أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
الانتصار على القمامة.. هل يبدأ من بورسعيد؟!
4 يناير 2017
> تحقيق ــ هاجر صلاح


◙ «الأهرام» ترصد المنظومة الجديدة بعد شهرين من العمل



 



 



بعد استحداث وزارة التطوير الحضرى والعشوائيات فى يوليو2014، وتولت حقيبتها د. ليلى إسكندر، كانت بورسعيد أولى محافظات الجمهورية فى تطبيق منظومة الجمع السكنى للقمامة، مع فصلها من المنبع، تمهيدا لإعادة الاستفادة منها.



بحيث تتخلص الشوارع من مشكلة القمامة تماما بلا رجعة. إلا أنه بعد 14 شهرا فقط- وثلاثة أشهر على بدء تطبيق المنظومة- تم إلغاء الوزارة فى سبتمبر 2015، لترتبك المنظومة الوليدة، إلى أن أعلن د.خالد فهمي- وزير البيئة- استكمالها فى العيد القومى لبورسعيد 23 ديسمبر عام 2015، وبدأ العمل فى مارس 2016.





«الأهرام» انتقلت لبورسعيد لترصد عن قرب عمل المنظومة الجديدة، خاصة بعد اكتمالها عقب تشغيل مصنع إعادة التدوير منذ شهرين، إذ كان يتم التخلص من القمامة فى المقالب المخصصة لذلك.



تلك المنظومة التى تبدأ من أمام الوحدة السكنية انتهاء بمصنع إعادة التدوير، من المفترض تعميمها على باقى محافظات الجمهورية، وعلى رأسها القاهرة والجيزة، وذلك عقب انتهاء عقود الشركات الأجنبية، وهى التى كانت باعتراف الجميع- السبب الرئيسى فى أزمة القمامة التى لم تسلم منها أى منطقة، راقية كانت، أو عشوائية..



فى التاسعة صباح يوم شديد البرودة، استقبلنا فى أثناء عمله « عم جرجس»، و يعمل فى مجال الجمع السكنى منذ 40 عاما، وهو نقيب شركات الجمع المنزلى بالمحافظة، التى تم تشكيلها فى عهد د. ليلى إسكندر كما حكى لنا.








كارنيه ويونيفورم



تنقسم محافظة بورسعيد كما يشرح لنا عم جرجس إلى سبعة أحياء هي: الزهور، الضواحي، المناخ، العرب، الشرق، حى غرب، ومدينة بورفؤاد، ومع بداية العمل مع د. ليلى اسكندر تم تنظيم قطاع الزبالين فى المحافظة « نحو ألف عامل» من خلال تكوين شركات للنظافة، وكان عددها حينها 15 شركة، أصبحت الآن تسعا بعد اندماج عدد منها فى نوفمبر الماضى . يتابع جرجس قائلا:» كل شركة مسئولة عن مناطق محددة، ولديها عمالها المسجلون، لكل منهم «كارنيه» يثبت تبعيته للشركة التى ينتمى اليها، ولديه زى للعمل» يونيفورم» ، ولكل شركة سياراتها الخاصة لنقل القمامة إلى المصنع، وتم عمل دورات تدريبية للعمال، وندوات وحملات توعية قادتها بعض الجمعيات الأهلية لتوعية السكان بكيفية التخلص من القمامة.



ويضيف:» من المفترض أن تقوم كل شركة بجمع 54 طنا من القمامة يوميا، بواقع كيلو و800 جرام كمتوسط من كل وحدة سكنية، حيث تكون كل شركة مسئولة عن 30 ألف وحدة سكنية فى المتوسط، وحتى نوفمبر الماضى كنا نحصل على ستة جنيهات من وزارة البيئة مقابل الوحدة السكنية تم رفعها إلى 8 جنيهات عقب تشغيل المصنع».



يلتقط طرف الحديث «جميل» الذى يعمل سائقا وشريك عم جرجس فى شركتهما:» هناك مشكلات تكتنف المنظومة القائمة أولها أن الشركة التى تعجز عن جمع الكمية المطلوبة يتم الخصم من مستحقاتها ، فالطن يخصم مقابله 50 جنيها ، والكثير من الشركات تعجز فعلا عن جمع الـ54 طنا يوميا، وأقصى ما استطعنا الوصول اليه هو 80% من الكمية المطلوبة، وهى النسبة المقبولة من قبل لجنة الرصد والتقييم الموجودة فى كل حي، أما اذا نقصت عن ذلك فيتم الخصم من المستحقات. الأمر الثانى والذى اتفق معه عم جرجس وشدد عليه- هو أن العقد المبرم مع المحافظة ينص على أن الشركات ملتزمة فقط بالجمع السكنى ولا علاقة لها بكنس الشوارع، لكن هذا البند على الورق فقط، أما الواقع هو أن رئيس الحى يلزم الشركات التابعة له بتنظيف الشوارع ورفع أى مخلفات منها، رغم أنها مهمة عمال نظافة الحي، ويحدث ذلك تحديدا عند الزيارات الرسمية المهمة، ويضيف جميل: فهو »لايستطيع أحدنا الاعتراض، والمشكلة أننا عندما نورد القمامة الى المصنع يرفضها ولا يحسبها ضمن القمامة المقبولة، لأنها تكون عبارة عن أتربة وقصاصات، وهنا نقع فى حيرة من أمرنا، فكيف نجبر على جمعها ثم يرفضها المصنع ويخصمها من الوزن أو ربما يرفض «النقلة» بأكملها؟!








رحلة «نسيم» اليومية



تنقلنا مع «نسيم» الذى يعمل فى المهنة مع شقيقيه ، وارثين إياها عن والدهم، يجمع القمامة من الأبراج السكنية فى حى الضواحي. يبدأ العمل فى السابعة صباحا، وأحيانا يمر على بعض الأبراج فى الفترة المسائية ، التى تتميز بكثرة مخرجاتها من القمامة. يدخل العمارة فيحضر له البواب «القفة» الخاصة بالعمارة. يصعد لآخر طابق ثم يمر على الطوابق تباعا، ليجمع ما يودعه السكان من أكياس وغيرها مما استغنوا عنه، ثم يفرغ محتوياتها فى السيارة المنتظرة فى الخارج. نسيم يرى هو الآخر أن الكمية المطلوب جمعها يوميا للوفاء بشروط التعاقد ضخمة، مشيرا إلى أنه فى بعض المناطق المتواضعة لم يعتد الساكن أن يخرج «قمامته» فى سلة خارج الشقة، وإنما يقوم بإلقائها من النافذة ، أو فى أحسن الأحوال، يأخذها فى أثناء خروجه لعمله، ليلقيها فى الشارع، وأحيانا ينهر الزبال الذى يأتى ويطرق بابه ليجمع قمامته، ويرجع نسيم ذلك إلى أنه فى الفترة من 2001 حتى 2012، لم يكن هناك جمع سكنى فى بورسعيد، إذ كانت هناك شركة تولت الأمر ، بأن وضعت صناديق فى الشوارع، تماما كما فعلت الشركات الأجنبية فى القاهرة، واستمر هذا الوضع 11 عاما الى أن رحلت، وحتى يعتاد الأهالى على الوضع الجديد ، سنحتاج مزيدا من الوقت، وإن كان السكان فى المناطق الراقية، قد استجابوا، بل بدأوا يفصلون بقايا الطعام عن البلاستيك.








إعادة التدوير



فى قلب المصنع الذى يقع فى منطقة أبو عوف، تراصت سيارات نقل القمامة فى انتظار مرورها على منطقة» الوزن» والتقييم، ومن ثم تفريغ الحمولة والعودة من جديد لنقل حمولة جديدة، إلا أن تلك العملية تستغرق أحيانا الكثير من الوقت، مما يؤدى إلى تذمر العمال، لضياع اليوم، وبالتالى عدم قدرتهم على الوفاء بحجم القمامة المطلوب منهم يوميا، ومن ثم الخصم من مستحقاتهم.



فى المصنع الذى يستقبل يوميا نحو 500 طن من القمامة، استقبلنا مديره أيمن عطية، الذى أوضح لنا أن المصنع يعمل بشكل فعلى منذ نوفمبر الماضي، بعد أن انتقلت ملكيته الى أحد المستثمرين، وحتى الآن يتم انتاج الوقود البديل أو الـRDF الذى يتم استخدامه لتشغيل مصانع الأسمنت بدلا من الفحم، وهو ما يعنى توفير طاقة نظيفة، كما يتم فرز المواد البلاستيكية وكبسها فى «بالات» لتوريدها للمصانع المعتمدة على البلاستيك لإعادة تدويرها بدلا من استيراد خامة جديدة، أما المنتج الثالث الذى من المفترض إنتاجه قريبا فهو السماد العضوي» كومبوست».



التقط طرف الحديث على عبد الفتاح- مهندس الجودة بالمصنع- ويقوم بفحص جودة المدخلات من القمامة، وجودتها بعد الفرز ثم جودة المخرجات، مشيرا إلى أن المصنع يستوعب كل كمية القمامة التى تصل إليه، فيتم التخلص من القمامة بشكل مفيد.







كنس الشوارع مهمة الأحياء



فى المصنع أيضا، وبدلا من مقابلته فى مكتبه ، التقينا بأشرف الكسار الذى يعمل فى إدارة تطوير شئون الأحياء فى محافظة بورسعيد، ويحمل ملف منظومة القمامة على عاتقه منذ أن بدأ مع د.ليلى اسكندر.



الكسار يعمل حلقة وصل بين عمال النظافة- الممثلين فى الشركات- من جهة ، والمحافظة ووزارة البيئة من جهة أخرى. طرحنا أمامه ملاحظات عمال الجمع، وعلى رأسها شكواهم من حجم القمامة المطلوب توريده للمصنع يوميا، فأوضح أنهم قاموا بتحديد الكمية - كيلو و800 جرام- كمتوسط يومى من الوحدة السكنية بناء على دراسة قامت بها كلية العلوم، ومع ذلك فقد قرروا إعادة التقييم من جديد، بحيث يكون للك حى القيمة الخاصة به، ويشرح قائلا:» هناك أحياء شعبية يقوم سكانها بتربية المواشى والدواجن، فيتخلصون من قمامتهم فى إطعامهم وبالتالى يقل حجم مخلفاتهم، وهناك مناطق راقية ذات مستوى اجتماعى واقتصادى عال، فيكون حجم مخلفاتهم أكبر، وبالتالى سيكون من الظلم توحيد الكمية المطلوبة على جميع الشركات.



الأمر الثانى هو إلزام الأحياء بكنس الشوارع وأعمال الدهانات وغيرها، والالتزام بشروط العقد مع الشركات التى تلزمهم بالجمع السكنى فقط لا غير، وقال الكسار:» هدفنا أن تتفرغ الشركات للجمع السكنى حتى يتم تعميمه فى جميع مناطق بورسعيد بنسبة 100% بحيث لا نرى كيس قمامة واحدا فى الشارع».







سحب صلاحية التقييم من الأحياء



الأمر الثالث الذى تذمر منه العمال كان تأخر مستحقاتهم المالية منذ بدء تشغيل المصنع ،وهو ما أرجعه الكسار إلى أن المنظومة لا تزال فى مراحلها الأولية، ومن الطبيعى أن يشوبها بعض القصور، مشيرا إلى أنه من المفترض أن يتم صرف المستحقات بناء على تقييم ما يسمى اللجنة الدائمة التى تتشكل من ممثلين عن وزارة البيئة والمحافظة، بدلا من النظام السابق الذى يجعل التقييم مهمة كل حى على حدة، مما كان يفتح الباب أمام المجاملات والمحسوبية ، أو الترصد وفقا لهوى رئيس كل حي، خاصة أنه كان المسئول عن منح كل شركة مستحقاتها. يتابع الكسار:» نظرا لتأخر الموافقات على توفير أماكن إقامة لأعضاء اللجنة، تأخر عملها وبالتالى التقييم ودفع المستحقات». ويوضح الكسار أن عمل اللجنة الدائمة سيكون على أرض الواقع ، من حيث الالتزام بالكميات المطلوب جمعها، ورضا السكان عن الخدمة، والتزام العامل بالزى الموحد ، وعدد الوحدات السكنية الخاص به، وحجم التدوير الناتج فى المصنع وأداؤه بشكل عام.



يختم الكسار حديثه بأنه لكى تنجح المنظومة وتكتمل، لابد أن تكون القيادات أنفسها على قناعة تامة بها، وكذلك السكان، فالحى يجب أن يقوم بدوره فى كنس الشوارع ونظافتها، لا أن يلقى الحمل على الشركة التابعة له، والساكن لابد أن يتعاون مع عامل الجمع لا أن ينهره أو يلقى قمامته فى الشارع، ولابد أن يكون هناك إجراء ضد من يقوم بذلك، خاصة أن ذلك من شأنه أن يدفع الشركات لرفض العمل فى الأحياء المتواضعة التى غالبا ما يرفض سكانها الالتزام بالمنظومة. كما لفت الكسار إلى أن المصنع الحالى لن يجد مساحة يخزن فيها القمامة ، التى تتزايد يوما بعد يوم، ومن الضرورى إضافة مزيد من خطوط الانتاج، وهو ما ستبحثه اللجنة الدائمة التى من المنتظر أن تبدأ عملها قريبا.