أريد أن أنتقل معكم اليوم في هذه السلسلة من الحديث عن الشعر المصري القديم المنظوم باللغة المصرية الفصحي، أو الهيروغليفية، إلي ما يمكن أن نجده من الشعر المنظوم بلهجتها الشعبية التي هي اللغة القبطية، لكني سأبدأ باستكمال مناقشتي للآراء السلبية التي عبر عنها الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد في مقالاته عن «الشعر في مصر»،
وأعلن فيها أن آلاف السنين مرت علي مصر دون أن تنجب شاعرا عظيما، خاصة بعد أن تلقيت عدة رسائل وتعليقات يميل فيها أصحابها لما قاله العقاد، ويرون أن مصر القديمة قدمت في الفنون التشكيلية أفضل بكثير مما قدمت في الشعر. وأنا أقف عند هذه القضية وأطيل لأنها ليست مجرد رأي في شاعر بالذات، أو في نصوص شعرية لابد أن تتعدد في قراءتها الآراء، وتختلف الأذواق، وإنما تجاوزت هذا الحد لتنكر الشعر المصري كله، وتتجاوز الشعر إلي التاريخ، وتتجاوز العصور القديمة إلي العصور الحديثة التي نعرف بعضها، ونجهل بعضها، ونحتاج إذن لمراجعة ما نعرفه، ومعرفة ما نجهله.
.................................................
وأنا لا أنكر في البداية أن قرونا مرت علي مصر لم تنتج فيها شيئا مذكورا، وأن مصر كغيرها من البلاد المتحضرة مرت بعصور مظلمة تدهور فيها نشاطها، وانحطت قواها، لكني أنكر بشدة أن نعمم هذا الحكم علي التاريخ المصري كله كما فعل الأستاذ العقاد في كلمته التي لم يشهد فيها إلا لمواويل الفلاحين التي نستطيع أن نشهد لها معه، لكنها لا تقارن بما تجاهله العقاد، أو لم يكن علي علم به، من الروائع التي تركها لنا أجدادنا القدماء، وأصبح بوسعنا الآن أن نقتنيها ونقرأها، والفضل للمؤرخين والمنقبين والعلماء الأجانب المختصين الذين وقفوا حياتهم علي البحث في تراثنا الفرعوني، والكشف عن أسرار لغتنا القديمة، وقراءة ما وجدوه من نصوصها التي ظلت آلاف السنين مجهولة منسية، في الوقت الذي كنا نحتفي فيه ـ ولا نزال ـ بما حمله الآخرون لنا من اقتباسات ونقول أصلها في كنوزنا المخبوءة التي لم يكن يعرف الطريق إليها إلا اللصوص! لا أنكر أن مصر مرت بعصور مظلمة لا نزال نعانيها منها حتي الآن، ولو أن الذين تساءلوا عن نصيب مصر من الشعر، وقالوا: إن آلاف السنين مرت دون أن تنجب شاعرا عظيما، لم يعمموا هذا النفي، وتحدثوا عن عصور بالذات تراجعت فيها الحضارة المصرية لقلنا معهم نعم، وبحثنا عن الأسباب التي أدت إلي هذا التراجع، كما أرجو أن نفعل في هذه المقالة، لكنهم في إجابتهم عن السؤال الذي طرحوه أنكروا علي مصر نصيبها من الشعر، وقدرتها علي إنجاب الشعراء العظام، وعمموا هذا الحكم الجائر علي التاريخ المصري كله، ولم يميزوا فيه بين عصور النهضة التي بلغت فيها مصر الذري، وعصور الانحطاط التي لا يبرأ منها تاريخ أمة من الأمم. والغريب حقا أن تصدر هذه الفتوي عن واحد من كبار كتابنا الذين نحمل لهم كل تقدير وإعجاب، لكننا نري مع هذا أنهم جانبوا الحق كما وضحت في المقالة السابقة، وكما سأفعل في هذه المقالة، خاصة حين نرجع للفصول الضافية التي كتبها المختصون في المصريات عن شعرنا القديم، وللنصوص التي ترجموها، ونقارن بين ما ذكروه وما ذكره الأستاذ العقاد علي سبيل المثال. العقاد يقول: إن مصر «لم تخلف لنا أثرا في الشعر كتلك الآثار التي رويناها عن أمم العهد القديم»! وفي مقابل هذا يقول أدولف إرمان وهرمان رانكن في كتابهما العمدة «مصر والحياة المصرية في العصور القديمة» في الفصل الخامس عشر المخصص للأدب، وهما يقدمان «نشيد الشمس الكبير» الذي نظم في أيام إخناتون نبي التوحيد «إنه نشيد بسيط يفيض حرارة وحمية، حتي إنه ليمكننا دون تردد أن نضعه إلي جانب الأناشيد الكبري لأى أمة أخري». إنك تسطع جميلا في جبل النور في السماء يا آتون الحي يا من عاش أولا .
إنك تنشئ الثمرة في بطون النساء وتحفظ الابن في بطن أمه وتسكّن من روعه فلا يبكي فإذا خرج من الرحم يوم ولادته فإنك تفتح فمه وتدبر ما يحتاج إليه .
إنك في قلبي والأرض في قبضة يدك أنت خلقت الناس فإذا أشرقت عاشوا وإذا غربت ماتوا!
وفي كتابه «فجر الضمير» يقف المؤرخ الشهير جيمس برستد أمام هذا النشيد مفتونا بما فيه من صور وحدت بين النور والحياة، فالحياة نور، والنور حياة، والنور يصحو، والنور ينام، ونشيد الشمس كما يراه برستد «إنجيل للجمال والرأفة، وإدراك لرسالة الطبيعة إلي روح الإنسان، وعودة قديمة للطبيعة ظهرت حديثا في إنتاج عدد من الفنانين والشعراء الأوروبيين منهم ميليه، وباربيزون، ووردزورث، وسواهم ممن تمردوا علي النماذج المحفوظة، واللغة المصنوعة، والأماكن المغلقة، وعادوا إلي أحضان الطبيعة بنورها وألوانها.
.....................................................ونحن مع ذلك نتحدث عن شعر لغة لم تعد حية علي الألسنة، ولم يبق من إبداعاتها إلا القليل النادر الذي حفظته لنا آثار تعرض معظمها هي أيضا للضياع، ونحن نقرأ ما ذكره الباحثون في الأدب اليوناني القديم، فنجدهم يقولون عن هوميروس إنه «ترك ستا وعشرين ملحمة عن أبطاله الكثيرين بعد رحيلهم من حرب طروادة، ولم يتبق منها جميعا سوي الإلياذة والأوديسة التي تروي قصة الرحلة الطويلة المضنية التي قطعها أوديسيوس من طروادة إلي وطنه إيثاكا». والمقارنة بين شعرنا القديم وشعر الأمم الأخري تسمح لنا بأن ننصف أنفسنا، وجمال حمدان في كتابه «شخصية مصر» يتحدث عن تأثير المصريين في الشعوب المحيطة بهم فيقول: إن «يهود العهد القديم كانوا تابعين لمصر سياسيا أغلب تاريخهم، سواء كانوا داخل أرضها أو في أرض فلسطين، فالحضارة المصرية دمغت كل وجودهم المادي والأدبي، بل الديني نفسه المشبع بتأثيرات مصرية عميقة، ابتداء من معمار سليمان، إلي مزامير داود»، وقد كفانا برستد مئونة البحث والمقارنة، فقدم في «فجر الضمير» فقرات كاملة من المزامير منقولة بنصها من نشيد إخناتون. وجمال حمدان ينتقل إلي ما أعطته مصر لليونان فيشير إلي نظرية آرثر إيفانز التي يري فيها أن حضارة اليونان بدأت من مصر عن طريق جزيرة كريت، وفي هذا يقول إيفانز في كتابه «قصر مينوس» إن «الحضارة الموكينية في بلاد اليونان مشتقة من جزيرة كريت، وكانت دونها في المستوي الثقافي، فقد ظهر هذا النمط الثقافي أول ما ظهر في كريت في مستهل العصر المينوي نحو سنة 2100، وهي ثقافة تشتمل علي آثار كثيرة، تدل علي أنها نقلت عن مصادر مصرية»، وهذا ما يؤكده المؤرخ اليوناني القديم هيرودوت، الذي يرد لمصر معظم ما عرفه اليونانيون في الدين والفن والتقويم والتنجيم، تسمية الآلهة، ونحت التماثيل، وحفر الصور، كما يشير إلي أصول أو روايات مصر في ملاحم هوميروس، خاصة في الأوديسة، وإلي هذه الحقائق التي تحدث عنها هؤلاء المؤرخون وغيرها، استند الشاعر المصري حسن طلب في الرسالة التي حصل بها علي الدكتوراه، وتحدث فيها عن الأصول المصرية للفلسفة، ولعلم الجمال، اقرأوا معي هذه السطور التي يقدمها لنا حسن طلب من كلمات فنان مصري قديم اسمه إيرتيسن، يتحدث فيها عن تذوقه للفن، وقدرته في كشف أسراره فيقول: «إنني أشاهد رع في تجليه.. لا تفوتني خفايا التمثال، ولا براعة رسم المرأة، ولا وقفة عازف القيثار، ولا دهشة الإنسان المستيقظ من سباته، كما لا تفوتني رفعة ذراع الرامي، ولا انحناءة العداء، وإني لأدرك سر صناعة الترصيع الذي لا تأكله نار، ولا يذيبه ماء!».
...............................................
هذه الحضارة الباذخة لم تصنع نفسها، ولم تنشأ بين يوم وليلة، وإنما صنعها المصريون وهم يصنعون أنفسهم، وهم علي اختلاف منابعهم يجتمعون في مصر، ويمتزجون فيها، ويتوطنون وينشئون مجتمعا، ويشكلون من لغاتهم ولهجاتهم لغة واحدة، ويقيمون أنظمة تحفظ لهم أمنهم ووحدتهم، وتمكنهم من إنتاج ما يحتاجون لإنتاجه في حياتهم العملية، وحياتهم الروحية، وحياتهم العقلية، ليعيشوا معا بوعي مشترك يعرفون به أنفسهم، ويعرفون العالم، ويجيبون به عما يعرض لهم من أسئلة، وما يواجهونه من مشكلات، وبهذه الشروط التي لابد أن تجتمع، وأن تتكامل نشأت الحضارة المصرية، وازدهرت بين الألف الخامس، والألف الثاني قبل الميلاد، حتي إذا تعرضت مصر للغزوات الأجنبية التي توالت عليها من بدايات القرن العاشر قبل الميلاد، إلي نهايات القرن التاسع عشر الميلادي، وفقدت دولتها المستقلة وفقدت حريتها تعرض الأساس الذي قامت عليه الحضارة المصرية لأعنف الهزات.
في القرن العاشر قبل الميلاد سقطت مصر في أيدي الليبيين، وفي القرن الثاني حكمها النوبيون، وفي القرن السابع دخلها الأشوريون، وفي القرن السادس سقطت في أيدي الفرس، وفي القرن الرابع دخلها الإسكندر المقدوني لينشئ فيها البطالمة دولتهم، ثم انتزعها الرومان من البطالمة في القرن الأول السابق علي الميلاد، ثم أصحبت ولاية بيزنطية، ثم دخلها العرب في القرن السابع الميلادي ليسلموها من بعدهم للأكراد، والأتراك والشراكسة، ثم يدخلها الفرنسيون في آخر القرن الثامن عشر، ثم يحتلها الإنجليز في أواخر القرن التاسع عشر. ونحن نعرف أن الدولة شرط أول لقيام الحضارة في مصر.
لأن مصر مجتمع مستقر منظم، يحكمه القانون، وليست تجمعات بدائية، أو قبائل مترحلة، تحتكم للقوة، وفي مصر لا يوجد شيء إلا وهو من صنع الإنسان، الأرض في مصر لا تزرع نفسها كما تفعل في بلاد أخري، والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، ولكي يعيش المصريون آمنين من الجوع والخوف، عليهم أن يصلحوا الأرض، ويروضوا النهر، ويعملوا من شروق الشمس إلي غروبها، وهم لا يستطيعون أن يؤدوا هذه الواجبات إلا في ظل دولة، والدولة هنا هي دولتهم المصرية المستقلة التي يشعرون فيها بالأمان والحرية والثقة، والاعتزاز بالنفس، والقدرة علي تحويل العمل إلي إبداع، وتحويل الواجب إلي اختيار حر، وفي هذا المناخ يتقدم الفرد والمجتمع، وتتجدد الحضارة وتزدهر، وإلا فالحكم الأجنبي استعباد لا يطيقه المتحضرون، وفي ظله ينحط الفرد والمجتمع، ويختنق الإبداع ويذبل، وهذا ما حدث في مصر طوال العصور التي فقدت فيها دولتها المستقلة، وهذا ما حدث في غيرها. الحضارة اليونانية التي تأسست عليها حضارة أوروبا، ازدهرت في القرون التي سبقت ميلاد المسيح، ثم تراجعت بسرعة حين فقد اليونانيون استقلالهم، واستولي الرومان علي بلادهم التي اضمحلت حين صارت ولاية بيزنطية، ثم انهارت تماما حين سقطت قي يد الأتراك في القرن الخامس عشر، والأسماء الكبري التي ظهرت في عصر الازدهار الذي لم يطل مثل هوميروس، وهزيود، وسافو، واسخيلوس، وسوفوكليس، وأفلاطون، وأرسطو لم يظهر بعدها اسم واحد في أي ميدان من هذه الميادين. وروما التي حكمت العالم بين القرن الثاني قبل الميلاد، والقرن الثالث بعده، سقطت في يد القبائل الشمالية المتبربرة، ودخلت هي وأوروبا كلها في عصر انحطاط لم تنهض منه إلا في القرن الخامس عشر، والحضارة الرومانية لم تعرف اسما كبيرا في الشعر إلا فرجيل، الذي عاش في القرن الأول السابق علي الميلاد، ولم يقدم إلا الإنيادة التي حاكي فيها ملاحم هوميروس. الفرق بيننا وبين اليونان والرومان أن عصور الانحطاط عندنا طالت بعد أن فقدنا دولتنا الوطنية المستقلة، وفقدنا بعدها كل ما يتعرض للفقدان من مقومات الشخصية الوطنية تحت حكم الأجانب، الذين يفرضون سلطتهم، ويفرضون ديانتهم، ويفرضون لغتهم علي الشعوب المغلوبة، وهذا ما حدث لنا كما حدث لغيرنا، لقد عشنا في ظل الحكم الأجنبي أكثر من ثلاثين قرنا، غيرنا خلالها ديننا ولغتنا أكثر من مرة، في الدين انتقلنا من عقائدنا الأولي إلي المسيحية، ثم انتقلنا من المسيحية إلي الإسلام، وفي اللغة انتقلنا من المصرية الهيروغليفية إلي المصرية القبطية، ثم تنقلنا بعد الإسكندر بين القبطية واليونانية، ثم تنقلنا بعد الفتح العربي بين اللغات الثلاث، بعضنا ينطق بالقبطية، وبعضنا باليونانية، وبعضنا بالعربية، وبعضنا بلغتين، وبعضنا بها كلها، وفي هذا المناخ لم يكن ممكنا للشعر أن يزدهر، لأن الشعر هو الوعي الكامل الذي لا يتجزأ ولا يتعدد، مثله مثل الحب الذي لا تكون فيه قسمة، ولا يكون فيه شريك، من هنا تراجع الشعر، وأصبحنا مهددين بالصمت في وجود ثلاث لغات كانت علاقتنا بها ضعيفة. لكن الشعر في مصر لم يمت. اقرأوا معي هذه الإيبجراما للشاعر اليوناني السكندري هيديلوس، الذي ولد في آخر القرن الرابع قبل الميلاد في جزيرة ساموس اليونانية، ثم رحل إلي الإسكندرية حيث أقام أيام حكم بطليموس الثاني فيلادلفوس، الذي تربع علي عرش مصر في النصف الأول من القرن الثالث قبل الميلاد. والإيبجراما مقطوعة شعرية قصيرة يمكن أن تنظم في أي موضوع، والشراب هو موضوع هذه الإيبجراما، فباستطاعتنا أن نسميها خمرية، أقبلوا أقبلوا أيها الندامي.. يا عشاق النبيذ الرقراق! وانظروا إلي هذه المزهرية في معبد أرسينوي العطوف حاضنة الرياح الغربية. تلك المزهرية التي تذكر بكأس الشراب المصري، شبيه الإله الراقص،الذي ينفخ في مزماره عالي النغمة، فتنبجس الخمر من الدنان، إنه لا ينشد بفمه الذهبي نشيد الحرب، لكنه يدعونا للمرح الصاخب، كما تفعل مياه النيل المقدسة، إذ تغني أغنيتها الأزلية المتدفقة فيصغي لها حاملو القرابين! ألا تذكرنا خمرية هيديلوس بخمرية مواطنه السكندري سيد درويش: هات المدام ماتيالله امال نشرب؟! أما هذا النص فهو مأخوذ من «الاجبتيانا» أسفار التكوين المصرية التي جمعها المؤرخ المصري القديم مانيتون السمنودي، الذي عاش في القرن الثالث قبل الميلاد، وقدم منها نسخة باللغة الديموطيقية ـ لغة الشعب ـ وبعد ذلك ظهرت النسخة القبطية التي تناقلتها الأجيال حتي استطاع الباحث المصري المعاصر علي الألفي أن يقدم لنا منها نسخة باللغة العربية، نقلها عن الراهب الأب أبيب النفادي، الذي ولد في الستينيات الأخيرة من القرن التاسع عشر، وعاش في المنصورة إلي الأربعينيات الأخيرة من القرن العشرين، وهذا النص الذي أقدمه لكم مقطع من الإصحاح الثالث الذي يروي فيه مانيتون كيف أوحي إليه أن يجمع هذه المتون: قضيت أنا مانيتون السمنودي عبدالإله أوزيريس العام الأول من حكم ثاني البطالمة ضيفا علي معبد سيرابيس القريب من عمود بومبي، وبعد قداس المساء وصلاة أول الليل، دعاني المقربون من أتباع الملك، والمبجلون من كهنة المعبد، إلي وليمة القرابين المقدسة. وشربنا مع الوليمة أباريق من نبيذ البلح والعنب، مقدمة إلي المعبد سكائب قربان، وما إن وضعت رأسي علي الوسادة في حجرة نوم كبير الكهنة التي تركها لي، حيث سافر إلي عين شمس، حتي انتبهت مذعورا. أيقظني الإله حورس في هيئة الصقر مستخدما أجنحته المصوغة من الذهب والياقوت والزمرد، وكانت ترافقه الأم الإلهة إيزيس التي كانت تلبس رداء أرجوانيا أبهي من زنابق الحقول، من زهور اللوتس، وابتسمت لي الربة الإلهة، وربتت علي كتفي، كذلك ابتسم لي الإله أوزير وطمأنني بأنه لم يأت ليأخذني معه إلي الغرب، وقدم لي جبار أحد معاوني رع رب الأرباب الذي يسميه الكنعانيون والأدوميون «لا»، وتسميه القبائل العبرانية والسامية ألوهيم. اختفي الثالوث المقدس، وحملني جبار علي ظهره الذي يشبه ظهر الحصان، وطار بي مستخدما أجنحته الذهبية صاعدا إلي السماء، وتوقف جبار عند الجميزتين السماويتين المقدستين اللتين تقفان شامختين عند مدخل طريق النور المؤدي إلي العرش السماوي، وخلع جبار أجنحته الذهبية وركبها في كتفيّ وأشار لي أن أواصل الطريق إلي عرش رب الأرباب، وفهمت منه أنه لا يستطيع تجاوز الجميزتين المقدستين وإلا احترق!.
ألا يذكركم هذا النص بالإسراء والمعراج، وبرسالة الغفران، وبالكوميديا الإلهية؟ كيف انتصرت مصر علي الصمت؟ وكيف استعادت قدرتها علي قول الشعر؟