أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
اشتعال نيران الحرب الإعلامية بين أوروبا وروسيا
30 نوفمبر 2016
موسكو د. سامى عمارة

لعله من المثير للدهشة والغرابة معا ان تعرب بلدان الاتحاد الاوروبى عن مخاوفها واحتجاجاتها ضد وسائل إعلام روسية تقول انها تهدد أمنها الاعلامي، فى الوقت الذى كانت ولاتزال تملك فيه اكبر وكالات الانباء الاعلامية فى العالم, وتسيطر تاريخيا على كل الاسواق الاعلامية على مدى عقود طويلة.


ولذا قد يكون من المناسب ان نستعرض معا مفردات الموقف الاعلامى فى الساحة السياسية الإقليمية والدولية، فى محاولة لإلقاء الضوء على ما يحتدم من جدل فى الساحات الإعلامية الدولية حول هذا الشأن .



فيما سبق واعلن الرئيس الامريكى باراك اوباما فى قاعة الجمعية العامة للامم المتحدة روسيا بوصفها احد الاخطار الثلاثة مع الارهاب و«ايبولا» التى تهدد العالم، عاد البرلمان الاوروبى ليعلن عددا من القنوات ووسائل الاعلام الروسية مع «داعش» فى صدارة الاخطار التى تهدد بلدان الاتحاد الاوروبي. جاء ذلك فى مشروع قرار البرلمان الاوروبى حول ما وصفه بـ«التواصل الاستراتيجى للاتحاد الأوروبى حول كيفية مواجهة دعاية دول ثالثة». وفى هذا الشأن قالت انا فوتيجا عضو البرلمان الاوروبى عن بولندا «ان روسيا تقدم الدعم المالى للأحزاب السياسية والمنظمات المعارضة فى الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبي، وتستخدم عامل العلاقات الثنائية من أجل التفريق بين أعضاء الاتحاد». واشار القرار الى اسماء عدد من المؤسسات والقنوات الاعلامية الروسية ومنها وكالة أنباء «سبوتنيك»، وقناة «ٌRT»، وصندوق «روسكى مير» (العالم الروسي) ومنظمة «روس سوترودنيتشيستفو» (التعاون الروسي) التى وصفها بأنها «أحد التهديدات الإعلامية الأساسية على الاتحاد الأوروبى وشركائه فى شرق أوروبا».



ورغم ان القرار لايتسم بطابع الالزام ويظل فى إطار التوصيات، فقد بادرت وزارة الخارجية الروسية بإصدار بيان شجبت فيه مشروع القرار الذى قالت انه يعد «تمييزا بحق الصحافة الروسية وانتهاكا للقانون الدولي»، فيما اعلنت مارجريتا سيمونيان رئيسة تحرير قناة «روسيا اليوم» أن القرار الأوروبى «يوجه ضربة إلى عدد من وسائل الإعلام، فضلا عن أنه يعارض القوانين المعمول بها لدى الاتحاد الأوروبى فى مجال حقوق الإنسان وحرية الصحافة، ومنها المادة 19 من الميثاق الدولى للحقوق المدنية والسياسية، والمادة 11 من ميثاق الاتحاد الاوروبى الخاص بالحقوق الاساسية وقرار الاتحاد الاوروبى بتاريخ 11 ديسمبر 2012 حول صياغة استراتيجية الحريات الرقمية فى السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي».ومن جانبه اكد قسطنطين دولجوف مفوض حقوق الإنسان والديمقراطية لدى وزارة الخارجية الروسية فى حديث لقناة «روسيا اليوم» ان «روسيا ستواصل طرح مسألة بشأن محاولات حظر نشاط وسائل إعلام روسية فى عدد من الدول»، فيما اشار إلى ما يراود الآخرين من مخاوف بشأن نشاط الاجهزة الاعلامية الروسية.



ونقلت وكالة «نوفوستي» عن عدد من اعضاء البرلمان الاوروبى معارضتهم لمثل هذا التوجه ومنهم إيميريك شوبارد النائب عن فرنسا ما قاله حول «أن هذا القرار لا يأخذ فى عين الاعتبار وجود دعاية مضادة لروسيا»، الى جانب ما قاله زميله جان لوك شافاوزير حول «أن النشاط الإعلامى الأمريكى هو الذى يمثل خطرا على الاتحاد الأوروبي، وليست الدعاية الروسية» على حد تعبيره، اضافة الى تصريحات هافير كاوسو، النائب عن إسبانيا التى طالب فيها باعتبار روسيا «شريكا محوريا للاتحاد الأوروبى ولاعبا رئيسيا على صعيد الأمن الدولي، وفى محاربة تنظيم «داعش»، الى جانب دعوته إلى «رفع العقوبات المفروضة على موسكو، واستئناف سريان اتفاقية روسيا – الاتحاد الأوروبي».



واضاف كاوسو انه ليس من المسئولية ان نضع روسيا ومؤسساتها الاعلامية فى صف واحد مع تنظيم الدولة الاسلامية «داعش».



وكانت موسكو، وفى محاولة لدرء الضغوط الغربية، ومواجهة الهجمات الشرسة من جانب الاجهزة الاعلامية الغربية التى تحتكر «الاعلام العالمي»، من خلال اشهر وكالات الانباء ومنها «اسوشيتدبرس» و «رويتر» و «فرانس برس»، والقنوات التليفزيونية وكبريات الصحف والمجلات، فكرت فى إطلاق عدد من مشروعاتها الاعلامية الدعائية التى اشرنا الى بعضها عاليه.



ارادت موسكو ان يكون لها حق الرد المكفول عالميا فى كل المواثيق الدولية التى تنظم حرية التعبير وحقوق النشر. أرادت القيادات والدوائر السياسية والإعلامية ان تجد لها من المؤسسات والقنوات الاعلامية مايمكن ان يكون المصدر الاساسى لكل ما يتعلق بروسيا من معلومات حول قضاياها وشئونها، وبما يمكن معه الاستغناء عن القنوات الوسيطة التى طالما كانت، ولا تزال, تستقى منها الدوائر الاجنبية, ومنها العربية والمصرية على وجه الخصوص، الكثير من الاخبار عن روسيا وما يدور بين جنباتها من قضايا وما يتعلق بها من امور. وجاءت الازمة الاوكرانية، والحرب فى سوريا وحولها فى العديد من مناطق الشرق الاوسط، لتكون ساحة جديدة للمواجهة غير المعلنة بين روسيا وخصومها فى الغرب وما وراء المحيط. وكان من الطبيعى ان تقدم موسكو ادواتها الاعلامية الجديدة ومنها قنوات «روسيا اليوم» بكل تنوعاتها الانجليزية والعربية والإسبانية، الى جانب وكالة انباء «سبوتنيك» التى تعمل تحت مختلف التسميات ومنها مؤسسة «روسيا سيفودنيا» اى «روسيا اليوم» التى تعمل تحت عباءتها الوكالة الروسية القديمة «ريا نوفوستي» وعدد من المحطات الاذاعية. ونذكر بهذه المناسبة ما اعلنه دميترى كيسيليوف المعلق التليفزيونى الذى اختاره الرئيس بوتين مديرا عاما للوكالة الاعلامية الجديدة تحت رعاية غير مباشرة من جانب الكرملين. قال كيسيليوف « نحن ضد الدعاية العدائية التى يقتات عليها العالم.. سنقدم تفسيرا بديلا للعالم.. هناك حاجة إلى ذلك»، وكشف عن افتتاح مكاتب لهذه المؤسسة الاعلامية الروسية فى 30 مدينة حول العالم، من بينها واشنطن ولندن وبرلين وباريس وريو دى جانيرو، إلى جانب القاهرة وجمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق. وفى محاولة لتهدئة روع من توجس خيفة من الوكالة الجديدة اكد كيسيليوف ان «السياسة التحريرية لوكالة «سبوتنيك» ستكون متعددة الاقطاب، ومتبانية الاطياف، الى جانب انطلاقها من تعدد الثقافات». واختتم تصريحاته بقوله «اننا ضد الدعاية العدائية التى تنقل حاليا للعالم ، والتى تفرض عالما أحادى القطبية»، وهو ما عرفه العالم على مدى عقود عديدة منذ منتصف القرن الماضي.



وبهذه المناسبة نشير الى ان الرئيس بوتين طالما حاول كسر جدران الصمت والعزلة التى ثمة من دأب على تشييدها وفرضها حول روسيا وسياساتها بلقاء يحرص على عقده سنويا على هامش اعمال المنتدى الاقتصادى السنوى فى سان بطرسبورج، وهو اللقاء الذى ثمة من يقول انه يظل أحد أهم وأمضى أسلحته التقليدية التى طالما عادت عليه بأفضل النتائج، اضافة الى لقاءات «منتدى فالداي» الذى يحرص بوتين على المشاركة فيه منذ بدء دوراته فى عام 2004 بمشاركة عدد من الشخصيات السياسية العالمية ممن سبق وكانوا على رأس السلطات التنفيذية فى بلدانهم. وفى هذا الصدد نشير الى ان الرئيس الروسى عادة ما يلتقى فى «منتدى سان بطرسبورج» رؤساء ومديرى أهم وكالات الانباء العالمية التى طالما احتكرت «الحقيقة» بما تريد لها من اطياف ألوان تتلاءم مع توجهاتها ومخططاتها، ومنها «اسوشيتد برس» الامريكية التى احتفلت فى مايو الماضى بالذكرى السبعين بعد المائة لتأسيسها، و«رويترز» البريطانية التى يتداولون اخبارها فى 130 بلدا من خلال 19 لغة، و«فرانس برس» الفرنسية الواسعة الانتشار، و«د.ب.ا» الالمانية التى تستأثر بـ95% من حجم ما تتناقله وسائل الاعلام الالمانية من اخبار وتعليقات، الى جانب «تاس» الروسية، و«شينخوا» الصينية ، والانجليزية الايرلندية ذات التاريخ الذى يعود الى مائة وخمسين عاما مضت، والهندية، و«كيودو نيوز» اليابانية، و«وكالة الانباء الكندية» التى تاسست فى عام 1917، وهى الوكالات التى قال الرئيس بوتين انها تمد الاوساط الاعلامية العالمية بما يقرب من ثمانين فى المائة مما يتداوله العالم من اخبار تفرض نفسها على اجندة وسائل الاعلام المسموعة والمرئية والمقروءة.



ومن اللافت ان الرئيس فلاديمير بوتين وفى اول تعليق له على قرار البرلمان الاوروبى اعرب صراحة عن ارتياحه لعمل مؤسساته الاعلامية التى قال ان صدور مثل هذا القرار بحقها يعنى انها تؤدى عملها على النحو المطلوب، وبما يعنى عمليا انه وبوقوفه وراء تأسيس «روسيا اليوم» ووكالة «سبوتنيك» قد نجح ايضا فى تسوية بعض حسابات روسيا المعلقة مع «امبراطوريات الاعلام» التى حاولت القيام بدور «الدولة داخل الدولة» من خلال هذه الآليات الضاربة فى الساحة الخارجية التى اعرب عن كثير الامل فى احتواء ما تشكله من أخطار تهدد سلام واستقرار الوطن ووحدة اراضيه .