أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
عولمة الثقافة الشعبية!! (10)
1 يناير 2017
سناء صليحة;


«البير ومغطيه لابد من وقوعك فيه/ المركب إللى فيها ريسين تغرق/ ادى العيش لخبازه ولو يأكل نصه/ قول فى وشه ولا تغشه/ إللى عاوز تحيره خيره..» مجرد محاولة تذكر بعض من الامثال والأقوال التى ورثناها عن الاجداد دون حتى الرجوع لمجلد أحمد تيمور باشا «الامثال الشعبية»، الذى جمع فيه ما يزيد على ثلاثة آلاف مثل شعبى مصرى تُعد المرجع الأشهر والأوسع عن حياة المصريين وطرق تعبيرهم وعاداتهم وتقاليدهم وأسلوب تفكيرهم. وحسهم الفكاهى، أوقعتنى فى حيرة إذ تدافع لذهنى كم مرعب منها، كان على ان انتقى وأفاضل بينها لتكون دليلى للسطور التالية والإجابة عن سؤال كيفية توظيف عناصر الموروث الشعبى لوضع منهج عمل مُستقى من البيئة المحلية لإعادة بناء وتأهيل الشخصية المصرية والتصدى لمشكلاتنا الآنية. وإذا كان الفيلسوف الايطالى انطونيو جرامشى مؤسس مفهوم «الهندسة الثقافية» قد أعتبر الفنون وسيلة لتمهيد الطريق لتغيير الأفكار وإعادة تشكيل الوعى وتغيير النمط الثقافي، فقد أوضح المفكر المصرى السيد يسين فى كتابه «التحليل الثقافى للمجتمع نحو سياسة ثقافية جماهيرية» ضرورة أن يكون منهج التحليل الثقافي الذى نتبناه فى العالم الثالث والوطن العربى بوجه خاص نابعا وممثلا للبيئة ولأوضاعها الثقافية والاقتصادية والسياسية ،وهو الامر الذى اكدته التجربة العملية وبحوث التنمية التى كشفت ضرورة توظيف المعارف الشعبية لاستنباط رؤى سياسية وتنموية أصيلة مستمدة من البيئة لمجابهة ما فى الواقع من تعقد مستمر ليكون للثقافة الشعبية و الخيال الشعبى حضورهما فى عملية رسم السياسات الاصلاحية بما يضمن تحققها على ارض الواقع. وتكتسب هذه الرؤية اهمية خاصة اذا ما تذكرنا أن كل القرارات الفوقية التى تناقضت مع الموروث الثقافى ولم تجد ما يدعمها فى البيئة المستهدفة على مستوى تحقيق فائدة عاجلة ملموسة أو حتى مؤجلة ، من قبيل تسهيل التعايش مع الظرف الحياتى أو تلقين قيم المجتمع وتجنب السلوكيات الضارة أوتتوافق مع منظومة العادات والتقاليد، لم تحقق الهدف المرجو منها وان تأثيرها ظل ظاهريا مؤقتا مرهونا بقوة الجهاز او السلطة التى اصدرت القرار. ولعل اوضح مثال على ذلك برامج تنظيم الاسرة والقرارات الفوقية التى تدعم حق المرأة فى المشاركة فى الحياة السياسية فى مقابل العوائق والصعوبات التى تواجهها على ارض الواقع إذا ما قررت خوض أى انتخابات !! مع ذلك فبالرجوع للدراسات التى تكتظ بها المعاهد العلمية المتخصصة والمكتبات العامة فى مجالات المأثور الشعبى والتنمية ووسائل الاقناع والتواصل الجماهيرى ومحاولة تطبيق التوصيات والآليات التى اقترحها الباحثون نكتشف أمكانية توظيف الثقافة الشعبية فى التنشئة الاجتماعية ومد بساط التواصل والاتصال بين مفاهيم وضوابط أخلاقية يمكن استثمارها فى عملية التنمية ورسم السياسات الاصلاحية.فإذا ما طبقنا ذلك على الامثال والأقوال التى جاءت فى بداية هذه السطور ويكررها العامة تلقائيا فى مواقفهم الحياتية المختلفة نكتشف أن القيم التى تحملها فى ثناياها تتوافق مع متطلبات تحقيق التنمية واستعادة الثقة بالنفس والصدق ومقاومة هوى النفس والإيقاع بالآخر والنفاق لتحقيق مصالح خاصة وتكرس لاحترام التخصص وتحمل مسئولية القيادة. الأكثر من ذلك أن بعضا من أقوالنا وأمثالنا الشعبية لا تلخص فقط مفاهيم اكتسبت أبعادا جديدة فى حياتنا المعاصرة، بل أيضا تضع أيدينا على طرق مجابهتها، ولعل أصدق شاهد على ذلك مثل «إللى عاوز تحيره خيره» الذى يلخص فى كلمات قصيرة سهلة على الأذن واللسان أكبر وأخطر تداعيات مسئولية الحرية وعوائق تطبيق الممارسة الديمقراطية بسبب غياب ثقافة الاختيار، فالحيرة التى يشعر بها المصرى فى مواسم الانتخابات والعجز عن حسم الاختيار والمفاضلة بين المرشحين على أسس عقلانية واضحة بعد أن تحول لفريسة حائرة بين لوحات وصور المرشحين وسرادقات الدعاية الانتخابية والوعود الوردية والتصريحات العنترية وحملات التشويه المتبادلة فى الشارع وعلى الفيسبوك وحقائب الزيت والسكر وأنابيب البوتاجاز التى تغزو المناطق الفقيرة والعشوائيات،حتى ليبدو الناخب المصرى استنساخا لناخبى يوميات نائب فى الأرياف وزقاق المدق ،تؤكد أن نشر ثقافة الاختيار الحل الوحيد للخروج من متاهة وحيرة الاختيار. .وللحديث بقية.