخماسي، وهو ليس من مدرستى أنا والحلو وهانى شاكر ومدحت صالح، ورغم هذا الاختلاف عن مدرسة منير لايمكن لمنير أن يخطئ فى نطق حرف أو يمد حرفا لا يستحق المد، ومن المفارقات العجيبة أن بعضهم يحفظ الأغنية منقولة بأسلوب غناء جورج وسوف التى نقلها عن عبد الحليم حافظ مثلا ، وكذلك أم كلثوم من صوت آمال ماهر، وهى ظاهرة يبدو فيها الشعراء استنساخ مخل عن المغنى الأصلي.



> لنقترب من عالمك الشخصى أكثر: كيف تم صناعة كيان على الحجار الفني؟



ـ من حسن حظى أن تعاونت مع أعظم شعرا وأعظم ملحنين، وقبل ذلك دخولى الكتاب وتعلم القرآن أولا، ثم النقلة الكبرى حين قابلت المبدع الرائع «صلاح جاهين» ويختارنى وأعمل مع شاعر الأغنية المبدع «عبد الفتاح مصطفي» فى ذلك الوقت، ثم جاء جيل جديد من شعراء مبدعين مثل «جمال بخيت وابراهيم عبد الفتاح.



> لماذا لا تجرب مثل غيرك فكرة التعاون مع شركات معروفة فى الدول العربية فى ألبومك الجديد ؟



> والله الفكرة مطروحة والمبادرة ينبغى أن تلاقى صدى من جانب الشركات، خاصة أن فكرة الألبوم الجديد فيها بعد عربى محلى تعتمد على جولاتى فى العديد من محافظات مصر والدول العربية، وقد فوجئت بأن الحكاية تتطلب أكتر من ألبوم وليس واحدا، فهذه المرة عملت أغنية سواحلى من بورسعيد، وأغنية من جنوب سيناء وأغنية من الصعيد وأغنية كويتي، وأغنية جزائري، إلى جانب أغانى أخرى عادية، بحيث لا تكون الجرعة شديدة وتكون منوعة ، فيبقى فى النهاية من الجمهور من يرد أن يسمع أغنية عاطفية عادية ، ومن يريد أغنية فولكلور شعبى .. كل يجد ما يحب، وبالمناسبة هذه الفكرة بدأت من عشر سنوات من خلال مشروع راودنى تحت عنوان «100 سنه غنا» حيث يتطلب هذا إعادة إنتاج أجمل الأغنيات خلال 100 سنة مضت.



ـ أفهم من هذا أنك قصدت أن تقدم وصف مصر بالغناء فى 100 سنة من خلال إعادة تقديم ألوان الإبداع لأساطين الغناء؟



ـ نعم قصدت إعادة الغناء من أول محمد عثمان وعبده الحامولى والشيخ زكريا احمد وسيد درويش وعبد الوهاب والقصبجى والسنباطى ومع الملحنين حتى بليغ حمدى ،



، ربما يبدو الأمر صعبا جدا وشاقا أن تختار لكنى حمدت الله أن شباب مصر بعد 25 يناير لازالوا يتذوقون الغناء التقليدى الطربى القديم، بعدما كنت فقدت الأمل بعد موجة غناء التوكتوك والمهرجانات .



> كيف ولدت فكرة «وصف مصر» التى يقدمها مطرب لأول مرة حتى الآن؟



ـ الفكرة جاءت بالصدفة، فعندما كنت أعمل مع «محمد عبد القادر» فى أغنية «ياطالع الشجرة»، وهو بورسعيدى يغنى ويعزف السمسمية تابعته جيدا وهو يدندن، قلت والله فكرة، وعلى الفور أضفتها لما سمعته من الفولكلور الصعيدى من الأبنودى ومن «عبده رؤوف» الله يرحمه، وهو الذى أسمعنى أعمال اسكندرانية وجدت أن بلدنا مليئة بثروات كثيرا ، ثم دخلت على النت لاجد من جنوب سينا وشمالها فنوناً عظيمة جدا جدا، قلت لماذا لا نبرز هذه الروائع لتكون بمثابة عمل ما يشبه «وصف مصر» بدلا من إضافة فكرة «100 سنة غنا» التى لم تكتمل، لأنها تحتاج لإمكانات مادية ضخمة»،



> وهل تتوقع نجاحها بين الشباب اليوم؟



الشباب يريد غناء يخرج من جواهم ذلك العفريت الذى ربما تكون بسبب أزماتهم النفسية والإجتماعية.



> دعنا نحلق فى سماء السياسة قليلا ونذهب بك إلى محطة أعرف أنها محببة إليك فى مسيرتك الغنائية وأسألك بطريقة مباشرة : أنت متهم بالتمهيد الغنائى لثورة 25 يناير ؟



ـ أولا أحب أن أذكرك بأنه عندى أغان سياسية كتيرة جدا ، ربما تفوق الـ 100 أغنية، مثل أغنية «السائرون نياما» كلمات الشاعر الكبير جمال بخيت والتى يقول مطلعها:



فدان أرض الغلابة  اتباع من غير حساب



وليه عند الغلابة  ناسيين يوم الحساب



وقبل الثورة بسنتين قدمت «متغربيناش» وهناك ألبوم كامل يحذر من التشتت الذى حدث بعد حرب الخليج (لم الشمل)



أما محطة 25 يناير فبعد الثورة قدمت ألبومين فى 2011 و 2012 ، ومعظمها أغانى سياسية مباشرة ، من بينها أغنية للشيخ «عماد عفت» تحت عنوان « مسلمين ونصاري»، فضلا عن رائعة الأبنودى «ضحكة المساجين»



> أفهم من هذا أنك كنت تقصد « تأريخ الأحداث السياسية بالأغاني» لانها هى التى تبقى طويلا فى ذاكرة الأجيال؟



بلاشك قصدت هذا، بحكم معايشتى فى الميدان لنوعيات مختلفة من البشر والناس خاصة الشباب، وغنيت فى الميدان ربما لم أتمكن من الاحتكاك بالشباب بطريقة مباشرة، لكن «شميت دخان مرتين تلاتة، لكن لم أشارك فى المواجهات، سلاحى هوالغناء، رغم أن الأغانى السياسية التى قدمتها كتيرة لكن حجمى صغير مقارنة بالشيخ إمام ومارسيل خليفه، فلست مصنفا كمطرب سياسى من وجهة نظرى المتواضعة.



> كل المطربين والمطربات العظام كانوا يدعون لتقديم اللون السياسى فى المناسبات والاحتفالات .. وأنت من هؤلاء.. ألست معى فى هذا؟



ـ حدث فعلا.. كانوا يستعينون بى فى احتفالات أكتوبرمن كل عام، صحيح لم يساندنى أحد لكن كان هناك حديث دائما حول مصداقية ما أقدمه من غناء وطنى معبر، وأظنه سيبقى مضيئا فى مسيرتى الغنائية باعتباره جزء اً من الشعور الجارف نحو بلدي.



> لاحظت من غلاف ألبومك «ضحكة المساجين» إنك قد أهديتها لعلاء عبد الفتاح .. أليس فى ذلك نوع من التسرع قبل كشف الحقيقة؟



ـ نعم معك حق .. وقتها الحقيقة كانت ولازالت غائبة ولم تكن المعلومات التى تدينه بشكل مباشر قد توفرت، كما ظهر من التحقيقات، كنا خدعنا ايضا فى قناة الجزيرة التى كنا نظن انها أيقونة ثورية.



> وبعد كل ما مضى من أغنيات سياسية : أين أنت من الأغنيه الوطنية؟



ـ بابتسامة: «بلاش نضحك على بعض لغاية ياحبيبتى يا مصر للغالية شادية، مش حصدقك»..!



> لماذا؟



ـ لأن المتاجرة بعدها والكذب كان فوق وتحت!!



> أكاذيب أم حيل ؟



ـ الاثنين معا، أولها: أن إحتفالات أكتوبر من 30 سنه تطورت من نصر أكتوبر الذى قام به جيش مصر وشعب مصر إلى الإحتفال بشخص واحد باعتباره صاحب نصر أكتوبر، إذا أصبحت الحكاية كلها فى «كفر مصيلحة وإخترناك»، وأصبح الموضوع كله أننا نغنى لشخص واحد و(بالأمر) !، ومن العجيب أنه لم يكن بإمكانك الرفض أو قول لأ .. المرة الوحيدة التى قلت فيها لا جلست بعدها 4 سنوات لا يدعونى أحد.



> هل لها علاقة بأغنية سلام سلاح؟!



ـ منذ 4 سنوات دخلت المسرح لتقديم فقرة عن نصر أكتوبر، وبعد ما قدمت أغنيتى «سلام سلاح»، قال لى فرج أبو فرج وكان وقتها مدير منوعات الاذاعة: «تعال فى الآخر، الـ 14 مطرب حيغنوا كل واحد مقطع، قلت له سمعنى حغنى إيه لقيت الأغنية فيها كلمة مبارك شخصيا، قلت له ايه ياأستاذ انت عارف انى مش بغنى باسم حد، قال لى لو لم تغنيها سيكون فيه موقف قلت، أرجوك اللى فيها اسماء بلاش منها» ، المهم أننى دخلت كى أغنى وأمامى الورقة على «الاستاند» وبدأت أغنى «لقيت نفسى بعيط .. مش لأنى فوجئت بـ»ا اسمه» إنما بسبب القهر، إنك انت لازم حتغنى ده دلوقتي، وطبعا قاعدين فى الكنترول سماعات كبيرة فسمعوا البكا.. انتفض فرج وقال: تعال وقال لى خلاص ثم خرج الى المسرح، وقال : الاستاذ على بعد ماغنى صوته اتبح ومش عارف يتكلم، وقال للموجودين ده اللى حيتقال ياجماعة فاهمين .. طبعا وصل.



وبعدها جاءت لى مخرجة برامج، كانت صديقة للعائلة وقالت لى : بالأمس كانت سهير الأتربى تجمع مخرجين الهوا وتقول لهم ممنوع اذاعة أى أغنية لعلى الحجار، ولا أخفيك أنى كنت سعيدا لأنى لن أكون صادقا فى حال طلبى للغناء حين أقدم اغنية دينية فيها الله أو إسم محمد «صلى الله عليه وسلم « أو يامصر هذا الثلاثى أنطقه من قلبى وبحس قوى .. لكن أن أغنى باسم واحد فقط هذا أمر ثقيل على حنجرتي!!..



ـ لكنك غنيت النسر المصرى شق السما.. وكانت رائعة ومن قلبك



ـ سر روعتها ،أن مدتها 12 أو 13 دقيقة وتتحدث عن كل الأسلحة مثل الصاعقة والمظلات وغيرها، وفى المنتصف منها «االنسر المصري» وهى أغنية من أجمل ما كتب عبد السلام أمين :

 



النسر المصري شق السما ... و ضرب و كتب اعظم ملحمة .



الارض اتزلزلت و سمانا جلجلت ... و الدنيا بحالها قامت بالفرحة هللت..



 



وغنيت تلك الأغنية وأنا فرحان، ليس لشخص بل لأنى أغنى لانتصار أكتوبر الحقيقي، لقد كنت آهرب من فكرة الأغنية الوطنية التى توصلنى لحد النفاق .. فالنفاق على مر السنين جعلنى غير قادر على تصديق أى أغنية وطنية بعد «ياحبيتى يامصر» حتى أغنية «يابلادي» التى برزت فى ثورة 25 يناير ليست لإبداع «عزيزشافعى ورامى جمال» بل لأنها كانت أغنية بليغ حمدى ، يعنى الذكرى الجميلة المستمدة من روح بليغ هى التى أشعرت الناس بمعنى الوطن، فى وقت كان الناس فيه مرتبكين حول شكل وملامح هذا الوطن ، وبرغم كل ذلك يظل لدى فخر بأنى قدمت أغنيات لافتتاح القناة على حسابي، منها أغنية (شعبنا الجيش) و(أنا المصري) وأهديتها للجيش ، وهى من وحى مشاعر الضابط الذى رافقنا أثناء التصويرفى قناة السويس، فقد كان خريجا فى معهد سينما وضابط احتياط ، وكان وقتها قد أمضى 3 سنوات فى الخدمة وباق له ثلاثة أشهر فى خدمته، لكنه يبدو حزين جدا لخروجه من الجيش، قلت له: يارامى بقى انت زعلان إنك خلصت مدة الجيش .. قال لي: ياستاذ على احنا بقا لنا 3 سنين نصور الشهدا اللى بيموتوا فى الحرب ضد الارهابيين وكل عملية نقوم بيها: أقول نفسى استشهد نفسى أموت !.



> ماذا يعنى لك «عم بطاطا» الآن ؟



ـ يضحك فى خجل مسكون بدفء شتائى قائلا من كل قلبه، وكأنه يشاهد عم بطاطا بعد غياب طويل ويقول:



«عم بطاطا مشكلته إنه بيفك مشاكلة بنكته، عم بطاطا لئيم غصب عنه يقف متكتف، بس بكيفه يفك حباله»، لقد كتبها جمال بخيت بحكمة وفلسفة قوية، وبالطبع هو يقصد «بطاطا الراجل المصري» خاصة عندما يقول:



«عم بطاطا يقول الراوي/



يخبى الحكمة فى جيب الحاوى /



ينفخ ناره عشان تصفى له / وبنكتته بيداوى بلاوى /



عم بطاطا يزك الزكة /



يعبر سينا ويفتح عكة /



ويصبر على الجار السو/ 50 سنه ويقول دول فكة»..



 



كان يقصد اسرائيل التى ظلت 50 سنه تحتل فلسطين، وهذه الأغنية فيها معادلة أنك بتتكلم عن أعماق الشخصية المصرية





> هل الالتباس فى مفهوم الوطن كان واضحا .. أم ماذا حدث بالضبط فى ظل عوامل التعرية فى حياتنا المصرية ؟



ـ يضع الحجار يده على خده متأملا وقال : بالنسبة لى كان اللبس واضحا، فى زمن عبد الناصر يسافر المدرس المصرى كى يعلم الاشقاء العرب ، ويقبض راتبه من الدولة المصرية، لكنه الآن أصبح لديه كفيل يقلده،أحيانا يمارس طقوس المتطرفين منهم، مرتديا جلبابا ويطلق اللحية مع بنطلون قصير، وعلى دربه تتنقب زوجته، ويرجع بعد 30 سنه ، يشترى شقة، بعدما يكون قد كون نفسه وينجب بلاحساب، لقد لاحظنا أنه وولاده بعد أن تربوا هناك يعودون بنصف مصرى ونصف من البلد الذى عاشوا فيه عمرهم بثقافة تختلف تماما . طبيعى فى ذلك الوقت أن تبقى أغنية عم بطاطا أسيرة لا يراها الناس، لأنى مرة كنت أحاول أن أختتم بها فى حفلة فآتانى المرحوم «وجدى الحكيم» ليقول لى الوقت لا يسمح ..



ـ «عم بطاطا» تعبير عن ميراث الحكمة فماذا عن «متغربناش»؟



ـ اغنية (متغربيناش) للشاعر جمال بخيت، كانت تحمل صرخة لشبابنا تصلح لهذه الأيام لنقول لهم «متسافروش.. الدولة المصرية تناديكم الآن.. اشتغلوا هنا وعيشوا مع أولادكم هنا» بدلا من الضياع فى بلاد غريبة.