أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
تجربة مصر الفريدة في التعايش السلمي
16 ديسمبر 2016
د. شوقى علام مفتى الجمهورية


لا يعرف وجدان الشخصية المصرية وسماتها أى مظهر من مظاهر التباين الطائفى والجنوح إلى العنف والعدوان، لأنها شخصية تتميز بالسماحة واحترام الخصوصيات الثقافية والحضارية عبر التاريخ، ولذا كانت مصر صاحبة أعمق تجربة تاريخية ناجحة فى التعايش والمشاركة فى الوطن الواحد بين أصحاب الأديان المختلفة.



وهى سمات نبيلة وأخلاق راقية تنطلق من أن اختلاف الناس فى ألوانهم وأجناسهم ولغاتهم وعقائدهم ما هو إلا آية من آيات باهرة للخالق سبحانه ودلالة على اتساع مجال العمران فى هذه الحياة بما تُمَثِّله هذه التعددية من سبب دافع للتعارف والتواصل لا للتصارع والتقاطع، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[الحجرات: 13]. وتفرع من هذه المقاصد الجليلة وجوب حماية أهل الأديان السماوية شركاء الوطن، وكذا الذود عن دور عبادتهم؛ إذ لا إكراه على معتقد أو رأي، إقرارًا واحترامًا لحرية الإرادة، وقبولًا بسمات التمايز والفروق والحياة الخاصة، قال تعالى:(لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)[الكافرون: 6].



إن هذه الحماية لغير المسلمين من جميع الجوانب واحترامهم بكافة الأشكال تقوم فى الإسلام على الالتزام والمسئولية، لا على العاطفة والمشاعر المعنوية التى قد تزيد أحيانًا وتفتر أحيانًا أخرى، حيث جاء فى كتاب النبى صلى الله عليه وسلم لأسقف بنى الحارث بن كعب وأساقفة نجران وكهنتهم ومن تبعهم ورهبانهم: «أنّ لهم ما تحت أيديه من قليل وكثير من بيعهم وصلواتهم ورهبانيتهم، وجوار الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ألّا يُغَيَّرَ أسقف عن أسقفيته، ولا راهب عن رهبانيته، ولا كاهن عن كهانته، ولا يغير حق من حقوقهم، ولا سلطانهم، ولا شيء مما كانوا عليه، ما نصحوا وأصلحوا فيما عليهم، غيرَ مُثقَلين بظلم ولا ظالمين»، (الأموال لأبى القاسم بن سلام ص: 244). ووثق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه لأهل المقدس المواثيق فيما يعرف بالعهدة العمرية. هذه لمسات إنسانية راقية ومعالم حضارية زاهية قد جرى على مراعاتها المسلمون تشريعًا وممارسة عبر تاريخهم المشرف وحضارتهم النقية وأخلاقهم النبيلة السمحة التى دخلوا بها قلوب الناس قبل أن يدخلوا بلدانهم؛ فوجود الكنائس والمعابد نفسها فى طول بلاد المسلمين وعرضها، وشرقها وغربها، فى قديم الزمان وحديثه يشهد بجلاء كيف احترم المسلمون دور العبادة وأولوها من الرعاية أبلغها وأعطوها من الحماية منتهاها بما لم يتوفر لها فى أى دين أو حضارة أخرى.



ثم إن أهل مصر يتميزون عن غيرهم بميزة خاصة، امتثالًا لوصية النبى صلى الله عليه وسلم فقد روى ابن سعد فى «الطبقات الكبرى»: أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كتب إلى واليه على مصر عمرو بن العاص رضى الله عنه: «أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم وأوصى بالقبط فقال: «استَوْصوا بالقِبْطِ خيرًا؛ فإنّ لهم ذِمّةً ورَحِمًا»، ورَحِمُهم: أن أمّ إسماعيل عليه السلام منهم، ونقل عن الزهرى أنه قال:الرحم باعتبار هاجر والذمة باعتبار إبراهيم، أى ولد النبى صلى الله عليه وسلم، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن ظَلَمَ مُعاهَدًا أو كلَّفه فوق طاقته فأنا خصمُه يومَ القيامة»، احذر يا عمرو أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم لك خصمًا؛ فإنه مَن خاصمه خَصَمَه».



أليس فى الأدلة الشرعيَّة والشواهد التاريخية دلالة كافية لأهل العقل والبصيرة أن هذه الأعمال الإجرامية والتخريبية مصيرها الفشل والخسران، وأنها لن تفت فى عضد المصريين ووحدتهم ولن تزيدهم إلا توحدًا على قلب رجل واحد، وإصرارا على مواصلة الجهاد المقدس ضد المرجفين وأهل البغى والفساد؟! فضلا عن الحقيقة الناصعة أنه ليس من الإسلام فى شيء التعدى على شركاء الأوطان ورفقاء درب بنائها أو إيذاؤهم أو ترويعهم، ناهيك عن سفك دمائهم أو التعرض لدور عبادتهم، وأن فاعل ذلك سيكون تاركًا لعهد النبى صلى الله عليه وسلم ووصيته فى الدنيا، وخَصمًا له يوم القيامة. حفظ الله مصر ووقاها شر المفسدين.