يعمل الإسلام دائما على توجيه الإنسان توجيهًا مباشرًا نحو البناء والتعمير والتنمية والحضارة، نظرا لسنة الله تعالى فيه حيث منحه الله تعالى قدرات عقلية وجسدية مميزة، وسخر له الأكوان ليكون خليفة فى الأرض، وفى ذلك يقول الله تعالى: (وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة)[البقرة: 30].
ولا ريب فإن النصوص الشرعيَّة الواردة فى الحث على العمل والضرب فى الأرض والسعى فى أطرافها والانتفاع بالمنافع والثمرات والتنقيب عن موارد الرزق فى البر والبحر، تلك النصوص تحمل فى طياتها أوامر إلهية تقرر وجوب استثمار مرافق هذا الكون والانتفاع بخزائنه المودعة فيه، ومنها قوله تعالى: (هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور)[الملك: 15].
لكن لم يترك الإسلام عملية التعمير تضبطها المقاييس المادية أو تحكمها القوانين الطبيعية فحسب، وإنما ربطها الإسلام بمنظومة الأخلاق والقيم من جانب العقيدة التى تمثل الأساس الذى تنبنى عليه جميع نظم الإسلام، وبيان ذلك يظهر فى مواجهة رسل الله عليهم الصلاة والسلام والمصلحين للفساد والانحلال والفوضى، مع سوء عاقبة المفسدين بألوان العذاب الأليم.
كما أنه ضبط حركة التعامل اليومى للإنسان من خلال ضرورة الالتزام بمكارم الأخلاق ومحاسنها القائمة على الإحسان والتكافل والتعاون فى جميع أحواله ومراحله، وفى الوقت ذاته نجد حربًا شديدة على كل ما من شأنه زعزعة قيم البناء وتأخير أسباب التعمير وإزالة مظاهر الحضارة سواء بالقول أو بالفعل أو بالسلوك، وبذلك فقد بلغ الإسلام الغاية فى منع الفساد، حيث كشف عن سبل الوقاية منه قبل وقوعه، وقضى عليه بعد وقوعه قضاء يذهب آثاره ويضعف من أضراره.
ولذلك أَوْلَى هذا الدين الحنيف عمارة الكون وبناءه عناية خاصة، وتواترت النصوص فى بيان وتأصيل مهمة وجود الإنسان فى هذا الكون.
ولعل أكثر وقوع الفساد والاضطراب فى هذا العالم حسيًّا أو معنويًّا ما كان فى ثوب الإصلاح، خاصة عند فساد العقول وخراب القلوب واختلال الموازين والتباس الأمور والأحوال، سواء كان ذلك آتٍ من جهة الجهل والغفلة أو من جهة العناد وإتباع الهوى، ولا يخفى أن هذا هو أسلوب المنافقين الذين كشف الله تعالى لنا عن صفاتهم ومناهجهم فى مواضع كثيرة، ومنها قوله تعالى: (ومن الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا ويشهد الله على ما فى قلبه وهو ألد الخصام. وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد. وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد)[البقرة: 204- 206].
فهؤلاء أفسدوا أنفسهم بالأخلاق المذمومة، وأفسدوا غيرهم بقلب الحقائق وتشويش الأفكار، وأفسدوا الدول والمجتمعات بنشر الكراهية وإشعال الفتن وسفك الدماء، بل أفسدوا الدين نفسه بتشويه صورته السمحة فى الشرق والغرب، وتدعيم الصورة الباطلة التى يحاول أعداء الإسلام أن يبثوها فى نفوس العالم، من أن الإسلام دين متعطش للدماء، وفى ذلك ذريعة لكثير من الأعداء الذين يتربصون بنا كل شر. وبعد ذلك يزعمون أن إفسادهم هذا إصلاح وخير، بل يقولون - كذبًا - إنهم وحدهم المصلحون؛ أى إصلاح فى إشاعة القتل وترويع الآمنين ونهب الأموال وهتك الأعراض؟ هل الإصلاح فى تدمير كل شيء؟ هل الإصلاح فى قتل حماة الأمن وعامل الأمان للوطن؟ هل الإصلاح فى تصفية العلماء والمفكرين؟ هل هناك إصلاح فى ذبح العلامة الشيخ سليمان أبى حراز – نحسبه عند الله شهيدًا - أحد رموز العلم والزهد فى سيناء؟
إن الفساد لا يحبه الله تعالى، لأن فيه تعطيلا للسنن والقوانين التى وضعها الله تعالى فى هذا الكون لحكمة صلاح الناس وضمان تعميره وصيانته، وهو ما تقوم به الأمة المصرية بغالب أهليها الصالحين، وشتان ما بين التعمير والتدمير، وبين البناء والهدم، وبين النجاة والهلكة، فالأول حياة والآخر فناء.