أحمد السيد النجار
محمد عبد الهادي علام
قصة لقاء أبو ظبى بين مجلس حكماء المسلمين والطائفة الأسقفية الإنجليكانية..التسامح.. الطريق إلى عالم متفاهم متكامل
25 نوفمبر 2016
أبوظبى ـ مروة البشير

هل تنجح بعض التجارب العربية مثل وزارة التسامح فى الإمارات وبيت العائلة بمصر فى مواجهة ظواهر التطرف والإرهاب والإسلاموفوبيا التى يعانى منها العالم بأسره الآن؟.


تساؤل مهم، حاول الإجابة عنه لقاء غير مسبوق بين مجلس حكماء المسلمين برئاسة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر والطائفة الأسقفية الإنجليكانية برئاسة اللورد جاستن ويلبى رئيس أساقفة كانتربرى، بعنوان «نحو عالم متفاهم متكامل»، عقد فى أبو ظبى الأسبوع الماضى.



....................................................



خلال اللقاء عرضت أول وزيرة عربية للتسامح، وهى الشيخة لبنى بنت خالد القاسمى وزيرة الدولة الإماراتية للتسامح، تجربة بلادها فى هذا المجال، حيث أشارت الى البرنامج الوطنى للتسامح الذى يتضمن عدة محاور منها: تعزيز دور الحكومة كحاضنة للتسامح، وتفعيل ادوار مجموعة مختلفة من الأفراد فى المجتمع للمساعدة فى نشر التسامح، وعمل برنامج لمقياس قيم التسامح والتعايش ودعمها داخل العمل، وايضا ترسيخ دور الأسرة المترابطة فى بناء المجتمع ، وتعزيز قيم التسامح لدى الشباب ووقايتهم من التعصب والافكار المتطرفة. بالإضافة إلى تأسيس رابطة لمتعاونى التسامح بهدف تعزيز التواصل بين مختلف الجاليات والثقافات فى الدولة ، واختيار شخصية كرتونية مؤثرة لابراز قيم التسامح ونبذ العنف، واعداد برامج تليفزيونية لنشر التسامح، والمساهمة فى الجهود الدولية لنشر التسامح مثل «جائزة بن راشد لنشر التسامح» ، وعقد مؤتمر دولى للتسامح يهدف الى استضافة الخبراء والمفكرين لتعزيز قيم التسامح .



وفى تعقيبه على تجربة الإمارات أشاد شيخ الأزهر بمصطلح التسامح الذى يحتاجه العالم كله، وليس العالم الاسلامى فقط، بالاضافة الى ضرورة فهم العالم الغربى فهما صحيحا لا يقوم على اساءة فهم كل من الحضارتين، فيحتاج ان يتسامح الشرق وان ينظر الى الحضارة الغربية كما هى والا يضع كل الغربيين فى قفص واحد ، فنحن نحتاج الى تصحيح النظرتين، وهو ما يتمثل بالفعل فى أولئك السادة الذين حضروا المؤتمر سواء من مجلس حكماء المسلمين أو من الكنيسة الأسقفية الانجليكانية، ويزداد الأمل حين تسدى الأمور الى سيدة تعلمت فى اوروبا وامريكا (فى إشارة لوزيرة التسامح) وهذا يشعرنا بالثقة ان تكون الامارات مركزا للتسامح يفيض على المنطقة كلها.



التجربة الثانية عرضها الأنبا ارميا الأسقف العام ورئيس المركز الثقافى القبطى، وهى تجربة «بيت العائلة المِصرية» التى يشغل فيها موقع الأمين العام المساعد، حيث أوضح أنه مع انتشار المَوجات الإرهابية في العالم، أصبحت الحاجة إلى تحقيق السلام من أهم متطلبات عصرنا الحاليّ، فبالسلام يتمتع البشر بالهُدوء والطمأنينة فيجدِّون في سعيهم ويُنتجون، وفي غيابه يتحول العالم إلى غابة وأشباه بشر قد فقدوا ما وهب لهم الله من إنسانية.



ويضيف أن التصديّ الفكريّ له دوران: دور تصحيحيّ يتصدى للتلاعب الفكريّ الإرهابيّ المغلوط وللانصياع خلف ما يحمله من هدم وتدمير، وآخر تعليميّ لغرس القيم الصحيحة التي تعلمها الأديان وترفع شأن الإنسان.



ومن هنا بدأت في مِصر فكرة إنشاء «بيت العائلة المِصرية»، و يُعد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر هو صاحب الفكرة، ورحب بها قداسة البابا شنوده الثالث ـ بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المَرقسية السابع عشَر بعد المئة؛ فوافق على الفكرة والمشاركة في تأسيس «بيت العائلة المِصرية».



وكشف الأنبا ارميا أن الفكرة ظهرت بعد واقعة «كنيسة سيدة النجاة بالعراق» في الحادي والثلاثين من أكتوبر عام ٢٠١٠، ثم الاعتداء على «كنيسة القديسَين بالإسكندرية» في الدقائق الأولى من عام ٢٠١١؛ فقد كان من الواضح آنذاك أن تخطيطًا موجَّها إلى مِنطَقة الشرق الأوسط لإحداث فُرقة بين المسلمين والمَسيحيِّين فيها، يشتمل أيضًا على نشر فكر إرهابيّ مؤدّاه رفض الآخَر. فجاءت المبادرة في أثناء زيارة وفد الأزهر برئاسة الطيب للبابا شنوده في الثاني من يناير ٢٠١١، لتقديم العزاء بعد واقعة كنيسة القديسَين، فعرض فضيلته الفكرة على قداسة البابا ، ولقيَت ترحيبًا، وبدأ التنفيذ العمليّ لتحقيقها. وأشار إلى أن بيت العائلة يستهدف الحفاظ على النسيج الوطنيّ الواحد لأبناء مِصر، وله ـ من أجل تحقيق هذا الهدف ـ الاتصال والتنسيق مع جميع الهيئات والوزارات المعنية في الدولة، وتقديم مقترحاته وتوصياته إليها، وكذا عقد المؤتمرات واللقاءات في جميع محافظات مِصر.



شيخ الأزهر أوضح من جانبه ان انطلاقنا من بيت العائلة لا يرتبط بالثورات التى مرت على مصر ، وانما جاءت الفكرة سنة ٢٠١١ بعد الهجوم على كنيسة سيدة النجاة فى العراق والقديسين فى الاسكندرية، فهذا الاعتداء لا يمكن ان يمثل الاسلام، فالقرآن لا يعتبر ان الاسلام منفصل عن بقية الاديان، ففى منطق القرآن يوجد دين واحد هو الدين الالهى ونحن نؤمن بجميع الرسل الذين يعبرون جميعا عن هذا الدين ، فالقرآن يؤكد ان مضمون ما ارسل على محمد هو مضمون ما انزل على موسى وعيسى . فالمسلم يتزوج مسيحية او يهودية وتظل على دينها بل وواجب عليه ان يذهب بها الى الكنيسة او المعبد لاداء صلاتها وعليه انتظارها حتى تنتهى ويعود بها الى البيت، فانظروا الى هذا الاختلاط والتزاوج بين الدينين فى غرفة واحدة وسقف واحد ودماء واحدة فى ابنائهم .



واختتم شيخ الأزهر تعقيبه بالقول: اعتقد ان وزارة التسامح فى الامارات وبيت العائلة فى مصر سوف يصنعان الكثير فطبيعة الدينين هى التسامح.



وقد سأل د. محمد عبدالفضيل الباحث فى مقارنة الاديان ومنسق عام مرصد الازهر كل من الانبا ارميا ووزيرة التسامح الإماراتية عن التحديات الاجتماعية التى تقابل وزارة التسامح او بيت العائلة المصرية.



أما الوزيرة فقالت ان المشاكل الطائفية والتعصب من اكبر المعوقات ، وبالنسبة للامارات فقد تم اكتشاف دير مسيحى مبنى فى القرنين السادس او السابع وهذا معناه ان دولة الامارات تحترم كل الاديان على مر التاريخ.



اللقاء غير المسبوق، بين مجلس حكماء المسلمين برئاسة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر والطائفة الأسقفية الإنجليكانية برئاسة اللورد جاستن ويلبى رئيس أساقفة كانتربرى، شهد أيضا نقاشات مهمة حول الحوار والاختلاف بين الأديان، فالقس الدكتور منير أنيس رئيس الكنيسة الإنجليكية المصرية وأفريقيا الشمالية وقرن أفريقيا قال إن الغالبية العظمي من المجتمعات تملك تعددية دينية ولها تأثيراتها فقد تؤدي إلى صراعات أو رخاء، والاعتراف بالتعددية والإيمان بها يعزز الحوار والتقدم، بينما عدم الإعتراف المتبادل يؤدي إلى صراع وحروب، مشدداً على أن العلماء ورجال الدين عليهم مسؤولية كبيرة تجاه مجتمعاتهم والتحديات التي تواجه الأديان.



بينما أوضح القس بولى لابوك من الطائفة الانجيلكانية أنه توجد عراقيل امام التعايش الايجابى منها ان الديانتين المسيحية والاسلام لديهما عناصر مختلفة بشكل اساسى وهذا الفشل فى التعايش مع الاختلافات يجعل الحوار صعبا.



وقد علق شيخ الازهر على ذلك بانه لابد ان تكون للمسيحية رؤيتها وللاسلام رؤيته ايضا، لأننا اذا ما اتفقنا فى العقيدة ما كنا امام دينين مختلفين ، فالاشتراك فقط فى الحياة والامور الحياتية، فأنا اعترف بدينك لك وانت تعترف بدينى لى وهذا ما يجب ان يكون ، فالعقائد لا اشتراك فيها.



وعقب كبير الاساقفة جوستن ويلبى قائلا انه يجب ان نعمل على كيفية ان نختلف بشكل جيد وان نحترم عقائد الآخرين دون تعصب ، كما يجب ايضا معرفة الاسباب التى ممكن ان نختلف بسببها ونعمل على حلها سويا.



وأوضح الدكتور على النعيمى أمين عام مجلس حكماء المسلمين أن عقد هذه اللقاءات الدورية مع المؤسسات الدينية الكبرى في العالم واستضافة وتنظيم هذا الحوار يهدف إلى مد جسور التواصل والتعاون بين بني البشر على اختلاف انتماءاتهم ومعتقداهم الدينية والفكرية، وتعزيز مفهوم الانفتاح على الآخر في محاولة جادة للبحث عن سبل مواجهة الأفكار الإرهابية والمتطرفة، والعمل على نشر قيم التسامح الديني والتعايش السلمي في جميع بقاع العالم.