عندما شاهده مدرب السباحة للمرة الأولى، وأجرى له بعض الاختبارات، تأكد أنه مشروع بطل، وله مستقبل يتخطى إمكانات اللاعبين المحليين، وتوقع له أن يصبح فى يوم من الأيام بطلا عالمياً، لم يخذل الطفل يوسف أحمد الدفراوى (12عاما) توقعات مدربه، وفى أول بطولة شارك فيها بعد نحو 7 أشهر فقط من التدريب المتواصل، حقق ذهبيتين وفضية، هذا الانتصار له قصة نرويها فى السطور التالية.
فى البداية تقول والدة يوسف: عندما أتم يوسف عامه الأول اكتشفت أنه لم يتكلم، ولم ينطق أى كلمة حتى «ماما وبابا»، وبدأت أتحدث مع الأهل والأصدقاء، وكان ردهم أن أصبر بعض الوقت وسوف يتكلم، وبعد فتره بدأت أشعر بالقلق، واتخذت قرار الذهاب إلى الطبيب، وبعد الكشف عليه وإجراء الفحص الشامل من رسم للمخ ومقياس للسمع والاختبارات اللازمة، اتضح لنا أنه يعانى من تأخرا لغويا وتشتتا فى الانتباه وفرطا فى الحركة، وهذا يسمى «التأخر الذهنى»، وبدأت رحلة العلاج التى شملت جلسات تخاطب وتنمية المهارات، وكانت رحلة شاقة لأننا كنا نذهب به إلى أماكن كثيرة خاصة وعامة، ووصل يوسف إلى عمر4 سنوات دون جدوى، وبسبب ذلك لم يلتحق بالحضانة مثل بقية أقرانه، ولكن لم استسلم، بل كنت أزيد من الجلسات الخاصة إلى أن وصل عمره 5 سنوات، وعندما نطق بأول كلمة وهى «نادى» وبدأت الفرحة تعم البيت بعد سنين من الحزن المكتوم، وبعدها أصبح ينطق الكلمات المفردة، ومرت الأيام، ونطق جملة من كلمتين «صباح الخير» حتى بلغ عمره 6 سنوات وحينما حان وقت دخول المدرسة.
وتكمل: تغير الوضع بعد أن تكلم يوسف بعض الكلمات المفهومة، وتم التحاقه بالمدرسة، ولكن للأسف لم يستجب ولم يستوعب المنهج الدراسي، فواجهته بعض المشكلات، حيث بدأ المعلمون يشتكون عدم تفاعله معهم فى الفصل، وتعبت كثيرا بسبب ذلك، حتى تحدثت مع صديقة لى، وأخبرتنى بمدارس «الدمج»، وأنها تناسب يوسف وظروفه، وعلى الفور نقلته من المدرسة الخاصة التى كان فيها إلى هذه مدرسة «طور سينا»، وكانت المعلمة متفهمة لطبيعة الأولاد ذوى الإعاقة، وتراعى ظروفهم، وتحبهم، وجعلت يوسف يتفاعل معها فى أثناء الشرح، وبدأت قدراته على القراءة والكتابة تتحسن، كما أصبح يستطيع جمع وطرح المسائل الحسابية، وبصعوبة شديدة وبالطرق المختلفة استطعت أن أحفظه جدول الضرب، ومنذ ذلك الوقت علمنا أن يوسف يجب أن يشترك فى نوع من أنواع الرياضة حتى يخرج فيها طاقته بصورة إيجابية، فبدأ بممارسة لعبة السلة، ومر وقت فيها حتى اشتركنا له فى السباحة كرياضة يحبها فقط، ولم يكن فى تفكيرنا أن يحترف أو يشترك فى بطولات.
وتضيف: عندما رأيته يتجاوب مع المدربين ويحب التمرين، زاد اصرارى على استمراره، وجاء علينا وقت كنا نستيقظ فى الساعة ٦ صباحا حتى نصل إلى النادى فى موعد التمرين، وكان يوسف يستيقظ بالإجبار، ولا يريد الذهاب إلى التمرين، فكنت أصر على الذهاب به للتمرين رغم بكائه، ومرت الأيام وجاء فصل الشتاء، وأصبح الجو شديد البرودة، ورغم ذلك لم أتوقف يوما واحدا عن الذهاب به إلى التمرين، رغم توقف معظم الأمهات الأخريات، وفضلت الاستمرار به حتى فى أوقات سقوط الأمطار، لدرجة أن يوسف جاء عليه وقت كان يتدرب بمفرده فى حمام السباحة.
وتواصل حديثها: فى أثناء إحدى التدريبات التقيت مع كابتن السباحة كريم المصرى، وأخبرته بمشكلة يوسف، فطلب عمل اختبار له، وشاهده للمرة الأولي، وقال عنه إنه مشروع بطل عالمى، وأصبح يوسف يتدرب مع الكابتن كريم منذ شهر مايو الماضى، وإلى الآن، واشترك فى بطولة ودية وحصل فيها على المركز الأول، حتى جاء موعد بطولة الجمهورية التى أقيمت فى الأكاديمية البحرية بالإسكندرية نهاية الشهر الماضى، وقال الكابتن كريم إن يوسف سوف يشترك فى هذه البطولة كنوع من الاحتكاك دون النظر إلى مسألة حصوله على مركز أو تصنيف فى ظل وجود أندية كبيرة مثل الأهلى والزمالك والصيد وسموحة والمقاولون وغيرها، وبالفعل شارك يوسف مع فريقه تحت ٢٠ سنة وهو لم يتم ١٢ عام، جاءت المفاجأة بحصوله على أول ذهبية فى ٤٠٠متر تتابع، وكانت فرحة كبيرة لنا جميعا، وفى اليوم الثانى ولم يشارك يوسف، وفى اليوم الثالث والأخير شارك يوسف فى سباق ٤٠٠متر حرة فردي، وكان هذا بمثابة تحد من الكابتن كريم ضد عمالقة من الأندية الكبار تحت ٢٠ سنة، وفجر يوسف المفاجأة التى هزت قلوبنا وأدمعت عيوننا بفوزه بـ٤٠٠متر حرة، ثم بعد راحة قصيرة من الجهد الشاق شارك فى سباق ١٠٠متر «باك»، وفاز بالميدالية الفضية، وكان كل ذلك بفضل من الله ثم مجهود والده والكابتن كريم الذى صنع من يوسف بطلا فى فترة قصيرة.
وتختتم والدة يوسف حديثها بتوجيه الشكر لكل من ساعدها على تخطى العقبات التى واجهتها فى مسيرتها مع ابنها يوسف، سواء التعليمية أو الرياضية، ومنهم إيمان مدرسة الفصل من الصف الأول إلى الصف الرابع الابتدائى التى بذلت مجهودا شاقا لكى يتفاعل يوسف معها فى أثناء وجوده بالفصل، وريهان عبدالتواب أخصائية المتابعة، وعزة سعد التى سعت لتكرم يوسف ومنحه كأس التفوق الرياضى وشهادة من الإدارة التعليمية بالوايلى.