أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
الصدمة القاسية
6 يناير 2017
000


أكتب إليك رسالتى بكل ما فيها من حقيقة مرة أعيشها وأتعذب بها ليلا ونهارا,فما أصعب أن يوضع أحد فى هذا الوضع العصيب الذى أعيشه, ودعنى أروى لك قصتى كاملة لكى تتبين الجوانب الأخرى فى حياتي، والتى أوصلتنى إلى ما أحياه الآن، فأنا شاب فى الثانية والثلاثين من عمرى، توفى أبى وأنا فى سن صغيرة, وكان فارق السن بينه وبين والدتى كبيرا جدا, فوجدت نفسها أرملة وهى لم تكمل الثلاثين بعد، مما دفعها للدخول فى مغامرات عاطفية كثيرة, ولجأت إلى الزواج العرفى تارة، والسرى تارة أخري, وسارت حياتها على هذا النحو, ولم تكن لدينا مشكلة مادية، فلقد ترك أبى لنا ثروة كبيرة, وكنت على يقين من الأفعال المؤلمة لوالدتي, فكانت تخرج من البيت بحجج واهية, وأحيانا تأتى بمن تتزوجه فى غيابي.

ومرت الأيام، وأنا كاظم غيظي, ولا حول ولا قوة لى معها, وتخرجت فى كليتى, والتحقت بوظيفة كبرى فى محافظة ساحلية, فوجدتها فرصة للبعد عنها ولو لبضعة أيام, فالحقيقة أنها علاوة على موضوع الزواج السري, ترتدى الملابس المثيرة, وتصبغ وجهها بكل ألوان الطيف،وأجد حرجا من زملائى عندما ينظرون إليها, إذ تعلو وجوههم علامات الدهشة والاستغراب أن تكون هذه أمى، وحاولت الاقتراب من أسرة أبي, بعد أن قاطعونا بسبب تصرفات أمى لكننى وجدت منهم جفاء شديدا, ولم يحسنوا استقبالى, وقالوا لى كلمات لاذعة عن أمي, فخرجت من عندهم أتصبب عرقا, وخلوت إلى نفسى وبكيت كثيرا, ثم اتخذت قرارا بأن أهاجر إلى المحافظة التى أعمل بها, وبالفعل اشتريت شقة فيها وحصلت على سيارة بالتقسيط من خلال عملي, وأصبح لى عالمى الخاص من العمل إلى البيت, ومن البيت إلى العمل, وركزت كل جهدى فيه ونلت تقدير رؤسائي.

وجذبتنى زميلة لى برقتها وعذوبتها وروحها الجميلة, فتعرفت عليها ودارت بيننا حوارات كثيرة, وتأكدت أنها الفتاة المناسبة لي, وشاورت عمى فى الموضوع, فناقشنى فيه كثيرا, ولما اقتنع برغبتي, وبأسرة فتاتى حدد لى موعدا لزيارة أسرتها, وأبلغتها به, وكان الجميع فى استقبالنا, وشعرت عندها بالدفء الأسري, ومنيت نفسى بحياة مستقرة وسعيدة معها، ولما سألونى عن والدتى أخبرتهم بأنها مسافرة, وعدت إلى بيتي, وأنا أفكر فى الأمر، وطلبت والدتى وحكيت لها ما حدث, فلم تسألنى عن العروس ولا عن أهلها وباركت خطوتي, وقالت إنها سوف تحضر حفل الخطبة, فوجدتنى ألح عليها بأن تغير طريقة ملبسها ومظهرها على الأقل أمام أسرة فتاتي, وألا تتحدث كثيرا معهم فوعدتنى بذلك!

وجاء يوم الخطبة, وبينما كنت أجلس فى «الكوشة» مع خطيبتى دخلت أمي, وكان مظهرها العام لا بأس به استجابة لما وعدتنى به, لكن المفاجأة أن نظرات الحاضرين اتجهت صوبها, وبدت علامات الغضب ممزوجة بالدهشة على وجوه من حولنا, حتى أمى نفسها اصفر وجهها, وتغيرت معالمه من الضحك إلى العبوس, ومضت نحوى بخطوات سريعة, وسلمت علىّ وهى مضطربة، وبدت وكأنها لا تعرفنى. وقبل أن أخبر خطيبتى بأنها أمى باغتتنى متسائلة: من هذه السيدة؟ وما صلتك بها؟ .. لقد تزوجها ابن عمى سرا وكانت العصمة فى يدها، ولما افتضح أمرها, ضغطت العائلة عليها لتطليقه فلم توافق ودخلنا فى صراع معها حتى أجبرناها على الطلاق.. سمعت كلماتها ولم أرد، وضاعت الفرحة من قلبى طوال الحفل!

لقد خرجت أمى سريعا, ولكن تداعيات حضورها لم تنته، إذ تلاحقنى فضائحها, وألاحظ تحفظا كبيرا من أهل خطيبتى فى تعاملهم معى مع أنهم لم يعرفوا بعد علاقتها بي, وربما بلغت بهم الظنون إلى حد أننى أحد الشباب الذين اصطادتهم, ولا أدرى ماذا سيكون موقفهم لو علموا أنها أمي؟ لقد قتلنى التفكير ووصلت إلى حالة احباط شديدة, فهل أجد لديك حلا لما أنا فيه؟!



ولكاتب هذه الرسالة أقول:



أخطر آفة تصيب أى أسرة هى انصراف الأب والأم أو كليهما إلى ملذاتهما وحياتهما الشخصية دون اعتبار لما يترتب على سلوكهما من تدمير أبنائهما، وضياع سمعتهما بين الناس, فالأب الذى يترك أسرته ويبحث عن علاقات نسائية لا يختلف عن الأم التى تصنع الصنيع نفسه, فتصاحب الرجال, وتصطاد الشباب طلبا لمتعة زائلة, فينشأ الأبناء ضحايا لهذه البيئة الفاسدة, وينظر الآخرون إليهم نظرة دونية مهما بلغوا من درجات العلم والأخلاق وحسن السلوك، وأنت واحد من أمثال هؤلاء الأبناء الضحايا, فعندما تزوج والدك الراحل من والدتك كان فارق السن بينهما كبيرا, وربما وافقت عليه والدتك مرغمة من أهلها من منطلق أنه ثرى وسوف يضمن لها حياة مستقرة, وبالتالى لم تشعر بشبابها وأنوثتها مثل البنات ممن هن فى مثل سنها, وما أن رحل عن الحياة، حتى التفتت إلى نفسها وجمالها, فراحت تبحث عمن يعوضها عن حرمانها من السعادة الزوجية مع الشباب صغار السن, وانجرفت إلى هذا السلوك حتى بعد أن بلغت الخمسين من عمرها, وبأموال أبيك تزوجت واحدا بعد الآخر, وهكذا صارت الحياة الزوجية بالنسبة لها لعبة تتسلى بها, وتغير الأزواج بعد أن تنال منهم حاجتها،

ودارت الأيام, وجاء يوم خطبتك لتعيش هذا المشهد المؤلم أمام المدعوين من أهلك, وأهل فتاتك, وإذا كنت قد التزمت الصمت أمام سؤال فتاتك عن حقيقة هذه السيدة, فإنك لن تستطيع أن تخفى ذلك إلى الأبد, فحتما سوف تعلم يوما «الحقيقة المرة», ولا سبيل أمامك لتجاوز ما حدث إلا بالحديث الصريح والمباشر مع أسرة من ارتبطت بها بالاستعانة بعمك الذى ساندك فى خطبتها, فهو رجل عاقل, ويستطيع أن يستوعب غضب أسرتها من والدتك لما صنعته, وما ارتكبته فى حقكم جميعا، ولتعلم أسرة فتاتك أنها تشترى شابا ناجحا يحترمه الجميع, ويشيدون بأخلاقه، وإذا كانت أمك قد أخطأت ببعض التصرفات الطائشة فإن ذلك ليس ذنبه،ويكفيه أنه اتخذ موقفا قاطعا بالحياة بعيدا عنها.

على جانب آخر، أرجو أن تكون والدتك قد تعلمت الدرس مما حدث, وأن تعيد النظر فى تصرفاتها وهى فى هذه السن المتقدمة, وكفاها استهتارا بالعادات والتقاليد والأخلاق، وكفاها أيضا ما سببته لك من آلام ومتاعب، وعليها أن تكف عن هذا السلوك الذى ينتقص منها, فلكل سن جلالها واحترامها، ولتكن البداية بالملابس المحتشمة والمكياج الهادئ الذى يجعل الناس يغيرون نظرتهم إليها, ويشعرون بأن شيئا فيها قد تغير, وأنها عادت بالفعل إلى رشدها.

ولكل الآباء والأمهات أقول: رفقا بالأبناء, فهم يتخذونكم قدوة, ويسيرون على دربكم, ولذلك قيل: «من شابه أباه فما ظلم»، فكل تصرف تكون له انعكاساته على الأبناء, وكذلك السلوك العام والأخلاق ونظرة الآخرين، ولا يعيش الإنسان لنفسه فقط, وإنما يحيا أيضا لأبنائه فيربيهم تربية صالحة, ويوجههم التوجيه السليم, وينير لهم طريق الصواب، أما الآباء الضالون فيجنون على أبنائهم الذين قد لا يجدون من ينتشلهم من عالم الضياع فيسقطون فيه!

وأخيرا.. عليك أن تثق بنفسك وقدراتك, وأن تأمل خيرا, وأسأل الله أن ينير لك الطريق، وهو عز وجل على كل شيء قدير.